منذ بداية الهجرة المزراحيًة الى فلسطين تشكلت صورة احتقار اليهودي الشرقي وتهميشة ووضعه أسفل السلم الاجتماعي. يقصد هنا بالهجرة المزراحية بهجرة اليهود من الدول العربية مثل العراق، اليمن، تونس المغرب وغيرها. فحالة الاستعمار الاستيطاني التي تأسست من خلالها "دولة اسرائيل" خلقت مجموعات اثنية يتم موضعتها وتوزيعها اما اسفل أو في قمة الهرم الاجتماعي، فهو مجتمع مهاجرين قدموا من مختلف أصقاع العالم يحملون موروثات ومعتقدات مختلفة. اذ يتم تصنيفهم وموضعتهم في مواقع متدنية وهامشية أعلى بدرجة قليلة من تصنيفهم للمواطن الفلسطيني، في حين الاشكنازي وهو اليهودي القادم من اوروبا الشرقية يتم تصنيفه في اعلى السلم الاجتماعي.
على الرغم من الاهمية الديموغرافية لمثل هذه الهجرة المزراحية الا أنه انتشر الكثير من التحذيرات بشأن هذه الهجرة. ففي احدى محاضر الكنيست أشارت عضو الكنيست (شوشانه بريسيتس) محذره من هجرة اليهود من أصل شرقي قائله: "انكم تعرفون المهاجرين من هذه الأماكن. انكم تدركون أن لا لغة لنا مشتركة معهم. كما أن مستوانا الثقافي لا يتلاءم مع منزلتهم الثقافية. أما نمط حياتهم فهو نمط العصور الوسطى"؛ وتم تمثيلهم بالصحف على هذه الشاكلة فقد وصفتهم إحدى الصحف الاسرائيلية بأنهم "لا يعرفون المراحيض ولا ورق التواليت، يزرعون الخضروات تحت أسرتهم، ويخبئون أطفالهم في الصناديق خوفاً من الطبيب وأدويته".
برزت اشكالية اليهود الشرقيون على غرار المشروع الاستعماري في فلسطين، في حين تم تهجير أكثر من 800 ألف فلسطيني عام (1948)، بدأت الخطط الاسرائيلية تنادي بضرورة الوجود الجسديّ لليهود في فلسطين من أجل ضمان تحقيق ملكيتها وذلك من خلال جذب اليهود اليها. كانت الأولوية لإجتذاب اليهود ذو الأصول الأوروبيّة لكن أنظارهم ذهبت إلى أمريكا والإتحاد السوفيتي و الى غرب متخيل وطوباوي. فكانت هجرة اليهود الشرقيون ذات أهمية كبيرة بالنسبة لإسرائيل، من أجل تعبئة الفراغ البشري اليهودي الناتج عن عدم رغبة اليهود من أصل اوروبي بالهجرة الى فلسطين. بالإضافة الى ذلك، قلة أعداد اليهود الأوروبيين في أعقاب مقتل عدد كبير منهم في "الهولوكوست". فقد تم اعتبار هجرة اليهود الشرقيين كعملية تبادل سكاني مع اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا في النكبة، فضلًا عن الحاجة الى القوى العاملة الماهرة نوعًا ما والرخيصة لتحل مكان العامل الفلسطيني.
بدأت الهجرة اليهودية الشرقية تتزايد وبلغت ذروتها في الخمسينيات من القرن الماضي، كانت هجرتهم هجرة جماعية ليست انتقائية، فحملوا معهم جميع المجموعات التي ينتمون اليها من شيوخ أطفال نساء حتى باتت تهديدًا للديموغرافيا الاشكنازية الغربية. بدأت الأصوات تعلوا داخل المجتمع الاسرائيلي من أجل وقف هذه الهجرة أو على الأقل أن تكون هجرة انتقائية. كذلك الأمر، بدأت التخوفات تربض على صدور المسؤولين في اسرائيل من أن تصبح دولتهم ذات طابع شرقي- بربري، وتخوف كبير من أن يتم فقدان السيطرة الاشكنازية بالتزامن مع ذلك تنامي الوعي الذاتي الشرقي. لجأ المسؤولون الإسرائيليون من أجل الالتفاف على المسألة الشرقية وما تحويه من تخلف ورجعية حسب نظرتهم الى الشرقيين الى اتباع سياسات ممنهجة هادفة الى تغريب وتهذيب هؤلاء الشرقيين ودمجهم في أماكن محددة ومحصورة في هذا المجتمع الجديد.
تمثلت تلك النظرة الاشكنازية للشرقين في عملية التوطين، وذلك من خلال انتهاج سياسة الاستيعاب من أجل التطوير وسياسة تشتيتهم وابعادهم عن المركز، فقد نفذت الحكومة الاسرائيلية برنامج تسوية شامل وبعيد المدى، عَمِدَ الى تغيير واقع التوزيع الجغرافي للسكان. هدفت من خلال سياسة التوزيع الى إنشاء مجمعات جديدة في المناطق النائية، وتشجيع السكان على الابعاد عن المركز والسهل الساحلي، فكانت أكثر الامور طيّعة لهذه السياسة المهاجرين الجدد الذين وصلوا للبلاد ولم يستقروا. فقد تم نقل اليهود الشرقيين من السفن التي جاؤوا بها من قبل الحكومة الإسرائيلية، والوكالة الصهيونية فورًا الى ما أطلق عليه "معسكرات الانتقال" في هذه المعسكرات يتم محو شرقيته وتأهيله ليصبح قادر على الانتقال الى اليهودي الذي يصنعونه فيقف على حافة العبور متخلصا من شرقيته، بربريته وتخلفه، بالاضافة الى اظهار أنفسهم كمختلفين بواسطة التعبير عن الكراهية للعرب وللشرق، بعدها يجتاز هذا المعبر ويحصل على كرت العبور الى المجموعة الاشكنازية التي شكلت معالم الدولة الاسرائيلية.
بعد ذلك، تم توزيعهم حسب المناطق، ومركزتهم في مناطق الأطراف النائية في لواء الجنوب النقب والشمال – الجليل، فرص العمل بها كانت قليلة ربما معدومة. ونتائج وضع كهذا كانت معروفة من بطالة الى وضع اقتصادي سيء. وتم اسكانهم في تخوم المناطق وفي منازل الفلسطينيين المقتلعين من أرضهم، وفي قرى وأحياء منفصلة في المدن. في أوساط الخمسينيات تم اسكانهم في مبانٍ ثابته بنيت في الضواحي سميت "مدن التطوير" مثل بيت شان، كريات شمونه وغيرها. عومل اليهود الشرقيين معاملة غير انسانية أثناء الانتقال وفي مدن التطوير، عملت على تمزيق الروابط الاسرية، من خلال تشتيت شمل العائلات و فصلها واسكانها في أماكن متفرقة؛ انتشار المجاعة والمرض والموت الجماعي؛ ووضعهم في أسفل السلم الاجتماعي؛ اسكانهم في مسكن واحد لأكثر من عائلة أنها تألف مثل هذا الوضع.
يشير (شلومو بن عامي) يهودي مغربي الأصل هاجر الى اسرائيل وهو في الثانية عشر من عمره، ان الصدمة كانت بالأساس بسبب الفجوة بين التوقعات والواقع، تمثلت الصدمة لدية في لحظة لقاءه "بالمعبراه" فهو لم يكن مدركًا الى أين يذهب. أنظاره ذهبت الى المستوطنات القائمة في مرج ابن عامر قائلاً ها قد وصلنا!، ثم يُصَبِر نَفسه ويقول ربما هذا الموشاف! وربما هذا الكيبوتس!. ولكن الصدمة كانت عندما وصل الى "مكان، هو لا مكان. هو لا شيء، هو معسكر من الخيم. كان يدعى "معبرات مانسي"، لم يكن هناك صنابير للمياه، لم يكن هناك أي اساس للحياة. وبعد ذلك انتقل الى معبراه قرب "كريات شمونة" توضحت لدية الصورة أنه يعيش وسط مجتمع بدائي، هبط خلال قدومه الى مستوى دوني، خلافاً لما كان عليه في مدينته المغربية.
تعددت الاسباب من وراء سياسة "التوزيع السكاني" لليهود الشرقيين، ولكن جميعها تأتي من طبيعة النظام الاستعماري الاستيطاني والنظرة الاستشراقية. التي تهدف الى الحيلولة دون مس الشرقيين بأسس النظام الاجتماعي – السياسي الذي بناه الاشكيناز، توطينهم في مناطق الاطراف ناتجة عن طبيعة التشابه بينها وبين الدول التي خرجوا منها، يشير (عزمي بشارة) الى أن عملية توطين الشرقيين بمساكن الفلسطينيين الذي تم تهجيرهم، أمرًا خطيرًا بحيث أنهم جاؤوا بهم ووضعوهم في بيوت العرب بمعنى أنهم الذين ارتكبوا الجريمة الكبرى، وأيضاً تترسخ هنا الجغرافيا السياسية الهادفة الي تعريتهم من عروبتهم بمجرد وضعهم مكان عدوهم الفلسطيني العربي. ثم وضعهم في مناطق حدودية لا يوجد بها اتصال ولا مواصلات، لا صناعة وزراعة، تصب في النظرة السلبية اتجاههم كمجموعة خالية من الحضارة لا تريد الاختلاط بهم. استخدمتهم من أجل السيطرة على الاراضي وتحويلهم الى قوة استيطانية، فقد شكلوا أداة طَيّعة بيد الحكومة من خلال توطينهم بالأراضي التي هُجِرَ منها الفلسطينيون. بالإضافة الى ذلك، ليكونوا السياج الواقي لإسرائيل أمام هجمات الدول العربية، وبذلك يزيد انتمائهم الى اسرائيل.
رَسَخت القوى السياسية والمكانية المرتبطة بالمشروع الاستعماري الاستيطاني العلاقة بين المكان والطبقات الاثنية، فالسياسات التخطيطية الاسرائيلية دائمًا وابداً تسعى إلى تجميع الاراضي بايدٍ يهودية، فقد تم توزيع اليهود على المناطق تبعاً للأثنية التي ينتمي اليها، الذي خلق فوارق وفجوات اجتماعية واقتصادية، وأثرت على تشكل العلاقات القومية والطبقة الاثنية. مثلا، واقع "شباب الكيبوتسات" يختلف عن واقع "شباب مدن التطوير" كونهم نتاجًا لحياة الكيبوتس الشاقة، معتادين على العمل الجسدي الشاق في الحقول، مُلِمين بالتكنولوجيا الأساسية جراء تصليح الآلات الزراعية، فكانوا جنوداً لا نظير لها. مَكَنهم ذلك من تبوأ المراكز العالية في العمل وفي الجيش الذي اُعتبر الأداة الرئيسية لبلورة هوية المجتمع الاسرائيلي وأهم عامل لصعود الفرد السلم الطبقي.
لم تبقَ هذه الجماعات صامتة، فبدأت حركات الاحتجاج الشرقية التي تحمل هماَ اجتماعياً بالظهور مع أحداث (وادي صليب) في حيفا عام 1959، وامتدت إلى أماكن أخرى في البلاد احتجاجاً على التمييز والغبن تجاههم، مطالبة بتوزيع عادل لموارد البلاد الاقتصادية. بعدها، في بداية السبعينيات ظهرت حركة (الفهود السود) في حي المصرارة والقطمون في القدس. ولكن كان الحدث الأكبر مع الانقلاب السياسي عام (1977) وانقلاب دفة الحكم، ليصل حزب الليكود لأول مرة الى الحكم. مثلت هذه المرحلة حقبة جديدة لتاريخ الشرقيين في إسرائيل، فقد صُوِرَ الانقلاب على أنه تحرر لليهودي الشرقي من سطوة وعنصرية اليسار الاشكنازي (حزب العمل)، وأصبحت كلمة "يسار" مقترنه بالعنصرية الاشكنازية وكلمة "يمين" مقترنة بالمودة والمحبة الاشكنازية للشرقيين. برز في تلك الحقبة بداية انخراط للشرقيين بالحركات اليمينية والليكود، محاولة تحسين أوضاعها الاجتماعية الاقتصادية، والتخلص من مشاكل الغبن والتمييز وتحقيق العدالة الاجتماعية. ظهرت حركة شاس كحركة نضالية شرقية دينية، تبنت برنامج اجتماعي يهدف الى مساعدة الفئات الاجتماعية التي تهمشهم الدولة، أسست شبكة "أل همعيان" التعليمية والخدمات الاجتماعية الأخرى. بذلك استطاعت استقطاب جماهير الشرقيين ذو الأوضاع الاقتصادية المتدنية، لكن اسهامات الحركة كانت محدودة. كما أنها لم تنادي بالعدالة الاجتماعية، ولم تخرج عن أحضان الصهيونية والاصولية.
باختصار، يقع اليهودي الشرقي في مكانة بينية، غير قادر على الاندماج بشكل كامل ولا الخروج بشكلٍ قاطع. تقف شرقيته وعروبته على حفة العبور، في حين تخلص منها من خلال الوقوف وجهاً لوجه أمام الطرف الاخر للمعادلة العربي الشرقي "الفلسطيني"، يستطيع النجاح والعبور الى المنظومة الاسرائيلية الاشكنازية، الى مجموعة مختلفة اثنياً.