اثنان وأربعون عاماً مرت على يوم الأرض الخالد الذي يعود للثلاثين من آذار/ مارس 1976. ذاك اليوم الذي دافع أبناء شعبنا الفلسطيني داخل الأرض المحتلة متحدين قرار الاحتلال الإسرائيلي مصادرة أراضيهم في المثلث والجليل والنقب وعرابة وسخنين بخوض إضراب شامل استشهد فيه ستة مواطنين وجرح واعتقل المئات، وشكل علامة فارقة في مسيرة الجماهير العربية الفلسطينية الباقية في وطنها منذ عام 1948؛ بالانتقال من نفسية النكبة والهزيمة إلى نفسية التجذّر والمواجهة والنضال.
مخطط تهويد الجليل الذي سمي بمخطط التطوير، وكشف عنه عشية يوم الأرض عام 1976، تحدث عن مصادرة 200 ألف دونم قيل إن 80 ألفا منها "أراضي دولة"، و50 ألفا أراض "غير يهودية"، أي أن 130 ألف دونم من الأراضي العربية، فيما الـ 70 ألف دونم قد جرت مصادرتها في وقت سابق (أراضي أملاك الغائبين).
وقد تحدث مشروع "تطوير الجليل" بصراحة عن تغيير الواقع الديمغرافي للمنطقة بقوله "إن القضية الخاصة بالجليل هي قلة السكان الصهاينة بالنسبة للعرب الذين يؤلفون 70% من مجموع السكان"، وكشف أنه، "في عام 1973 كان عدد السكان العرب في الجليل 147 ألفا و62 ألف صهيوني، وفي أطراف الجليل هناك 40 ألف من السكان العرب يقطنون في ضواحي حيفا وعكا وطمرة وشفاعمرو".
يستعد الشعب الفلسطيني للمشاركة في مسيرة العودة الكبرى يوم الجمعة الثلاثين من آذار، للالتحام مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في كافة مناطق التماس والاحتكاك في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس وأراضي الـ48 ودول الطوق العربي في الأردن وسوريا ولبنان، للتعبير عن رفضهم لقرار الإدارة الأمريكية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتخفيض المساهمة الأمريكية لموازنة الأونروا، وتأكيد على تمسكهم بحق العودة إلى الديار التي هجروا منها وفق القرار الأممي 194.
لا يخفى على أحد الأوضاع الإنسانية الكارثية التي يمر بها اللاجئون الفلسطينيون في أماكن تواجدهم وعلى وجه الخصوص في قطاع غزة ولبنان وسوريا، ولعلها الفرصة السانحة لتحرك الفلسطينيين بمئات الألوف نحو الحدود والسياج الأمني والاحتكاك والتماس مع العدو الإسرائيلي واجتيازهم نحو الداخل الفلسطيني، بعدما فشل المفاوض الفلسطيني في صيانة حق العودة بعد ربع قرن من المفاوضات نتيجتها صفر كبير. بل وأرجأت المفاوضات وفق اتفاق أوسلو القضايا المصيرية الكبرى مثل (القدس- اللاجئون- الاستيطان- الحدود والسيادة) إلى قضايا الوضع النهائي, وحوّلت الأرض الفلسطينية من أراضي محتلة إلى أراضي متنازع عليها. وتخطى المفاوض الفلسطيني الخطوط الحمر عندما وافق على حل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفق «حل عادل متفق عليه» دون الاستناد لقرار الأمم المتحدة رقم 194، إنما بالاستناد إلى ما جاء في «مبادرة السلام العربية»، وهذا يعني ما يتفق عليه في طاولة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي.
لم يعد الوضع محتملاً مع تزايد الأزمات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية في قطاع غزة، فنسب الفقر والبطالة بمعدلات فلكية وانعدام الأمن الغذائي والوظيفي ومشاكل انقطاع الكهرباء وشح المياه وغلاء الأسعار في ظل سياسة الحصار والتجويع التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي بالتزامن مع السياسة العقابية للسلطة الفلسطينية والضرائب المزدوجة والتصاعدية للسلطة وسلطة الأمر الواقع في غزة، إلا أن الألم يلاحق الفلسطينيون رغم إدراكهم أن الأمل قادم، لكن هذا يفتح شهية التساؤل، لماذا القوى السياسية والتحركات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني تفشل في تجييش وتزخيم الشارع الفلسطيني للدفع نحو التحركات في مسيرات ضخمة اتجاه الحدود ومناطق التماس مع الاحتلال بأعداد مؤلفة وربما مليونية على طريقة فعاليات انطلاقات الفصائل الكبيرة، ونصب خيّم تؤمن فيها كافة اللوجستيات الحياتية لإنجاح مسيرة العودة على أقرب نقطة في المناطق التي يحذر الاحتلال الاقتراب منها، وعدم اقتصارها على يوم الأرض وذكرى النكبة، حتى لا تفقد تلك المسيرات حيويتها لابتعادها عن مناطق التماس والاحتكاك، لأن الاحتلال باق طالما لم نرفع كلفته لا بالمقاومة الشعبية ولا بالمسلحة منها.
إسرائيل ستعمل كل ما بوسعها لترهيب المواطنين ومنعهم من الاقتراب والمشاركة في مسيرات العودة وخصوصاً في قطاع غزة عبر استخدام قنابل صوتية وقنابل غاز مسيل للدموع وروائح كريهة أو فتح مياه الصرف الصحي ناهيك عن إطلاق الأعيرة النارية المطاطية أو الحية ووسائل أخرى لتفريق المتظاهرين. أما فلسطينيو لبنان وسوريا رغم خصوصية كل حالة، لكنها لا تختلف كثيراً عن الأوضاع المأساوية في قطاع غزة، لذا يجب النضال على طريق حل قضيتهم بموجب القرار 194 الذي كفل لهم الحق في العودة الى الديار والممتلكات التي هجروا منها هذا العام 1948.
ليكن يوم الثلاثين من آذار، يوم الأرض الخالد، يوماً آخر على طريق نزع الشرعية عن الاحتلال وعزل الكيان الإسرائيلي العنصري، يوم تخييم على الحدود مع أراضي الـ48 في جنوبها بقطاع غزة، وشمالها في لبنان وسوريا، وتحريك الشعب الفلسطيني في مسيرات نحو الحدود وفي مناطق التماس بالضفة الغربية وشد الرحال نحو المسجد الأقصى للتصدي لمحاولات اقتحامه من المتطرفين الصهاينة، لكبح جماح حكومة الاحتلال الإسرائيلي ودفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتراجع عن قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، وقطع الطريق على مشروع صفقة القرن الأمريكية وخاصة المشاريع الإسرائيلية للدفع بقطاع غزة نحو سيناء توسعاً، دون ذلك سنبقى أسرى القرارات الأمريكية وسياسة التلويح والتهديد بالعقوبات سواء وقف المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية أو وقف المساهمة في ميزانية الاونروا.. الخ.
بيد أن الحالة الفلسطينية تعيش حالة عزلة مقيتة في الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد تفجير موكب رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمد الله، وأصبحتا تعيشان حالة طلاق سياسي بينهما. فيما المستغرب أن الرئيس محمود عباس يعاقب غزة لأنها خرجت عن طوره، ولم يستطع التلويح ولو مرة واحدة في وجه إسرائيل التي تصادر الأرض وتهود القدس وتفرض الحصار وتواصل العدوان على الشعب والوطن والقدس العاصمة، بل يواصل تهميش وتدمير المؤسسات الرسمية الفلسطينية عبر تجاهل قرارات المجلس المركزي في دورة (يناير/ كانون أول 2018).
وجع على وجع، الشعب والوطن، يعيش الفلسطينيون واقعاً مأساوياً وصل إلى حد الهاوية، حتى أصبحوا يعيشون تحت سلطة لا تملك زمام السلطة على الأرض، ودولة بلا سيادة على أرضها، بل أن الاحتلال أصبح الأقل كلفة في العالم. هذا واقع مؤلم وخطير، مع استمرار قيادة السلطة الفلسطينية حالة الانتظار رغم شطب الإدارة الأمريكية الحالية لقضايا القدس والاستيطان واللاجئين من على جدول أعمال أية مفاوضات، لمراكمة الوقائع لصالح امتيازاتها الخاصة على حساب المشروع الوطني الفلسطيني، ما يتطلب إعادة هيكلة مؤسسات السلطة الفلسطينية وبرامجها، وآليات عملها لتتحول من سلطة حكم ذاتي تخدم الاحتلال إلى سلطة وطنية لحركة تحرر وطني، لشعب اختار المقاومة والانتفاضة سبيلاً للخلاص من الاحتلال والتهويد والاستيطان، وتحقيق أهدافه في تقرير المصير والعودة والاستقلال.
أمام تلك الحالة المأساوية والخطيرة التي وصلت إليها الحالة الفلسطينية، فلا بد من امتلاك إستراتيجية كفاحية في الميدان تأخذ بالاعتبار التطور الخطير بعد خطاب ترامب في 6/12/2017، لتطور «انتفاضة القدس والحرية» عبر الزج في النضالات الجماهيرية بمزيد من القوى وحشد المزيد من الطاقات، وتوسيع دائرة الاستقطاب لصالح انتفاضة شعبية شاملة، الأمر الذي يتطلب من حكومة السلطة الفلسطينية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية توفير الحماية السياسية والمعنوية والقانونية والأمنية والأخلاقية لهذه الانتفاضة، والاستفادة من اتساع محاور نضال حركة اللاجئين عبر الزج بالمزيد من القوى الاجتماعية وتطوير أساليب العمل الكفاحية بما يتناسب مع خصوصية كل منطقة جغرافية، عبر التصدي لمشاريع تصفية وكالة الغوث أو إعادة بناء تفويضها للتصدي لمشاريع شطب حق العودة.
ان المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي ضرورة وطنية ورافعة نحو استنهاضها وصولا إلى الانتفاضة الشعبية الشاملة على طريق العصيان الوطني الشامل في وجه الاحتلال والاستيطان والمناطق العازلة والجدار، ضد سياسات التهويد والحصار للقدس وغزة والضفة، وقطع الطريق على صفقة القرن .
ليكن "يوم الأرض"، يوم العودة إلى الديار والممتلكات التي هجر منها اللاجئون، يوماً للوحدة الوطنية، تحت راية البرنامج الكفاحي، برنامج المقاومة والانتفاضة وتدويل القضية والحقوق الوطنية في محافل الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية.
لقد آن الأوان لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية وإطلاق سراح المؤسسة التشريعية لفرض الرقابة الشعبية على أداء الحكومة وأداء القيادة الرسمية، وسوى ذلك سيبقى الانقسام عقبة في وجه الإصلاح الديمقراطي ويعطي الذرائع للقيادة الرسمية لمواصلة سياسة التفرد والاستفراد، ولطرفي الانقسام توفير المناخات المناسبة للحفاظ على حالة تقاسم السلطة والمال والنفوذ.