الساعة التاسعة والنصف خرجت كي امارس رياضة المشي المعتادة قريبا من بيتي في رام الله،كان يمكن ان يكون يوما عاديا، ان اسير النصف ساعة المعتادة التي اقضيها في التأمل واتخفف خلالها من ما علق في ذهني وروحي من تعب خلال النهار وخاصة في الايام التي تعلن عنها القوى الوطنية على انها ايام غضب واضطر ان اذهب الى حاجز بيت ايل لتغطيتها.
ايام الغضب حافلة بكل شيء الا حضور الفصائل ومشحونة بالغضب الذي ينصب على الاحتلال مع ان مصادره واسبابه تتجاوز الاحتلال المباشر.
اغطي الحدث واغطي معه انفعالاتي المتناقضة، افرح للشبان والصبايا وهم يغطون وجوهمهم ويهربون من كاميراتنا ويتحدون الجنود بشجاعة لا تخلوا من سخرية واستخفاف.
احداهن قالت لي بتوسل: لا تصورني عمو، امي بتتعرف على وبتمنعني اطلع.
بس وجهك مغطى قلت لها بسذاجة.
لكنها امي ردت وهي لا ترفع راسها عن دلو الحجارة الذي كانت تفرغه بين ايدي الشبان. قطعت حديقة الامم التي تبرعت بها سفارات عدة لمدينة رام الله لتتنفس بعض الهواء النقي فقررت البلدية ان تجبي رسوم دخول مقابل الهواء الذي وهبه الله والسفارات لهذا الشعب.
اربع خطوات فقط بعد حديقة الامم ووقع الانفجار.
الانفجار لم يكن من نوع الانفجارات التي الفها شعب تحت الاحتلال، انه انفجار الموسيقى الصاخبة التي تطلقها عشرات السيارات ممزوجة بتشحيط الدواليب على الارض وصراخ الفتيات اللوات اخرجن نصف اجسادهن العلوية من الشبابيك وفتحات السيارات.
احداهن قالت لي: معك اداحة(ولاعة)
ابتسمت ولم اجبها.
واصلت السير الى ان مررت من امام فندق شهير تملكه م ت ف ويقيم فيه ضيوفها وخاصة في المؤتمرات المهمة والاجتماعات الحساسة والمصيرية ومن هناك تناهى الى مسمعى صوت موسيقى ورقص اخذ يتصاعد كلما اقتربت وبقي يرافقني الى ان وصلت الى اخر الشارع الذي تبعني فيه موكب السيارات الصاخبة وحدث ما كان متوقعا.
احدى السيارات اصطدمت بسيارة مواطن ربما كان عائدا من عمله او ذاهب لتحصيل دين او لزيارة رحم او أي سبب اخر يجعله شبيه ب90% من شعبنا.
السيارة التي اصطدمت به هربت وبقية الموكب انكرها.
توقفت وقلت بيني وبين نفسي:
هنا ليس بيت ايل
ربما تحدث مفاجآت لعلي انتظر قليلا وارى.
نزل السائق المضروب من سيارته وقال بيأس وقلة حيلة للفضوليين الذين تجمعوا حوله: اولاد الفافي
بعد دقائق جاءت سيارة اخرى نزل منها مجموعة شبان ودون أي سؤال حملوا الحجارة وبدءوا يبحثون عن غريمهم المجهول الذي اعتدى على سيارة قريبهم لكن دون فائدة.
السيارة اختفت بمن فيها والموكب انك ان تكون من عداده ومجموعة الشبان تحمل حجارتها بيدها وتتوعد.
الشرطة لم تأتي لا بسبب التشحيط والموسيقى والعربدة ولا بسبب الحادث لانها ربما مشغولة في رصد شاب امسك في عتمة احد الشوارع بيد خطيبته او لاعطاء مخالفة لموظف فقير اوقف سيارته التي لازال يكدح ليل نهار من اجل سداد قروضها للبنك في مكان عام لم تسيطر عليه شركات الدفع المسبق حتى الان.
عدت ادراجي الى بيتي وقد زادت همومي ولعنت الساعة التي فكرت فيها ان امارس رياضة المشي معللا نفسي ان غدا هو يوم الجمعة وهو يوم غضب اخر سوف اقضيه قريبا من مقر قيادة جيش الاحتلال وقيادة الإدارة المدنية في مستوطنة بيت ايل التي لا تستقبل وفود المنتفعين في ايام الجمع وفي ذهني بريق امل صغير ان هناك على الأقل من لازال يقول له وان بصوت خافت وايدي ناعمة انه يعرف لماذا هوهي غاضبة.