ربما كانت أحراج بيت كاحل وكروم زيتونها حاضرة في ذهن أو أمام عين الطفلة ابنة الصف السابع حنين زياد ابريوش، فرأت قريتها نموذجا مصغرا لوطن تحلم به. وحين طلب منها أن تتخيل تخيلت ما تحب أن يكون . فلسطين السلام، فلسطين الحرية ، فلسطين العدالة ، فلسطين النظام، التطور، الحضارة إلى آخر قائمة المفردات الجميلة النبيلة التي تتمناها كل مدينة فاضلة لتبني عليها أناقتها ومثاليتها.
فلسطين التي تخيلتها حنين، فلسطين العيش الهانئ لا حروب فيها ولا دمار، لا قنابل غاز ولا رصاص، وحقوق الإنسان فيها لا تحتاج إلى مراقبة تستمتع فيها بحريتها مستمتعة بحقوقها.
بعد عشر سنوات تصطدم حنين بصخرة الواقع الصلبة؛ فالواقع كما تقول حنين يزداد سوءا ولم يتحقق أي شيء مما حلمنا به.
درست حنين الرياضيات وأساليب تدريسها في جامعة الخليل، تزوجت، وهي الآن أم لطفلين، تبحث عن وظيفة. تشعر بشيء من الخذلان بعد أن تقدمت بطلب توظيف لوزارة التربية والتعليم، قدمت الامتحان وحضرت للمقابلة وأحرزت علامة عالية، لكن الوظيفة طارت لأن لا وساطة لها.
ورغم كل ذلك فحنين دائمة التفاؤل حسب النبذة المختصرة عنها في صفحتها على الفيسبوك، متفائلة وإن بدا المشهد قاتما، فما تراه في بيت كاحل عام 2018 يقول غير ما تخيلت حنين. فجيبات الاحتلال تداهم قريتها بين فينة وأخرى وتسرق " الكحل من عينها" على حد تعبير الشاعرة السودانية رضوى الحاج " يسرقون الكحل من عين القصيدة. وبيت كاحل اسمها اشتق من الكحل، وما أن تضع اسم "بيت كاحل" إحدى قرى محافظة الخليل على محرك البحث، حتى ترى مشهد مجموعة من جنود الاحتلال قبل فترة وجيزة وهم يغلقون مدخل القرية ويعيثون فسادا في بيوتها أثناء عمليات المداهمة والتفتيش، وتصدمك صورة لجنود يتحلقون بطفل وقد طوق رقبته ذراع جندي مدجج بالسلاح، يقتاده وبقية الجنود إلى المجهول. المشهد مرعب، والصورة التي تظهر في الإعلام كفيلة بأن تسرق من العين ليس الكحل فحسب، بل من المؤكد أنها سرقت النوم لدى الطفل الضحية ولدى أطفال كثر، وإن ناموا فالكوابيس " حارسهم الأمين" الذي لا يفارقهم. وسيظل المشهد "البيتكحلاوي" مصدر قلق لحنين على طفليها فهو مشهد مصغر لفلسطين الكبرى من نهرها حتى بحرها، إلى أن يكنس الاحتلال.