الحدث- وكالات
هل تساءلت يوماً عن السر الذي يدفع أكثر من 750 مليون شخص حول العالم للدخول إلى موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك كل يوم؟ أو سبب إنفاق كل مستخدم لموقع مشاركة الصور بنترست لما يقارب مائة دقيقة من وقته في استعراض محتويات الموقع شهريا؟
قد يبدو السبب للوهلة الأولى بسيطاً، فلربما حالف الحظ فريق المطورين الشباب واكتشفوا بالصدفة ميزة تدفع مستخدمي تطبيقاتهم إلى التعلق بها إلى درجة الإدمان. لكن الواقع يتنافى مع تفسير بهذه البساطة.
فالحقيقة أن تطوير هذه التطبيقات حتى في أصغر تفاصيلها يتم من خلال منهجيات بحثية معقدة تسعى باستمرار إلى الغوص في أعماق النفس البشرية ودراسة دوافعها ومحفزاتها، لتستخدم هذه المعرفة فيما بعد في تصميم جميع وظائف وميزات التطبيق لتدفع مستخدمه إلى المزيد من التعلق به وإلى استخدامه باستمرار.
يسرد المؤلف نير إيال في كتابه الجديد "هوكد" الكثير من الأمثلة على الآليات التي استثمرتها تطبيقات شهيرة مثل إنستغرام وبنترست لتغذي بذور الإدمان عند مستخدميها. ومع أن المؤلف يتعمد ألا يأتي على ذكر مصطلح "إدمان" حرفياً ويستخدم في المقابل مصطلح "تشكيل العادات" (فالإدمان بالنسبة له يفترض بأن العادة التي تشكلت تنطوي على نتائج سلبية)، إلا أن الأفكار التي أوردها تفسر كثيراً من ظواهر الاستخدام المفرط التي صاحبت ظهور تقنيات التواصل الإلكتروني عموماً وتطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص.
من المبادئ التي تعتمدها مواقع التواصل الاجتماعي -على سبيل المثال- لتحفيز مستخدميها على التفاعل معها أن تجعل عملية التفاعل هذه صغيرة وبسيطة قدر الإمكان ولا تحتاج إلى كثير من التفكير.
أنظر مثلاً إلى سهولة الضغط على رابط "أعجبني" أو "شارك" في فيسبوك. يقوم فيسبوك بتبسيط هذه الأفعال لأن مطوريها يعلمون أن المستخدمين سيحجمون عن القيام بأفعال معقدة أو يحتاج أداؤها إلى استثمار بعض الوقت أو الجهد، وأن تعريف العادة يقتضي أن يتم تكرارها بشكل تلقائي ودون تفكير في معظم الأحيان.
مردود مختلف
هناك أسلوب آخر أيضاً لتحفيز الاستخدام المتكرر للموقع يعتمد على تقديم مردود مختلف في كل مرة يدخل فيها المستخدم إلى الموقع أو التطبيق. يعتمد هذا الأسلوب على طبيعة عمل الدماغ البشري التي ترفع من مستوى رغبتنا في الحصول على شيء ما عندما ينطوي ذلك على نوع من أنواع المفاجأة، أي أننا لا نعلم بالضبط ما الذي سنحصل عليه.
على سبيل المثال: ما الذي يحول بيننا وبين إدمان فتح باب الثلاجة في المنزل؟ لن نقوم بفتح باب الثلاجة مرارا وتكراراً لأن محتوياتها لن تتغير في كل مرة، فقد تتغير مرة في اليوم أو مرة في الأسبوع، لكننا لن نتوقع أي مفاجآت تذكر. أما مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى النقيض تماماً، فهي تصمم بعناية شديدة لتقدم لمستخدمها نتائج مختلفة في كل زيارة، حتى ولو كان الفاصل الزمني بين زياراته دقائق معدودة.
من أمثلة ذلك سيل التغريدات في تويتر وما قد يحمله من أخبار جديدة ومفاجآت، وكذلك طريقة عرض أجزاء فقط من الصور في بنترست لدغدغة فضول المستخدم للاستمرار في استعراض الصور وصرف المزيد من الوقت في الموقع.
كما يسعى مطورو المواقع جاهدين إلى دفع المستخدم إلى استثمار أقساط متزايدة من وقته وجهده في إتمام مهام محددة في الموقع، وذلك لأنهم يدركون أن الطبيعة البشرية تدفع الإنسان إلى تقييم الأعمال التي ساهم فيها بنفسه بقيمة تفوق بأضعاف قيمتها الحقيقة، مما يزيد من تعلقه بها وتقديره لها.
وجدت شركة تويتر مثلا أن تكرار زيارات مستخدميها للموقع يزداد بشدة بعد أن يبلغ عدد المستخدمين الذين يتابعونهم ثلاثين شخصاً. أي أن الجهد الذي استثمره المستخدم الجديد في بناء شبكة علاقاته في الموقع سيرفع قيمة الموقع بالنسبة له وسيشجعه على استخدامه بشكل أكبر. لذلك تجد اهتماماً خاصاً من تويتر لتحفيز المستخدمين الجدد على بناء شبكة علاقاتهم في الموقع حتى تصل إلى "الرقم السحري 30".
لا شك أن نشر هذه الأفكار وتوثيق الدراسات العلمية التي تثبتها سيساعد كثيراً مطوري التطبيقات والمواقع الإلكترونية على زيادة فرص نجاح هذه المواقع والتطبيقات، ولكنها قد تستخدم أيضاً لأغراض قد لا تحمد عقباها.
لذلك فقد أفرد الكاتب نير إيال فصلا كاملاً للحديث عن أخلاقيات استثمار هذا الفهم العميق لخفايا النفس البشرية (والذي يزداد عمقاً مع مرور الأيام) لتحفيز الاستخدام المتكرر للتطبيقات والمواقع الإلكترونية.
فكما يمكن أن يبني أحد تطبيقاً يعتمد على هذه الأفكار لتشجيع الناس على الحركة وممارسة الرياضة وإنقاص الوزن، قد يستخدمها آخر لبناء لعبة إلكترونية تسحب أموال الناس من جيوبهم بعد أن يدمنوا عليها. من غرائب الأخبار مثلاً أن سيدة في العقد الرابع من العمر سرقت من والدتها المقعدة نحو ألفي دولار أميركي لتنفقها على لعبة كاندي كرش.
المصدر: الجزيرة نت