تجولت زينب معالي في بلد "الشوارع النظيفة لا أثر فيها لعجلات محترقة ولا لحجارة متكسرة. السماء نقية لا أثر فيها لدخان قنابل أو قصف صواريخ ،لا حواجز، لا جدران فاصلة، لا نقاط تفتيش" فقد انتهت لدى زينب المرحلة التي ساد فيها" الترقب والقلق، ولم تعد ترى الخوف يرتسم على وجوه الناس"، " تعيش حاضرا لا تريد إفلاته، فالعائلات تراها مجتمعة أمام منازلها، التي تبدو كأنها بنيت من جديد، تتبادل الأحاديث، تضحك من أعماقها"
نعم هذا جزء من حلم زينب الطفلة عندما كانت في الصف العاشر، حين طلبوا منها أن تتخيل هي وبنات مدرسة دير جرير الثانوية. وحق لزينب أن تحلم، فهي من قرية شهدت الكثير الكثير من الاحتلال، فمنها الأسرى ومنها المبعدون ومنها من هدم الاحتلال بيوتهم ومنها ومنها...ولن أكتب إلا النزر اليسير مما كتبته معلمة المدرسة السابقة المناضلة عايشة عودة الأسيرة المحررة المبعدة العائدة صاحبة البيت المهدوم .فقد سجلت مذكراتها" أحلام بالحرية" و"ثمنا للشمس" وباقتدار شديد هذه الأحداث، وكذلك المناضل الأسير المحرر عصمت منصور ابن القرية ذاتها الذي تحفظ ذاكرته ورواياته تفاصيل القرية ومعاناتها أفضل مني ألف مرة.
هل أفلت ذلك الحاضر المتخيل من يد زينب معالي طالبة الماجستير في جامعة بيرزيت؟ هل أحاله الحاضر الواقعي إلى أضغاث أحلام أو كابوس أو مجرد حلم جميل أملاه ما أملاه أو من أملاه على الأطفال وزينب منهم فتخيلوا الحلم واقعا؟
عشرة أعوام مرت على ذلك الحلم، كسائر كل بقاع الوطن المعذب، نالت دير جرير شيئا منه. فحلت محل الحلم خيبة أمل. تقول زينب:
"أرى أن لا شيء تحقق من أحلامنا بل إن الوضع ازداد سوءاً ، أصبحنا نعيش في عدم استقرار و خوف دائم، أشعر بخيبة أمل لما آلت إليه أحوالنا. أظن أن الأحلام نفسها ما زالت تراودنا و نتمناها ،دائما نحلم بوطن آمن ووضع مستقر نطمئن به على مستقبلنا و مستقبل أبنائنا".
فزينب استيقظت كما استيقظ أهل قريتها من الحلم في منتصفه، وربما قبل المنتصف بكثير، على صوت مستوطني مستعمرة عوفرة القريب وهم يهاجمون كروم الزيتون ويمعنون فيها تقطيعا. واستيقظت زينب مثل أهل قريتها على صوت مستعربين قدموا لاختطاف عدد من شبان القرية، فما زالت العجلة المحترقة حاضرة في الشوارع، وما زال الاحتلال يهدم بيوتا ...وما لم يكتب أكثر بكثير مما كتب. واتضح لها ربما كما اتضح لمن عاش وهما أن السلام والاحتلال خطان متوازيان لا يلتقيان مهما امتدا مهما ازيَنت الأحلام.
وما زال الناس يدفعون "ثمن الشمس دما".