ثمة أساس موضوعي للقلق ولكل المخاوف التي من الممكن أن تخطر على البال من وراء وجود مكب ومَطْمَر نفايات زهرة الفنجان الذي يتوسَّط مجموعة من البلدات والقرى والمراكز السُّكانيَّة في جنوب غرب محافظة جنين. وهذا الاسم – زهرة الفنجان - يبدو فنيِّاً وجذَّاباً، لكنه يُخفي واقعاً كارثيَّاً مُريعاً!!.
يقع هذا الرَّدم الضَّخم لطمر النِّفايات على مسافة حوالي أربعة عشر كيلومتر إلى الجنوب الغربي من مدينة جنين وعلى أراضي بلدة عرَّابة جنوباً وقريباً جدَّاً منها منذ عام 2001، وهو أيضاً قريب جداً من بلدات عجَّة وفحمة وعنزة والزَّاوية ومركة والمنصورة ومخيم فحمة، وليس بعيداً عن كثيرٍ من البلدات والقرى الأخرى في المنطقة، وهو موجود في وسط أراضٍ زراعيَّة خصبة ووسط مئات الدُّونمات من حقول الزَّيتون، ووسط العديد من مزارع الدواجن والأبقار والأغنام في المنطقة، وقريباً من مصادر المياه الجوفيَّة، ومنها بئر عرَّابة الذي يُغذِّي العديد من البلدات والقرى المجاورة بمياه الشرب والمياه للاستخدام المنزلي، ولا أحد يستطيع تقديم ضمانات بأنَّ هذه المياه لم تعد ملوثة، علماً أنَّ هذا المكب يقع على امتداد أحد الأودية الفرعية المفضية إلى الوادي الرَّئيسي حيث تقع المضخَّة الرَّئيسيَّة لبئر عرَّابة – كما أنَّه ليس بعيداً جداً عن مضخة بئر جَبَعْ كذلك - وبما يحمل ذلك من مخاطر كارثيَّة مُريعة في حال حدوث تسرُّب للقاذورات المتحللة عميقاً تحت التربة وللمياه الآسنة إلى مجاري ومسالك المياه الجوفية.
عوضاً عن الرَّوائح المؤذية والكريهة جدَّاً وبما لا يُطاق والتي تخترق نوافذ المنازل وتلوث الأجواء حتَّى داخل الغرف في البيوت، فهو مصدر لانتشار الحشرات والقوارض والبعوض والذُّباب بمختلف الأصناف والأجناس. وهو مدعاة لوجود كثيرٍ من أصناف الطُّيور المهاجرة التي تقتات القوارض والحشرات والتي أصبحت مقيمة في المنطقة على مدار فصول السنة بسبب وجوده، وهي ونتيجة هبوطها فيه وعلى برك مياهه الآسنة والمتعفِّنة ومن ثم انتقالها للمبيت في المناطق المجاورة له تقوم بنقل كثير من الأوبئة المضرة بالحقول والأشجار والثروة الحيوانيَّة والنباتيَّة.
لقد أصبح وجود هذا المكب – الكارثة - مكرهة صحيَّة وبيئيَّة تزداد تفاقماً مع مرور الوقت وتهدد صحة وسلامة وحياة الناس في المنطقة المجاورة له وفي مساحة تزيد على ستين كيلومتر مربع وبما يعرِّض سلامة عشرات آلاف المواطنين للخطر الجسيم؛ خصوصاً مع المخاوف القائمة من احتمال انفجاره بفعل الكميَّات الضخمة المفترضة من غاز الميثان المكدَّسة في تجاويفه تحت الرُّكام الهائل من مختلف أصناف النِّفايات المنزليَّة وغيرها – وهنا يجب أن نأخذ بالاعتبار أنَّ أحد الأهداف المعلنة للمشروع استثماريَّاً كان الحصول على غاز الميثان للاستخدام المنزلي والصناعي - وعلماً أنَّه يستقبل يوميَّاً كميَّات ضخمة من النِّفايات من مختلف محافظات الضفة الغربيَّة، وحتِّى من داخل الخط الأخضر، وبما يفوق طاقته الاستيعابيَّة بأربع مرَّات على الأقل، فيما كان من المفترض - وبحسب الاتفاق الموقع عام 1998 مع البنك الدولي المُمَوِّل الرَّئيسي للمشروع عند توقيع الاتفاق - أنْ يكون مخصص لاستيعاب كميات أقل من ذلك بكثير وحصراً من محافظة جنين فقط، وكمكب محلِّي خاص بمحافظة جنين وليس كمكب مركزي للضفة الغربية بشكلٍ عام ولما وراء الخط الأخضر، وقد تضمن الاتفاق شرط الالتزام بكافة معايير الحفاظ على البيئة، وتجنب الآثار والمخاطر الجانبية على الصحة والسلامة العامة. وكان من المفترض أنْ ينتهي العمل فيه كردم ومَطْمَر للنفايات بعد خمسة عشر عاماً من الاستخدام، وهو ما يعني أنَّه قد مضى على نهاية تلك المدَّة حتَّى الآن حوالي عامين على الأقل، حيث كان العمل فيه قد بدأ فعلياً في حدود عام 2001. وعلى ما يبدو حتَّى الآن أنْ ليس ثمَّة أي بوادر لإغلاقه، برغم الاحتجاجات المتصاعدة من المواطنين، وقد تحوَّل مع مرور الأيَّام والسنين إلى جبلٍ ضخم تبلغ قاعدته عشرات آلاف الأمتار المربَّعة ويرتفع عشرات الأمتار، ويتفرَّع منه تلال ممتدَّة من النِّفايات تغُطِّي هي الأخرى مساحة عشرات الدُّونومات
أمام نقص المعطيات الرسمية الدقيقة للحاصل غير النهائي حتى الآن للمخاطر الكارثيَّة المترتبة على وجود هذا الردم الهائل لطمر النفايات في وسط الأماكن السكنيَّة، نقتبس بعضاً من تقرير طويل ومتخصص ومفصل كانت نشرته مجلة الخط الأخضر الكويتية في 01/10/2004 حول مخاطر مرادم النِّفايات، حيث جاء في ذلك التقرير ونقلاً عن تقارير أمريكيَّة وأوروبيَّة عديدة، ما يلي:
" الرَّدم هو أحد الأساليب الخاطئة التي تتبعها الدولة – والبلديات – في التخلص من النفايات، وهي تعتمد على دفن مختلف أشكال النفايات التي يفرزها المجتمع في حفر ضخمة دون أي شكل من أشكال المعالجة ثم طمرها، وتكمن الخطورة في أنَّ نسبة كبيرة من هذه النِّفايات تدخل في نطاق النفايات الخطرة كالمواد الكيماويَّة والنفايات السائلة، والأخطر من ذلك كله أنَّ النفايات المنزليَّة والتي أغلبها بقايا أطعمة ومواد عضوية تتسبب بتحويل هذه المَرادِم إلى قنابل موقوتة جاهزة للانفجار في أيَّة لحظة بسبب التحلل التي تتعرض له؛ حيث تمر المواد العضوية بعدة مراحل من التحلل البيولوجي والتي ينتج عنها في النهاية مجموعة كبيرة من الغازات السَّامة والخطرة تُسمَّى ( غازات مواقع الرَّدم – LFG ) Landfill Gas. ومنها على سبيل المثال غاز الميثان ذو القابلية العالية للانفجار، وهو يحوز على نسبة 50% من جملة الغازات الصادرة من مرادم النفايات.. وبناءً على ما ورد من دراسات في تقرير منظمة السلام الأخضر البيئيَّة العالمية حول مرادم النفايات فقد أكدت وكالة حماية البيئة الأمريكيَّة على وجود ما يزيد على 200 تركيبة مختلفة من المواد الكيماويَّة في مرادم النفايات. يُضاف إلى ذلك ما خلصت إليه الدراسة التي قام بها القسم الصحي التابع لمدينة نيويورك عام 1998 على مرادم النفايات والتي أكدت بأن النساء اللواتي يعشن قرب مطامر النفايات الصلبة حيث تنبعث الغازات والروائح الكريهة منها؛ لديهن إمكانية الإصابة بسرطان المثانة وسرطان الدم – اللوكيميا – بنسب تزيد أربع مرات عن الأشخاص العاديين، كما كشفت الدراسة عن حدوث سبعة أنواع من السرطانات لدى الرجال والنساء الذين يعيشون قرب مرادم النفايات حيث تتسرب الغازات في الهواء، وهذه السرطانات هي، سرطان اللوكيميا وسرطان الرئة والكلى وسرطان المثانة والرأس وليموفيا الكبد.. وفي دراسة جرت عام 1998 من قبل علماء في مدرسة لندن للصحة والطب ركزت على 21 مردم للنفايات في كل من بلجيكا وفرنسا والدانمارك وإيطاليا والمملكة المتحدة تبين للعلماء بأنَّ هناك 33% زيادة في خطر الولادة ناقصة النمو للأطفال المولودين من أمَّهات يعشن على مسافة 3 كلم من مرادم النفايات، واعتبرت منظمة أصدقاء الأرض البيئيَّة العالمية هذه الدراسة بالمرعبة؛ وطالبت باعتماد نشرة التلوث الواضحة المطبقة في الولايات المتحدة والتي يتم من خلالها إعلام الناس عن نوعية ومكان مرادم النفايات ومدى خطورتها ".
بكل الأحوال، وأمام هذه الواقع البيئي المُلوث الذي تعيشه منطقة جنوب محافظة جنين، وما تؤشر إليه معطيات يجري تجميعها الآن حول انتشار أمراض سرطانية مختلفة في المنطقة بشكل مُلفت خلال السنوات الماضية، وأمام المخاطر المُشار إليها من إمكانية انفجار كميَّات الغاز الضخمة المُكدَّسة تحت مطمر نفايات زهرة الفنجان والتي لم يُستخرج منها أي كميَّة حتَّى الآن، وهو ما يعني أنَّ مزيداً من التراكم قد يجعل من مسألة الانفجار مسألة وقت؛ فمن ذا الذي بمقدوره أنْ يتحمَّل رسمياً وأخلاقياً ووطنيَّاً مسؤوليَّة ذلك الانفجار المدمِّر - إنْ حصل لا سمح الله – ومن ذا الذي بمقدوره أن يُواجه انفجار غضب النَّاس الوشيك على تجاهل كل تلك المخاطر ؟!.. هذه الأسئلة برسم إجابة الجهات الرَّسميَّة وكل أصحاب العلاقة بهذا المشروع الرَّيعي الاستثماري بالنسبة لهم، والكارثي بالنسبة للمواطنين!!.