الحدث - عصمت منصور
كتب "اوري افنيري" الناشط في حركة السلام الآن في هآرتس الإسرائيلية.
كلما اقترب الرئيس أبو مازن من نهاية عهده، زادت حدة الفاظة كما حدث في قولة لترامب "يخرب بيتك"، وأيضا هذا الأسبوع عندما وصف السفير فريدمان بـ "ابن الكلب" وهي كلمات لها و قع أخف في العربية من العبرية.
ومن الصعب القول إن فريدمان لا يستحق هذا الوصف، لأنه يتضامن كليا مع العناصر الأكثر تطرفا في المناطق المحتلة ولا يكف عن مهاجمة اليهود الليبراليين في الولايات المتحدة.
من المتعارف عليه عالميا أنه لا يتم تعيين سفير إلى دولة متورط شخصيا في قضاياها، ولكن يبدو أن هذا لا يهم ترامب الذي لا يأبه بالفلسطينيين ولا حتى بإسرائيل.
ماذا يهم ترامب حقا؟
يهمه أن يحصل على أصوات في الانتخابات القادمة، لذلك يعتبر إرسال يهودي متدين كسفير في إسرائيل سيعود عليه بأصوات ثمينة من الجمهور اليهودي، مع أن معظم الأمريكيين يصوتون للحزب الديمقراطي.
نتائج هذه السياسة هو تجاهل الرئيس ترامب لحقوق الفلسطينيين وتطلعاتهم، واعتبار أن الشعب الفلسطيني يجب أن يقبل بما يعرض عليه. وهو يعرض عليهم خطة باسمه لازالت سرية، ويكفي أن نعرف أن من أعدها يهودي آخر في إدارته وهو كوشنير.
من هنا لا نستغرب أن الرئيس فقد الأمل، وهو يعلم أنه حتى نهاية ولايته لن يحدث أي شيء إيجابي، وأن الوضع لم يكن على هذا القدر من السوء في تاريخ الشعب الفلسطيني.
الشعب الفلسطيني بدأ يشعر أنه أمة جديدة ومنفصلة في نهاية الحرب العالمية الأولى، بعد انهيار الامبراطورية العثمانية، وعلم فلسطين ظهر في المظاهرات في تلك الفترة بألوانه الأبيض والأسود والأخضر والأحمر.
فلسطين كانت جزء من بلاد الشام وسوريا الطبيعية، ولكن بعد استعمار سوريا من الانتداب السوري وفلسطين من الانتداب البريطاني؛ انفصلت عنها، ومنذ ذلك الحين عاش الفلسطينيين أحداث كبيرة، إلا أنها لم تكن مثل هذه الفترة بسوئها.
قلب العرب والمسلمين لا زال مع فلسطين، ولكن لا يوجد دولة واحدة ستتردد في بيع القضية الفلسطينية من أجل مصالحها، ولا توجد حكومة مستعدة أن تواجه الدولة العظمى وأن تقف ضدها في السر أو في العلن.
كل هذا يضاف إليه الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس في الضفة وغزة، والذي يخدم إسرائيل لدرجة لن تصدق أن يدها بعيدة عنه.
الوضع الحالي يعطي الفلسطينيين أفضلية، وهي بدء البحث عن طرق وأفكار جديدة.
قال لي ياسر عرفات ذات مرة أنه توجه إلى أوسلو بعد أن استنفذ كل الخيارات من الدبلوماسية وصولا إلى الكفاح المسلح.
إضافة إلى فشلنا في الذهاب لخوض تجربة جديدة؛ وهي طريق السلام مع إسرائيل، وهذه الطريق على ما يبدو قد فشلت بعد مقتل رابين وسيطرة اليمين الذي يرأسه شخص يكره الفلسطينيين من الولادة حتى الممات على الحكم، وهو ما يعني أن جيل الشهيد أبو عمار والرئيس أبو مازن وصل إلى طريق مسدود.
الآن ينهض جيل جديد مع أفكار جديدة، وبعد أسابيع سنجد أنفسنا أمام ولادة مرحلة جديدة في تاريخ الشعب الفلسطيني.
دائما كان هناك في صفوف الشعب الفلسطيني من نادى بالكفاح السلمي غير المسلح؛ ولكنهم لم يجدوا آذان صاغية، لأن المجتمعات العربية امتازت بالعنف في ثوراتها، على خلاف تجارب غاندي ومارتن لوثر كينج ونيلسون مانديلا.
الآن يزداد الحديث عن النضال اللاعنيف، ليس لأسباب أخلاقية بل لأسباب عملية.
قريبا سيفتح الشعب الفلسطيني معركة غير عنيفة تحت عنوان حق العودة ومئات آلاف الفلسطينيين سيصلون إلى الجدار مع إسرائيل، بدءا من غزة وبعدها من أماكن أخرى، ولن يكون الهدف الاشتباك مع الجيش أو اختراق الجدار، بل إقامة مخيم قرب الجدار والبقاء هناك لأطول فترة ممكنه.
هذه الطريقة مجربة والقضية الفلسطينية المهمشة ستبعث للحياة وسيحضر صحفيين من كل العالم للمخيم، من أجل نقل تقاريرهم وستقام خيم أخرى في أوروبا للمناصرة، أما في العالم العربي فسيجد قادة الممالك والإمارات صعوبة في منع الجمهور في عدم ركوب الموجه.
في نظري أن هذه الخطة تنطوي على خلل واحد: هدفها المعلن ولو أنها ركزت على مسألة السيادة الفلسطينية، لرحب بها العالم لأن هناك إجماع ضد الاحتلال الإسرائيلي ودولة مستقلة بخلاف مشكلة اللاجئين التي لا يوجد حولها إجماع.