رام الله- عبير إسماعيل
من المسؤول عن التفاوت في الأسعار بين المدن؟ الحديث مع المواطنين يبدو حديثاً مكرراً بعد أن أصابهم الضجر من الشكوى دون جدوى ودون حلول تساعدهم على مجابهة هذا التفاوت.
تساؤلات كثيرة تدور حول أسباب هذا التفاوت، ولماذا لا تستطيع السلطة التدخل في تحديد الأسعار؟ وهل هذا التفاوت ظاهرة صحية؟ وما هي التحديات التي تلقى على عاتق الجهات المختصة للسيطرة على هذه الظاهرة؟
يقول عارف العزة من بيت لحم: «إن تفاوت الأسعار بين مدن الضفة يعود لعدة عوامل، أهمها طابع المدينة وموقعها وحركة العابرين إليها وقربها أو بعدها عن مناطق التماس مع فلسطين التاريخية»، مشيراً إلى أن أسعار العقارات في بيت لحم مرتفعة جداً، وطابع المدينة سياحي، حيث تكثر بها المطاعم والفنادق وبالتالي ينعكس ذلك على المواطنين وشريحة الموظفين خاصة.
ولفت إلى أن بيت لحم تختلف بأسعارها عن بيت ساحور وبيت جالا وذلك لطابعهما القروي، مشيراً إلى أن رام الله لا تختلف كثيراً عن بيت لحم في غلاء العقارات أو ما يسمى بخلو الرجل، حيث يضطر التاجر لرفع سعر السلعة نظراً لموقع المدينة المركزي باعتبارها حاضنة لكل المناطق وكمركز رئيس لكبرى الشركات وتحكمها بالسوق.
وأردف العزة أنه فيما يتعلق بمدن الشمال فطابع المدن قلقيلية، وطولكرم، وجنين قروي، وذلك لاعتماد تلك المدن على الحركة التجارية على الوافدين والمتسوقين من داخل فلسطين المحتلة 48 لرخص الأسعار في هذه المدن، مشيراً إلى أن السلطة بالمحصلة النهائية هدفها الأساسي هو دعم خزينتها، بعيداً عن وضع ومستوى دخل الفرد، سواء موظف أو عامل أو حتى دون عمل، ما يجعلك تتعثر بسلطة الجمارك بكل الأماكن ومفترقات الطرق.
وتحدث عن الخليل التي تعتبر من أكبر المدن تجارياً وشعارهم الشهير»بيع رخيص بتبيع كتير بتربح أكتر» لذلك يقصدها المعظم لشراء ما يلزمهم، مشيراً إلى أن الذهب هو السلعة الوحيدة المتفق عليها في كافة المدن الفلسطينية وذلك لأن سعره عالمي.
بينما قالت مريم إسماعيل من نابلس، أن تفاوت الأسعار في الضفة ناتج عن طمع التجار في جني الكثير من المكاسب حتى لو على حساب المواطن البسيط، مشيراً إلى أن الأسعار لا تتناسب مع دخل الفرد سواء كان موظفاً أو عاملاً.
وأضافت أن السلطة لا تريد الاصطدام مع التجار والموردين الكبار في السوق التي تجمعهم مصلحة مشتركة ما يجعل دورها معدوماً، مطالبة بأن تكون الأسعار موحدة في كافة المحافظات، فالمواطن هو المواطن في كل الأماكن.
في حين قال المواطن أحمد نمر من مدينه أريحا أن المدينة تعتبر مصيفاً ومتنزه أهل الضفة لذلك تجد الأسعار خيالية، خاصة فيما يتعلق بالمواد الغذائية على غرار الملابس التي تعتبر عادية ومستوعبة.
ونوّه إلى أن التفاوت بالأسعار ناتج عن عدم رقابة حقيقية من قبل السلطات المسؤولة عن ذلك، ما شجع الكثير من التجار على جشعهم وتلاعبهم بالأسعار، لافتاً إلى أن دخول البضاعة الصينية ذات الجودة المتدنية وبيعها على أنها ذات جودة عالية مستغلين جهل المستهلك بمعايير الجودة.
ومن مدينة القدس قالت ابتسام عبيدات: «عادة ما يستغل تجار الضفة المواطن المقدسي أو السائح الغريب على اعتبار أنه يملك الكثير من الأموال، ويجب مضاعفة ربحهم أو تعويض خسارتهم من هذا الزبون، مشيرة إلى أن العقارات بالقدس مرتفعة جداً وتتجاوز دخل المواطن بعشرات المرات، بحيث لا يستطيع شراء أي عقار حيث يتجاوز ثمن شقة عادية وبمساحة 100 متر المليون شيكل.
وأكملت: «تشهد القدس أزمة حادة في السكن لعدم وجود بيوت، وذلك بسبب رفض الاحتلال منح المواطنين رخص بناء، وإن منحت أحدهم رخصة فهي تستغرق أكثر من خمس سنوات لتعطي الموافقة على البناء، وعادة ما يدفع المواطن ما يقارب 300 ألف شيكل ثمن الترخيص ويتبعه أمور أخرى، لافتة إلى أن إيجارات البيوت بالقدس مرتفعة جداً ويتم استغلال المستأجرين بشكل غير إنساني، وذلك لحاجتهم للسكن وخصوصاً بعد قيام إسرائيل بسحب هويات المواطنين الذين يسكنون خارج المدينة، وعودتهم أشعلت الأسعار لأنهم بحاجة البيت ومهددين بسحب هوياتهم هم وأبناؤهم، لافتة إلى أن السلطة مقصرة جداً بحق المواطنين ودورها يكاد يكون معدوماً.
من جهة أخرى، قالت نداء سعادة من مدينة الخليل، أن الأسعار مرتفعة جداً حيث لا يستطيع المواطن شراء احتياجاته، مشيرة إلى أن المواطن الذي لديه عدد من الأبناء يبحث عن السلع الأرخص لتتوافق مع إمكانياته، خاصة في ظل تأخر الرواتب المستمر.
بدوره قال الدكتور محمد شاهين، مسؤول وحدة الشكاوى في جمعية حماية المستهلك الفلسطيني، أن التفاوت في الأسعار مرفوض، وقد قمنا بمسح ميداني بالتعاون مع طلبة الجامعات، وقد وجد أن هناك تباين بين المحافظات، ويكون بين المحافظات نفسها ويصل حوالي20-40% في بعض الأحيان.
وأضاف: «عدم وحوج رقابة على السوق الفلسطينية، وضبط لبعض السلع الأٍساسية هو السبب في التباين، إلى جانب عدم وجود طواقم لحماية المستهلك، مما يعمل على عدم التزام التجار بالتسعيرة.
ولفت شاهين إلى أن تفاوت الأسعار، أيضاً، يعتمد على طريقة التاجر في إمداده بالسلع والآلية التي يبيع بها، فأحياناً يشترى التاجر بضائع بسعر وجودة أقل ولكن يبيع بسعر أكثر.
وأكمل أن من أسباب التفاوت بالأسعار يتعلق بالمستهلك نفسه فعليه أن يقوم بعملية مسح كامل للسوق قبل الشراء ويربطها بالجودة ومصدر السلع وقانونيتها.
وأشار شاهين إلى أن غياب القوانين والتشريعات القادرة على ضبط السوق الفلسطينية، سبب رئيس في تشجيع التجار للتلاعب بالأسعار لضمانة عدم وجود قانون يحاسبه على ما فعل.
وأكد على أن مشكلة السوق الفلسطينية تكمن بارتباطه بالاقتصاد الإسرائيلي، والسلّة الغذائية الفلسطينية متساوية مع السلّة الغذائية الإسرائيلية، في الوقت الذي يصل فيه متوسط دخل المواطن الإسرائيلي ثلاث أضعاف المواطن الفلسطيني، وانخفاض مستوى البطالة لديهم أقل، إلى جانب بعض التدخلات لحماية المستهلك، ورغم الفروقات الشاسعة نتشارك في أسعار السلة الغذائية، منوهاً إلى أن كل ذلك يخلق حالة من الانفلات خاصة في ظل وجود بعض البضائع المهربة من المستوطنات، التي معظمها منتهي الصلاحية أو لغرض ضرب السوق الفلسطينية.
ولفت شاهين إلى ضرورة وجود عملية ضبط للسوق الفلسطينية وتحديد سقف سعري، كما حدث لبعض السلع الغذائية كالبندورة في الأردن، مؤكداً على ضرورة وجود تدخلات ملموسة من الحكومة، ليس كتلك التي حدثت في السابق، وفقط كانت مجرد حبر على ورق.
وأردف: «أي إجراءات يجب أن تكون ميدانية إلى جانب ضرورة وجود تطور في التشريعات والقوانين التي تضبط السوق الفلسطينية، داعياً المستهلك أن يكون على وعي كبير بحقوقه، وعدم الشراء قبل مسح السوق، وشراء سلع معلومة المصدر.