حال المياه في اليوم العالمي للمياه
"الوصول إلى المياه والمياه النظيفة وخدمه الصرف الصحي هو حق إنساني" قرار الأمم المتحدة ٢٠١٠
صدر بيان جهاز الإحصاء المركزي ٢٠١٨ بالإشارة إلى معدل استهلاك الفرد للمياه في فلسطين لا يتجاوز ٨٣ لترا للفرد يوميا في معدله العام، أي أدنى من ما توصي به منظمه الصحة العالمية المقدر ب١٠٠ لتر للفرد يوميا مع الإشارة إلى أن نوعيه المياه المتاحة في غزه بمجملها لا تتوافق والمعايير الصحية الدولية للاستخدام.
لم يفلح تقرير الأمم المتحدة الذي نشر العام ٢٠١٢ حول غزه ٢٠٢٠ والذي حذر من انهيار الحوض الجوفي الساحلي المغذي لقطاع غزه بحلول العام ٢٠٢٠ وبالتالي وضع المياه وإمداداتها لأكثر من مليوني نسمه، الـذين يستنزفون الحوض بمعدل يصل إلي ١٧٠ مليون متر مكعب سنويا و بما يوازي ثلاثة أضعاف طاقته الآمنة، التي لا تتعدي ٥٠ مليون متر مكعب سنويا، لم يفلح التقرير في تسريع الجهود كما ينبغي لوضع حد للتدهور وتحسين أوضاع الصرف الصحي والحد من التلوث.
ستة أعوام منذ نشر التقرير انقضت من اجل الوصول إلى الاحتفال الذي تم على عجل نتيجة لوضع أمني خطير سرق الأضواء والانتباه والفرح بالتشغيل التجريبي لمحطة معالجه المياه العادمة في بيت لاهيا، والتي انطلقت عام ٢٠٠٧ وانتظرت أعواما منذ جاهزيتها للتشغيل حتى يتم توفير احتياجات الطاقة التشغيلية التي تتراوح مابين ٣-٦ ميجا واط، ويجري العمل على تنفيذ الخط المغذي والذي تم التفاوض حوله منذ أكثر من أربعة أعوام.
كانت سلطه المياه قد أعدت الخطة الإستراتيجية لإنقاذ القطاع مائيا العام ٢٠١٢ وحددت التدخلات اللازمة، سجلت سلطه المياه نجاحات تتعلق بزيادة كميات المياه المشتراه، وإقامة محطات التحلية الصغيرة وبناء العديد من الخزانات والخطوط الناقلة للمياه، وركزت الخطة الإستراتيجية على التدخلات في مشاريع البنية التحتية، وعلى رأسها إقامة محطة التحلية لمياه البحر والخط الناقل للمياه والشبكات اللازمة وبكلفه تقديريه تتجاوز ٦٠٠ مليون دولار.
قدمت فلسطين عام ٢٠١١ مشروعها المنقذ للقطاع إلى الاتحاد من اجل المتوسط، وكان أول مشروع يصادق عليه ووضع على أجندة الدول المانحة، واستعد البنك الإسلامي للتنمية بتمويل ٥٠٪ من الكلفة الإجمالية، وتعهدت فرنسا في العام ٢٠١٢ خلال المنتدى العالمي للمياه ب١٠ ملايين يورو، تبعهم الصندوق الكويتي وقدم ٦٠ مليون دولار ليتوج الجهد الفلسطيني بتعهد الاتحاد الأوروبي ب ٧٠ مليون يورو و٧ مليون يورو للتشغيل، ليتم الإعلان عشيه يوم المياه العالمي ٢٠١٨ الذي يصادف ٢٢ آذار من كل عام، وفي مؤتمر المانحين في مقر البرلمان الأوروبي عن توفير ٨٠٪ من الكلفة الإجمالية وبواقع ٤٥٦ مليون يورو من أصل ٥٦٢ مليون يورو، من أجل تأمين الكلفة اللازمة لبناء المشروع قبل الخوض في إجراءات التنفيذ وضمان استدامته بالطاقة اللازمة وتشغيله وإدارته، كتحد يواجه الحكومة الفلسطينية، حيث يتم الطرح بضرورة استيفاء مخرجات برنامج إصلاح قطاع المياه وموائمته مع قانون المياه الذي نص على إنشاء شركه المياه الوطنية، بتحويل دائرة مياه الضفة الغربية مزود المياه بالجملة، لتكون هي الشركة التي تتولى إدارة المحطة، وهو الأمر-خلق الشركة- شديد التعقيد نظرا لمديونية الدائرة العالية، واستحالة استدامتها ما لم يتم تغيير أسعار المياه لاسترداد الكلفة أو تقديم الدعم الحكومي لتغطيه أسعار المياه وكلفه الشراء للمياه، والى حين ذلك واعتقد خلال السنوات الخمس القادمة على أقل تقدير، سيبقى أهل غزة مهددين بمياههم ونوعيتها والأمراض التي تترتب على استهلاكها، وفاقدين لحقهم الإنساني في المياه حسب قرار الأمم المتحدة أعلاه.
وليس الحال في الضفة الغربية بأفضل منه في القطاع؛ إذ يستمر الحرمان من الوصول لمصادر المياه خلافا لما نص عليه القرار الأممي حول الحق الإنساني في المياه، وعلى رأس المصادر التي يحرم منها الفلسطينيون نهر الأردن، وتستمر السيطرة الإسرائيلية على الأحواض الجوفية من خلال اللجنة المشتركة التي فعلت بعد توقف دام أكثر من ستة أعوام، نتيجة لشروطها المجحفة وهيمنه الجانب الإسرائيلي وقضيه الربط مع المستوطنات فيها، ولم يفلح الجانب الفلسطيني في تحسين البيئة داخلها سوى بعدم الحاجة للرجوع إلى اللجنة والموافقات الإسرائيلية لمشاريع البنية التحتية في المنطقة "أ" أو داخل التجمعات الفلسطينية ماعدا الآبار ومحطات الصرف الصحي والمشاريع عامه في المنطقة " ج ".
إلا أن الملفت للنظر أنه وبعد قرابة أربعة أعوام على إقرار قانون المياه في حزيران ٢٠١٤ (قرار بقانون)؛ لم تقم سلطه المياه بعد في إعادة هيكلتها وبما يتوافق مع وظائفها في القانون الساري، كما لم يتم المصادقة على أي من الأنظمة التي من دونها سيبقى مجلس تنظيم قطاع المياه مشلولا وغير ذي جدوى، وهو الذي أوكل إليه الرقابة على خدمه المياه والصرف الصحي لمقدمي خدمات المياه، والذي أوعز القانون بتحويلهم إلى مرافق مياه إقليمية، وهي تحدي كبير آخر أمام الحكومة الفلسطينية، نظرا لرغبه البلديات وخاصة الكبيرة منها بإبقاء السيطرة على مصادر المياه وبيعها، باعتباره دخلا مربحا لها بغض النظر عن القيام بمسؤولياتهم تجاه تحسين جوده الخدمة للمياه والصرف الصحي، عدا عن التهرب المستمر بسداد المستحقات المالية الكبيرة والتي تجاوزت أكثر من ١.٣ مليار شيقل كمديونية على دائرة المياه، وبالتالي للحكومة بدل أثمان مياه الشرب مع الاستمرار في تجاهل كبير لمعالجه المياه التي تلوث البيئة، الأحواض أو تصرف في الأودية شرقا أو غربا، حيث تقوم إسرائيل بتحميل خزينة السلطة أثمان المعالجة في محطات إقامتها من اقتطاعات المقاصة، وتتجاوز سنويا عشرات الملايين من الشواقل ولا يتم تحميل البلديات تلك الكلفة.
برنامج إصلاح قطاع المياه أثمر عن قانون مياه وزع فيه الصلاحيات، حيث أنيطت المهام الوزارية بسلطة المياه، وهي التي تجمع العديد من العاملين في قطاع المياه ومن رؤية لمخرجات برنامج الإصلاح، إذ لابد من تحويلها إلى وزارة، فهي من الوزارات الأهم وهي أيضا ترتبط بمعظم الوزارات كون المياه لها علاقة بمختلف القطاعات.
ومن أجل إدارة أفضل وحوكمة للمصادر الشحيحة؛ أنيطت المهام التنظيمية المتعلقة بالرقابة على تقديم خدمه المياه والصرف الصحي إلى مجلس تنظيم قطاع المياه الذي يواجه عقبات حقيقية تتمثل بعدم وجود الأنظمة وبتعقيدات أحيانا لا ضرورة لها، واختلاف على الصلاحيات وتفسيرات للقانون وبنوده دون التركيز على روح برنامج الإصلاح الذي وضعته وتقوده سلطه المياه.
منذ أعوام، أقرت الحكومة الألمانية بناء محطة صرف صحي لشرقي نابلس على غرار تلك التي بنيت غربيها وأقرت ميزانية تقارب الخمسين مليون دولار، كان المشروع واعدا ومقدما حلولا جذرية للمياه والصرف الصحي وإقامة البنية التحتية اللازمة، والحد من تصريف المياه العادمة التي تلوث البيئة والأحواض والمياه السطحية والباذان وصولا إلى عين شبلي، عدا عن ما يقدمه المشروع من ازدهار لأهل المنطقة وتشغيل للأيدي العاملة وخلق لفرص العمل.
اختلف أهالي المنطقة على الموقع الذي اقترحته دراسة الجدوى، وباءت جهود الحكومة في إقناع الأهالي بأهمية المشروع، ونجح المثبطون في جعل المشروع قضيه رأي عام، بعد أن غرر بالإعلام، نتيجة لكل ذلك انسحب الممول الأكبر للمشروع وتعلق المشروع الاستراتيجي، وكنا كمن يطلق النار على قدميه وأصبح المشروع في مهب الريح مشكلا إخفاقا وطنيا يؤسف له وعليه وسنبكيه طويلا لضياعه، وهو أيضا قرع الجرس مهددا مشاريع أخرى مماثله تسعى سلطه المياه والحكومة وتبذل الجهود الجبارة من أجل الحصول على الموافقات الإسرائيلية وإقناع الجهات الممولة للتمويل الضخم لها، ومن ثم ومن حيث لا ندرك يتم إعاقة المشاريع لأسباب قد تكون نوعا ما مفهومه لكن لا تصل إلى الإضرار بالمصالح العامة وإستراتيجيتها للدولة التي نبني.
يجري حاليا على قدم وساق بناء محطات الصرف الصحي الاستراتيجية، وهناك تحدي نواجهه بالمقدرة على الإدارة والاستدامة وإعادة الاستخدام للمياه المعالجة، وكانت هناك فرص للشراكة مع القطاع الخاص، إلا أن غياب رؤية حكومية وقانونية للشراكة مع القطاع الخاص لا يزال يعيق تقديم مثال ناجح للشراكة بين القطاعيين.
جهود سلطه المياه والحكومة مباركة في المضي قدما بالنهضة في هذا القطاع، ويستلزم اتخاذ قرارات جريئة وأهمها تأميم المياه، وأعني الآبار الخاصة وبما يضمن الحفاظ على الحقوق الفردية المكتسبة وضمن الرخص الممنوحة، ولا يستفرد كل صاحب بئر بالمياه التي فيه والضخ دون حسيب أو رقيب وهي دعوه لسلطه المياه والحكومة للإسراع بالأنظمة المتعلقة بالمصادر وحمايتها وتنظيم استخدامها، خاصة نظام الآبار الزراعية ونظام إعادة استخدام المياه المعالجة في الري وتخصيص مياه الأحواض للشرب، وأيضا الأنظمة التي تساعد مجلس تنظيم قطاع المياه للقيام بواجباته التي نص عليها القانون وضرره إجراء حوار معمق مع البلديات والمجالس البلدية والقروية ووزارة الحكم المحلي لتنفيذ خارطة الطريق نحو إقامة مصالح المياه الإقليمية، من أجل إدارة أنجع وأفضل للمياه والصرف الصحي.
نعم الاحتلال هو من يسيطر على مصادر المياه ويعيق تطوير البنية التحتية، ولكن يجب أن ندرك أيضا أن الإدارة الداخلية للمياه تستطيع تحسين معدلات الاستهلاك، وذلك بتقليل الفاقد الـذي يصل في معظم التجمعات إلى أكثر من ٤٠-٥٠٪ وهي نسب كبيره وتحدي لابد من مواجهته.
عندما أخفقنا في تطبيق القانون في قطاع غزه متناسين أن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقران انتشرت الآبار غير القانونية التي وصلت إلى أكثر من عشره آلاف! هي الآن تستنزف الحوض بثلاثة أضعافه، وهي التي أدت إلى تداخل مياه البحر وتملح المياه وانهيار الحوض الساحلي وتهديد حياه أكثر من ٢ مليون يسكنون في القطاع.
ويبقى القول أن قضية المياه هي قضية وطنيه وجوهريه وحساسة وحيوية يجب أن تقود سلطه المياه حوارا مع مختلف القطاعات لتقاطعها معها، حيث أن الناس شركاء في الماء والكلأ والنار، ويجب أن تتصدر الأولويات، ليس فقط أن المياه هي الحياة إنما لأن الحياة أيضا هي المياه!