إنَّ مَنْ يُصغي لحديثِ الرُّوح، يُصغي مِن حيثُ يدري أو لا يدري إلى صوتِ الله...
والأرواحُ في لغتِها لا تُخطئُ، وإنما تفيضُ، مرةً لأنها بلا أجساد، ومرةً لأن أجسادَنا من عصبِ اسلافهِا تسيرُ.
الأرواحُ لا تقولُ لشيءٍ كُنْ، فيكونُ، ولكنها تقودُ نفسَهَا بنفسِها، ليعدوَ حُلمها أعلى في جذرٍ أعمق.. مِنْ هنا سأخيطُ حكايةً لا تتقنُ فنَّ ترتيبِ الوقت، لكنها بين الحينِ والآخر تتساءلُ: في رحيلِ المعنى، هل مَا زلنَا أحياء؟
والحكاياتُ ليست المعنى، وإنما رسائلُ الحكاياتِ هي منْ تقفزُ أعلى السياجِ لتصلَ إلى براءةِ اختراعِ المعنى.. هكذا ودونَ تفاصيل زائدة، سأبدأُ بخطِ رسائلي إلى تلك الرُّوح الهائمة، لتثير فضول العشب كي ينمو، وكي تتسعَ اللوحةُ لمزيدٍ من الأحلام.
الرسالةُ الأولى: لنكن نحنُ...
بالعودةِ إلى سؤال: في رحيلِ المعنى، هل ما زلنَا أحياء؟ الإجابةُ الصريحةُ والمباشرة: لا يهم!
نعم ليسَ مهماً أننا ما زلنَا أحياء أم لا؟ ولكن الأهم لماذا نحنُ أحياء؟ ولكي لا تخوننا شجاعةُ القول، علينا حينما نبدأُ، أن نكونَ نحنُ لا غيرنَا، لنفهم أولاً حاجةَ كل منا للآخر.
أن نكون نحن، هي البدايةُ الصحيحة، وليست البدايةَ البديلة.. هي الصحيحةُ لأنَّ تواطؤ الأرواحِ مع بعضها البعض، يفرضُ علينا أن نحبَ أنفسنا، قبل أن نحبَ الآخرين، أن نحبها كما هي، دونَ التورطِ في التباسِ المفاضلةِ بين أن تكونَ أجملَ أو تكونَ أنقى، لنلمسَ فيها الطاقةُ الكامنةُ لفعلِ الثورة، ثورة النفسِ وعوارضها وخلجاتها العالقة ببقعةِ زيتٍ مغطاةٍ بالغبار.
ولكن، هل يكفي أن نعرفَ أنفسنا؟ أن نرى ثقوبنا الشخصية؟ أسئلةٌ تبدو للوهلةِ الأولى، حائرةً، متمردةً، وربما منفلتة، وأخشى أن تكونَ مرهقةً أيضا.
علينا أن نُبصرَ في التفاصيلِ الأشياءَ من الزاويةِ الأخرى، زاويةِ من يقفُ على بُعدٍ مقبولٍ من خساراتنِا، وحماقاتنِا، كأنهُ عينُ المرايا التي تعكسُ كم كنا نغرقُ في تشابهِ ملامحنِا بين الأصلِ والصورة.
الأجوبةُ الممكنة، ليست بالضرورةِ أن تكونَ هي السبيل، ولا يُمكنُها أن تكونَ النتيجة، ورغم ذلك، يكفيها أن تبدوَ الأداةَ حتى نكونَ نحنُ لا غيرَنا.
فأن نكونَ نحنُ، يعني أن نعرفَ أنفُسَنا بما يكفي، ونُحبَها إلى أن ترضى.