كما في كل مرة يبرز إلى السطح موضوع وحدة اليسار أو وحدة ما يسمى بالتيار الديمقراطي بالساحة الفلسطينية و في كل الحالات السابقة لم يكتب لهذا المشروع النجاح.
إن الأزمة التي تعيشها الحركة الوطنية الفلسطينية لا تقتصر على اليسار وحده؛ فهي منتشرة في باقي مُركباتها القومية والدينية ولو بأشكال متفاوتة. و حتى لا يكون الموضوع جلداً للذات؛ فإن سرعة المتغيرات الدولية و الإقليمية فرضت نفسها على الواقع الفلسطيني، مُحدثة ارتدادات و أزمات أصابت الجميع.
و لكن ما يهمنا هنا موضوع اليسار في الساحة الفلسطينية، السؤال المهم هل هناك تعريف موحد ومتفق عليه لليسار أو القوى الديمقراطية، أجزم وكما تؤكد الوقائع طبعاً لا؛ فهناك خلط كبير بالمفاهيم والحد الأدنى المشترك لمجموعة القيم والمبادئ اليسارية والديمقراطية غير متوافر عند مجموع القوى التي تدعي هذهِ الصفات. فليس بالضرورة أن كل من هو ليس مع فتح أو حماس هو يساري أو ديمقراطي؛ لأن هناك مجموعة من القيم لها علاقة بالتربية الفكرية المقرونة بالسلوك والممارسة الذاتية والموقف من مبادئ المجتمع المدني للدولة المنشودة، ومجموعة مواقف حول ما يجري بالإقليم والعالم .
إن القوى التي تدعي الفكر الديمقراطي أو اليساري، عليها أن تراعي الحد الأدنى من مفاهيم هذا الفكر، فبداية عليها أن تراجع برامجها وتجدد فكرها وأطروحاتها بما يتناسب مع متغيرات العصر والواقع، وبناء عليه، على هذه القوى أن تمارس الديمقراطية في حياتها الحزبية والمجتمعية وتجدد قيادتها تُبرز قادة جدد، وخاصة من الجيل الشاب، وأن توزع المسؤوليات والمواقع التمثيلية بما يعكس الرجل المناسب بالمكان المناسب، ولا يمكن لمُدعي الفكر الديمقراطي أن تكون كل السلطات بيد القائد الأوحد. إن الشعار الديمقراطي إذا لم يكن مقروناً بالممارسة فهو فارغ و ليس لهُ أي مصداقية.
وعلى صعيد المواقف السياسية فداخلياً على هذه القوى أن تحدد تحالفاتها وبوصلتها الوطنية، إن كان ذلك في التحالفات النقابية أو الطلابية أو غيره، فكيف يمكن أن تلتقي أو تتحالف كتلتان بينهما تناقض فكري وسياسي ولا يتفقان بالحد الأدنى من موضوع الدولة المدنية أو من موضوع المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية السعودية تجاه سوريا واليمن والوطن العربي عامة ؟
وهذهِ التحالفات كُلها إذا لم يكن لها أساس فكري أو سياسي، فهي تحالفات مصالح فئوية ضيقة بعيدة كل البعد عن الفهم اليساري أو الديمقراطي، وبخصوص المواقف السياسية فإن أبجديات الفهم الديمقراطي اليساري تستدعي الوقوف ضد المؤامرة الأمريكية الصهيونية الرجعية، دفاعاً عن سوريا الوطن والشعب والتاريخ والحضارة، وليس دفاعاً عن القائد والطبقة الحاكمة، تاركين للشعب السوري اختيارِ قيادتهِ بشكل حر وديمقراطي بعد تحرير الوطن، ودحر المؤامرة.
إن القوى المُشكلة لما يسمى بالتيار الفلسطيني أو القوى الديمقراطية، والتي فشلت في انتقاص فرصة التقاسم الوظيفي بين الحزبين الحاكمين في شطري الوطن؛ هي أبعد ما تكون في تركيبتها التنظيمية والفكرية الحالية عن أخذ زمام المبادرة؛ وذلك لضعف حضورها الجماهيري واهتزاز ثقة المواطن بها، ولعدم قدرتها على عكس برنامجها وفكرها عملاً وممارسة.
إن الفكر الديمقراطي الوطني العلماني و بعد فشل البرامج الشمولية الأخرى جميعها؛ سيكتب لهُ النجاح يوماً ما في فلسطين والعالم العربي، وهذا بحاجة لجهد وعمل شاق من كوادر وشباب مؤمنين بهذا الفكر فقدوا الأمل بالأشكال التنظيمية الهرمة لبناء أجسام جديدة تتناسب فكراً و تنظيماً مع متغيرات الحياة .