الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

نيلسون مانديلا... سلاماً لروح رجل حر

2013-12-10 00:00:00
نيلسون مانديلا... سلاماً لروح رجل حر
صورة ارشيفية

أعدها: ناديا القطب

من الناس من لا يرغب في الموت كما تخط الأقدارُ له، ومن الناس من يعيشُ على كف الحياة زارعا نفسه فيها في حياته وفي مماته، ومن الناس من يحبُ الناس بمطلق إنسانيتهم، ومن الناس من يقدسُ اللا تقديس حدّ التقديس، ومن لا يُساوم ولا يتنازلُ وإن شق الطريق وانكسر للحظات وأزمان ومسافات. كذا هو نيلسون مانديلا، الذي سنذكرهُ إنسانا وحراً وعظيماً، ناضل بكل ما فيه كي يظل كابراً عن ظهر كابرٍ.

يُغيب الموت زعيماً عرفَ أن اسمه سنحفظهُ نحن البعيدون، وسننعيه نحنُ الغريبون، وسنتذكره كما لو كان واحداً منا. القبليُّ، سليلُ قبيلةٍ ملكيةٍ في جنوب إفريقيا، سماهُ «مانديلا» أستاذهُ في المدرسة و»مانديلا» تعني «من يُخلقُ للمتاعب»، فكان له من اسمه نصيب. حكايته خيالٌ في خيال لكنها واقع. محامياً كان، يعشق النساء، كما يحب الملاكمة، أسس مع آخرين رابطة الشباب في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وتولى لاحقاً زعامة الحزب في ظل نظام الفصل العنصري في عام 1948. قاد الكفاح المسلح للسود في جنوب إفريقيا ضد نظام التمييز العنصري، وأدرجته الولايات المتحدة الأمريكية على قائمة الإرهابيين. اعتقل مراراً ومراراً، وحوكم بتهمة التآمر ضد الدولة في محاكمته الشهيرة ريفونيا خلال العامين (1963- 1964). في العام 1965، صدر على مانديلا حكمٌ بالسجن المؤبد، فكانت مقولته الشهيرة: «إن مثلي الأعلى كان مجتمعاً حراً وديموقراطياً، إني مستعدٌ لأن أضحي بحياتي في سبيل ذلك.» 

قضى في السجن 27 عاماً، وبعد أن خرج لم تأفل روحه بل كانت جاهزة لنقل بلاده من «بلاد اللون الواحد» في ظل نظام الفصل العنصري إلى «بلاد قوس قزح» في ظل نظام ديموقراطي تعددي، حين انتخب، وهو سبعينيُّ العمر، كأول رئيسٍ أسود لبلاده عام 1994. هو من أطلق برنامجا ًيهدفُ إلى تصحيح الخلل الاجتماعي بين السود والبيض الذي خلفه نظام حكم الأقلية البيضاء لأكثر من 340 عاماً لجنوب أفريقيا. اعتزل الحياة العامة في 2004، وقال: «لا تتصلوا بي، سأتصلُ أنا بكم». 

عرف عنه مواقفه المساندة لقضيتنا الفلسطينية، وهو من قال: « إن كانت الحقيقة ستدفع بالجالية اليهودية صاحبة النفوذ الكبير إلى معاداتنا فليكن،  إن السود في جنوب إفريقيا، والفلسطينيين يناضلون ضد شكل واحد من أشكال الاستعمار.» وهو من كتب ذات مرة إلى الصحفي توماس فريدمان رسالة يقول فيها: «إن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ليس مسألة احتلال عسكري فحسب، فإسرائيل ليست دولة قامت في ظروف طبيعية وصودف أنها احتلت بلداً آخر عام 1967. الفلسطينيون لا يناضلون من أجل دولة، بل لتحقيق الحرية والتحرير والمساواة، تماماً كما ناضلنا في سبيل الحرية في جنوب أفريقيا. إسرائيل حرَمَت ملايين الفلسطينيين من حريتهم وأملاكهم. أقامت نظاماً ينتهج التمييز العنصري وتغييب العدالة، سجنت وعذَبت آلاف الفلسطينيين منتهكة قواعد القانون الدولي. وشنت حرباً على المدنيين، وخصوصاً الأطفال».

رحل نيلسون مانديلا، بكل الحب، بكل الاحترام، بكل النموذج الذي فيه، رحل فلنقل سلاماً على روح رجل حر