ترجمة الحدث- ريم أبو لبن
كان من السهل توجيه أصابع الاتهام تجاه حركة المقاومة الاسلامية "حماس"، واعتبارها هي المسؤولة عن حدوث الانفجار في غزة واستهداف موكب رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد لله، ولكن هناك الكثير من المشتبه بهم، بحسب ما جاء في تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أمس الأربعاء.
بحسب الصحيفة، حركة "حماس" ليس لها أي مصلحة في مهاجمة كبار مسؤولي السلطة الفلسطينية، لاسيما وأنهم يتوجهون لافتتاح محطة معالجة مياه عادمة، وهذا حلم ينتظره سكان قطاع غزة ومنذ سنوات طويلة.
كما أن "حماس" لم تكن مهتمة بغض البصر والسماح لشخص آخر بمهاجمة زوار قادمين من مدينة رام الله. فهي تريد أن تصور نفسها كقوة حاكمة مستعدة لتتخلى عن إدارتها القوية من باب الاهتمام لمصالح سكان غزة، وليس بسبب إخفاقاتها. وحقيقة عدم النجاح في إحباط ذاك الهجوم، سيضعف موقف "حماس" في المحادثات التي تجري ما بين مصر وحركة فتح وهي الفصيل الحاكم في السلطة الفلسطينية.
بالنظر إلى المفاوضات الجارية، يمكن التنبؤ بمحادثات المصالحة ما بين حركتي حماس وفتح، وعليه فإن ما يتوافق مع حماس بأن تفرض سيطرتها على غزة وبشكل فعلي، ولكن فإن الدول المانحة والتي قطعت علاقتها معها تواصل بناء البنية التحتية في القطاع ومن خلال السلطة الفلسطينية.
مشاريع البنية التحتية تلك قد تخفف من "الكارثة" البيئية والإنسانية التي حلت في قطاع غزة، والناجمة عن الحصار الإسرائيلي، فمن المحتمل أيضا أن يخفف ذلك ولو قليلاً من معاناة عدد السكان "الهائل" في غزة، وبالتالي فإن هذا من أحد الأسباب المتعددة التي خلقت غضباً مجتمعياً تجاه "حماس".
بالعودة إلى عام 2007، غرق خمسة أشخاص في مياه الصرف الصحي بعد فيضانها من محطة المعالجة القديمة في منطقة بيت لاهيا. ولعدة سنوات تدفقت مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى البحر وتوغلت في طبقة المياه الجوفية، وقد خلفت أضرارا صحية معروفة وغير معروفة.
من المفترض أن يخدم المشروع الحالي والذي ينال تغطية مالية تصل إلى 75 مليون دولار وهي مقدمة من (السويد، بلجيكا، فرنسا، المفوضية الأوروبية والبنك الدولي)، ومن المفترض أن يلبي احتياجات 4 مليون نسمة. قامت اللجنة الرباعية للشرق الأوسط (الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا) ووزارة الخارجية الأمريكية بالاتصال بالسلطات الإسرائيلية، وذلك من أجل السماح لمواد البناء والخبراء من دخول غزة، ومن دون ذلك من المحتمل أن يستغرق البناء عدة سنوات أخرى.
وفقاً للبيان الصحفي الصادر عن البنك الدولي، توصلت إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى اتفاق مؤقت بشأن توفير الطاقة اللازمة لتشغيل المشروع، إذ وافقت إسرائيل وبالفعل على تشيغل خط كهرباء إضافي ولكن يبقى الاتفاق دائر ما بين السلطة الفلسطينية و"حماس" حول كيفية دفع ثمن الكهرباء الإضافية.
قد ينظر إلى الخلاف المرهون بتوفير الخدمات كـ الكهرباء لسكان غزة، على أنه خلاف يشكل عقبة رئيسية أمام التقدم في تحقيق المصالحة ما بين حركتي فتح وحماس. وفي المقابل فإن الخلافات المالية بين الطرفين والتي تحدث في أعقاب غرقان القطاع بفقر ويأس لم يسبق له مثل، هي مجرد غطاء للعداء وانعدام الثقة ما بين الحركتين الفلسطينيتين على حد تعبير الصحيفة.
السلطة الفلسطينية تدعي أنها تنفق جزءاً كبيراً من ميزانيتها على غزة، في حين أن حماس لا تشارك إيراداتها مع السلطة الفلسطينية. سكان غزة يقولون بأن جزءاً كبيراً من هذه النفقات هي تغطية للرسوم الجمركية التي تجمعها السلطة الفلسطينية على البضائع المستوردة إلى غزة وعبر إسرائيل.
حركة "حماس" تطالب السلطة الفلسطينية بدفع رواتب 20 ألف عامل في القطاع العام في غزة، وهؤلاء قامت بتوظيفهم حماس خلال سنوات فرض سيطرتها على القطاع، وحكومة رام الله تطالب بمنحها السيطرة الكاملة على جميع الأنشطة الحكومية في غزة بما في ذلك تحصيل الضرائب والمدفوعات.
"حماس" تواصل جباية الضرائب الاستهلاكية غير الرسمية في غزة وذلك لتمويل إدارتها للإقليم ( يتم تمويل أنشطتها العسكرية بمصادر تمويلية خارجية).
غير أن " حماس" تحاول توسيع حجم السلع التي تستوردها عبر مصر والتي تجبي منها الضرائب.
سكان قطاع غزة يؤكدون بأن السلطة الفلسطينية قد بذلت كل ما بوسعها لمنع وصول البضائع عبر مصر وذلك لما فيها عائد على "حماس".
غير أنهم يقولون بأن حكومة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أعدت "تدابير عقابية" إضافية ضد غزة، ومنها تقليص ميزانية البلديات، بجانب المزيد من التقليصات التي طالت رواتب الموظفين العاملين في القطاع العام، وهم يتقاضون أجراً مقابل عدم العمل وذلك منذ فرض "حماس" سيطرتها على قطاع غزة عام 2007.
سواء أكان ذلك صحيحاَ أم لا، فمن المهم أن أهالي غزة يتهمون كلا من الرئيس عباس وحركة فتح بمحاولة إخضاع غزة اقتصادياً حتى تتنازل حماس عن مطالبها بالشراكة في صنع القرار السياسي وفي مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.
إن مطالبة الرئيس عباس بـ "حكومة واحدة، ومسدس واحد" هو أمر منطقي وطبيعي، بجانب تخوفه من أن "حماس" قد تريد التخلي عن مسؤوليتها في الشؤون المدنية ومن ثم تجني رأس المال السياسي في ظل تشتت فلسطيني وبكونها توسم بـ حركة مقاومة.
وفي ذات الوقت، لا يسمح الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإجراء انتخابات جديدة (في الضفة الغربية وغزة)، إذ جمد عمل المجلس التشريعي الفلسطيني ولمدة 12 عاماً.
من المتوقع وكما هو مقرر أن يعقد اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني في رام الله نهاية شهر نيسان / ابريل المقبل، حيث يضم أعضاء حماس المنتخبين للمجلس التشريعي في عام 2006.
حقيقة انعقاد الاجتماع في رام الله بدلا من القاهرة أو عمان هو دليل واضح على أن الرئيس عباس وحركة فتح غير مهتمين بمشاركة المندوبين من حماس وجماعات "المعارضة" الأخرى، وهؤلاء تمنعهم إسرائيل من مغادرة غزة أو الدخول إلى أراضي الضفة الغربية.
وفي هذه الحالة، وبحسب ما وصفت صحيفة "هآرتس" فأن المطالب السياسية "المعقولة" لـ الرئيس عباس قد ينظر إليها بأنها خطوات لتعزيز حكمه الاستبداد، وإدامة سيطره فتح على منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية.
إذا، قد نتوصل إلى استنتاج مفاده بأن منافس الرئيس عباس وهو محمد دحلان أو الجماعات السلفية هم من كانوا وراء هجوم الثلاثاء على موكب رئيس الوزرء الفلسطيني رامي الحمد الله.
ومن الممكن تخيل سيناريو آخر، بأن من يتحمل مسؤولية التفجير هم شبان صغار السن، وغير مدركين للفهم السياسي ولكن تمكنوا من استخدام المتفجرات، وهم قد تأثروا بتصوير السلطة الفلسطينية وحركة " فتح" على أنهما قد تعاونتا على هجر غزة.