قائمة طويلة من التحديات المالية والاقتصادية تواجه حكومة الوفاق الوطني
أعباء مالية من الحكومة المقالة ترحل لحكومة التوافق
رام الله ـ خاص بالحدث
تواجه حكومة الوافق الوطني تحديات مالية واقتصادية غير مسبوقة، وبخاصة في فاتورة نفقاتها الجارية، وبالذات في الرواتب، لتسجل في موسوعة غينيس أعلى رقم قياسي في تضخم الجهاز الحكومي والبطالة المقنعة، عندما يجري تسكين موظفي حركة «حماس» وإدماجهم في المؤسسات الحكومية، والذين يتراوح عددهم ما بين 45 - 50 ألف موظف، وتقدر فاتورة رواتبهم بحوالي 600 مليون دولار سنوياً، ما معدله 50 مليون دولار شهرياً «200 مليون شيقل».
في حين يصل عدد الموظفين الحكوميين في الضفة الغربية إلى 120 ألف موظف، وتقدر قيمة إجمالي رواتبهم بحوالي 200 مليون دولار شهرياً، ما يعادل 727 مليون شيقل، بما فيهم الموظفين «المستنكفين»، بقرار القيادة الفلسطينية الذين يتلقون رواتبهم وهم في بيوتهم حيث تشير التقديرات إلى أنهم يقتربون من 60 - 70 ألف موظف.
صحيح أنه لا يوجد رقم دقيق لدى أي جهة، حتى لدى ديوان الموظفين، عن مجموع من يعملون في السلطة الوطنية الفلسطينية، والمسجلين بنظام الرواتب «مدني وعسكري»، لكن التقديرات تشير إلى أن عددهم الإجمالي يتراوح ما بين 180 - 200 ألف موظف، دون احتساب عدد موظفي العقود، فهم بالآلاف.
إن التحديات التي تواجه حكومة الوفاق الوطني واضحة ومعلومة للجميع، بعض هذه التحديات مزمنة وموروثة وعميقة على مدار حكم السلطة الفلسطينية والوزارات المتعاقبة، ورحلت من حكومة إلى حكومة، ولا يوجد هناك حكومة واحدة تتحمل المسؤلية عن ذلك.
وحكومة التوافق، بغض النظر عن أي ملاحظة حول تشكيلتها وحول من تمثل، لكنها ورثت هذا الكم الكبير من المعيقات والتحديات والأزمات، وعليها أن تتعامل معها وتتعاطى معها.
ولكن، إن تعاملت حكومة الوفاق بعلمية وواقعية، وبخاصة مع معضلات تسكين الموظفين دون تضخيم الجهاز الحكومي، علينا أن نعي أن أهم صفة للحكومة الذكية أن حجمها صغير كثيراً وسريعة جداً في التعاطي مع الطلبات والخدمات، وتعمل بكفاءة عالية وبوقت سريع وبتكلفة قليلة.
اللجنة المالية والإدارية للوظيفة العمومية
«وزارة المالية صندوق مغلق»
مما لا شك فيه أن اللجنة المالية والإدارية للوظيفة العمومية التي شكلها أطراف المصالحة الوطنية، عليها أن تمتلك ما يكفي من الجهد والصبر والجلد والتضحية والمثابرة، إن توفرت لديها إرادة النجاح في مهامها الجسام، إذ أن تحقيق الدمج بحاجة إلى وقت طويل ومفاوضات وتسويات.
ويظن الخبير المالي والاقتصادي د. نصر عبد الكريم في مقابلة صحفية خاصة بـ «الحدث»، التي حاولت مقابلة المسؤولين في صندوق وزارة المالية المغلق ولكن دون فائدة، أنه يجب أن تبرم تسويات، ولا يتوقع أن الموظفين في قطاع غزة الذين كانوا في الحكومة المقالة سيحصلون على حقوقهم بالكامل على الإطلاق.
ومن أخطر المشاكل التي تواجه اللجنة، في السلكين العسكري والمدني، بحسب د. عبد الكريم، أن الترقيات التي حصلت كانت تتم للموظفين الملتحقين بعملهم في الضفة الغربية، ومن المنتظر أن يطالب الموظفون المستنكفون عن العمل في غزة منذ 7 سنوات بحقوق إضافية متصلة بخدمتهم والفرص الضائعة وبناء الذات وفرص الترقية والمنافسة، وبالتالي فإنه يظن أنه سيكون هناك مساومات.
بيروقراطية إدارية وتضارب صلاحيات
والملف الذي سيفتح ويعتبر مشكلة أساسية أخرى أمام اللجنة المالية والإدارية، هي إذا كان عندنا وكيلا وزارة أو وكلاء مساعدون كثر أو مدراء عامون لنفس الدائرة، فكيف ستسكن هذه الإشكالية؟ فلو تم تسكينهم على الورق على هياكل الوزارات وفردت لهم نوافذ على الهياكل بمسميات واستوعبتهم، فهل سيخلق هذا حالة من البيروقراطية الإدارية وتضارباً في الصلاحيات ويعيق العمل أم لا؟
يؤكد د. عبد الكريم بقوله: «وضعنا الآن، تماماً، عكس ما يطرح في أدبيات الإدارة العامة والحكومة، وفي استخدام ما يتاح لها من تقنيات، نحن ذاهبون باتجاه حكومة كبيرة موسعة، وربما تشهد شخصين أو ثلاثة أو أربعة بنفس المسمى أو نفس الصلاحيات».
ويعتقد أن هذه الإشكالية ستواجه من هو صاحب الصلاحيات، الذي كان مديراً عاماً في الحكومة المقالة، أم في حكومة الضفة؟ لذلك فإن هذه الإشكالية تترك للوزير وليس للجان، فهي فرصة لقياس قدرة الوزير على أن يكون مبدعاً وخلاقاً في مسألة إعادة هيكلة ما يسمى «الوزارة» وتحقيق هذه العدالة في عملية الدمج، ولا يترك موظفين لديهم شعور بأنهم مظلومون، وبنجاحه في تسكين الموظفين، يكون قد دمجهم بأقل ضرر ممكن، نفسي أو معنوي أو إداري.
ويرى عبد الكريم أن الجزء الأسهل في التعاطي معه في قضية إعادة تسكين الموظفين، هم الذين وجدوا فرص عمل داخلية أو خارجية، فلم يكونوا بذلك قد خسروا وظائفهم الحكومية.
التحديات المستجدة الناجمة عن التوافق
لا تقل أهمية التحديات المستجدة الناجمة عن التوافق عن تلك المزمنة، وعلى العكس تبدو أكثر أهمية وفيها اضطرارية أكثر، لأن المواطن الفلسطيني، وبالذات في قطاع غزة، بحسب د. عبد الكريم، يستعجل قطف ثمار المصالحة على الصعيد الاقتصادي، وبالتالي إن طال أمد المعالجة لهذه التحديات المستجدة، سيفقد المواطن الغزي المصلحة في المصالحة، ويصبح وكأنه لا يرى أن هناك عوائد اقتصادية لها، وبالتالي تأييده وثقته بهذا الجهد الوطني التوافقي من المحتمل أن يتراجع إن لم يتغير على واقعه شيء.
الأعباء المالية الإضافية على موازنة الحكومة الموحدة
يقدر إجمالي الاقتصاد الفلسطيني كله بحوالي 10 مليارات دولار، منها 8 مليارات مساهمة الضفة الغربية بما فيها مع القدس، بينما تتراوح مساهمة قطاع غزة ما بين 2 - %2,5 مليون دولار.
وعليه يؤكد د. عبد الكريم، أن هذه الملفات المستجدة كالأعباء المالية الإضافية على موازنة السلطة أو الحكومة الموحدة، ناجمة عن مسألتين أساسيتين: عن شيء له علاقة بالموازنة الجارية، رواتب الموظفين الذين كانوا يعملون في الحكومة المقالة وعددهم في السلك المدني والأمني حوالي 50 ألف موظف، يتلقون رواتب تتراوح ما بين 600 - 700 مليون دولار سنوياً أي ما معدله 50 إلى 60 مليون دولار شهرياً.
ويقدر عبد الكريم، العجز الكلي «الجاري والتطويري» القائم والناجم عن عملية المصالحة وتشكيل الحكومة الموحدة بـ 1,5 مليار دولار تقريباً.
وقال: «إن افترضنا الوضع القائم حالياً، وجمعنا موازنتي الحكومة المقالة مع حكومة د. الحمد الله اوتوماتيكياً بشكل رقمي سيضاف عجز 500 مليون دولار على الأقل، إذ تقدر موازنة الحكومة المقالة بـ 700 مليون دولار، إنفاق وإيرادات ما بين 240 - 250 مليون تقريباً، والباقي كله كان عجزاً يرحل من الحكومة المقالة إلى حكومة الوفاق الوطني، وهو حوالي 500 مليون دولار، وبإضافته سيصبح العجز القائم في موازنة السلطة 2 مليار دولار، وهذا العجز من المفترض أن يتم تغطيته من المساعدات الدولية.
وإن تطوع أحد من العرب لتغطيته، قطر مثلاً، حيث دعا إسماعيل هنية رئيس حكومة الوفاق د. رامي الحمد الله لزيارة قطر لبحث تغطية العجز في الرواتب، عندها لن يضاف عجز، خصوصاً إذا بدأت فواتير المقاصة تأتي إلى وزارة المالية وتوقف التسرب الضريبي لصالح الإسرائيليين، والذي يقدر بحوالي 200 - 300 مليون دولار، عندها يتم تغطية العجز وربما يحقق فائضاً.
ملاحقة المتهربين ضريبياً
ولتغطية العجز في الموازنة، شدد عبد الكريم على مكافحة التهرب الضريبي، والذي تتراوح قيمته ما بين 600 - 800 مليون دولار، وإن تحقق فإنه يخلق فائضاً في الموازنة ويمكن الاستغناء حتى عن المساعدات الدولية.
ولكن هناك جزءاً آخر من التهرب بحاجة إلى جهد إداري فني أكبر على صعيد المتابعة والتفتيش وتشديد العقوبات، وقد يسهم في أن يحقق 100 مليون دولار إضافي، ويفترض عبد الكريم أن تصل الإيرادات 400 مليون دولار، حينها ستصبح الموازنة 2.5 - 3 مليار دولار حتى نهاية العام، وإذا كانت النفقات كلها 3,5 مليار تقريباً أو 4 مليار كانت تصل في حكومة الرئيس عباس وغزة، كانت 700 مليون، لذلك العجز يبقى كما كان كأنه في حكومة الرئيس عباس وهو 1,200 مليون، عندها تسهل تغطيته بالمساعدات.
موازنة تطويرية
وهناك أيضاً الموازنة التطويرية، لإعادة إعمار قطاع غزة والبنى التحتية والمرافق والخدمات، وإعادة تأهيل المشاريع للقطاع الخاص، وبالتالي فإن هذا بحاجة إلى موازنة مالية ضخمة يصعب تقديرها، لأن غزة خاضت عدوانين متتاليين من إسرائيل عليها، بالإضافة إلى ذلك حصار دام أكثر من 8 سنوات، وبالتالي تجد أن هناك حجماً كبيراً في التآكل في القدرة الإنتاجية حتى لمنشآت القطاع الخاص، وهناك تآكل في البنى التحتية، والتي بحاجة إلى إعادة ترميمها وإعادة صيانتها، ولذلك فهذه احتياجات كبيرة للغاية، قد تصل في السنوات الثلاث الأولى إلى ما يزيد عن 10 مليار دولار، وهذا لوحده هم كبير.
ولا يعتقد د. عبد الكريم أن حكومة توافق الوحدة قادرة بأي حال من الأحوال على أن تبذل أي جهد على صعيد هذا الملف، لأنه خارج إمكانياتها وقدراتها المالية. ويرى أن عليها انتظار مؤتمر إعمار واستثمار دولي اقليمي في قطاع غزة، وعلى هذا الصعيد يكون المانحون جادون فعلاً، وبالتالي فإننا نتحدث عن أعباء مالية تأتي من الحكومة المقالة، تسلم وترحل لحكومة التوافق، ولعل ما سمعناه مؤخراً، أن أولى بوادر الأزمة الموجودة في قطاع غزة حول هذا الموضوع بالذات، صحيح.
شعور موظفي الحكومة المقالة بأنهم تُركوا خلف الجدار
ويقول د. عبد الكريم: «نحن نتحدث عن أزمة بوادرها أنه أصبح فيها نوع من الشعور لدى موظفي الحكومة المقالة بأنهم تُركوا خلف الجدار، بمعنى، صرفت الرواتب لمن كانت تصرف لهم، وموظفو الحكومة المقالة لم تصرف لهم رواتبهم، معتقداً أن هذه الإشكالية كانت ناجمة عن النقص في المعلومات الكاملة حول شروط المصالحة التفصيلية الفنية، وكان لديهم انطباع وكأنه في اليوم الأول الذي تتم فيه المصالحة، سيدمجوا بشكل تلقائي في كشوف رواتب حكومة التوافق وتصرف رواتبهم بشكل تلقائي، لذا فإنه يعتقد أنه كان لديهم نقص معلومات ولم يكن يوجد توضيح لهذه المسائل الفنية ما أحدث إرباكات وإشكاليات أمام الصرافات الآلية للبنوك.
المصالحة ممر إجباري
ويعتقد عبد الكريم أنه ستبرز الكثير من القضايا الفنية التي لها علاقة بالتطبيق العملي للمصالحة على الأرض، وبالتالي الإشكالية ليست في العنوان الوطني العام، وإنما يقيس المواطن المصالحة بمقاييسه الشخصية، لذلك يؤكد أن هذا يتطلب حكمة وسرعة في البت بملف الدمج الإداري والمالي عبر اللجان التي شكلت من الحكومة، لأنه لا يجوز أن يأتي الشهر القادم لنكرر نفس المشهد، ويعتقد أنه في حال تم تكرار ذلك، يصبح هناك تباعد كبير ما بين أحلام المواطنين العاديين وما بين الواقع الذي تصطدم به أحلامهم في المصالحة والواقع. وبالنتيجة فإن أعباء كبيرة تأتي على الموازنة، إذا قررنا إلحاق هذا الجيش من الموظفين بها.
إعادة دمج الاقتصادين في الضفة وغزة
التحدي الآخر المستجد نتيجة المصالحة من وجهة نظر د. عبد الكريم، هو إعادة دمج الاقتصاد في الضفة مع الاقتصاد في غزة، أو التوحيد، وبالتالي علينا توحيد الرؤية في كيفية تحقيق الاندماج بين الاقتصادين، والتكامل بما يعود بالفائدة على الاقتصاد الكلي الوطني بشكل كبير، وبالرغم من أهميته، لكنه غير قابل للتحقيق.
وهذا التحدي مرتبط بتحدٍ آخر سياسي اقتصادي، إلا إذا نجحت القيادة بإعادة فتح المعابر لتعود مرة ثانية حركة انسياب البضائع وتجارة السلع والخدمات والمواطنين بين الضفة وغزة، وبين غزة والعالم عبر المعابر من خلال إسرائيل أو من خلال مصر.
ويقول عبد الكريم: «إذا لم يرفع الحصار عن غزة، وبقيت المعابر تعمل بنفس الطريقة، مع وجود إشكالية في موضوع الدمج المالي والإداري وتأخر ملف إعادة اعمار قطاع غزة، فإن هذا سيقلق المواطنين وسيضغط على الحكومة وسيجعلها تحت مرمى نيران الانتقاد والتشكيك، وبالتالي فإن المواطن بحاجة لتطمين بأن الجهد الحكومي موزع بشكل عادل بين المواطنين بحيث لا يوجد هناك مواطن يستأثر وآخر يدفع ثمن.
أما إذا غابت العدالة والشفافية ولم يتم التعاطي مع هذه الملفات بشكل جدي، فإن دائرة التشكيك ستتسع، لذلك فإن هذه الملفات مهمة للغاية، وعلى الحكومة أن تعي أن مستقبل المصالحة الكاملة وتنفيذ الخطوات التالية لتشكيل الحكومة يعتمد بشكل كبير على احتضان الشارع الفلسطيني لهذه المصالحة وشعوره بأنها مصلحة على الصعيد الفردي والوطني.
ويرى د. عبد الكريم، أنه يجب على الحكومة أن تتنبه لهذه التحديات وأن قدرتها على مواجهتها تعتمد بشكل أساسي على المشهد السياسي، وكيف يمكن ان يتطور، وهذا له سيناريوهات.
“ستة تحديات متوارثة”
أزمة مالية عميقة
التحدي الأول الذي تواجهه حكومة الوفاق الوطني من وجهة نظر د. عبد الكريم، هو الاستدامة المالية للسلطة نفسها، فالسلطة تعاني من أزمة مالية عميقة غير قادرة على دفع التزاماتها بانتظام، وبالتالي هذا التحدي يبدو أنه سيعيش مع السلطة وربما يتفاقم ويتعمق أكثر مع حكومة الوفاق.
البطالة والفقر
بينما التحدي الثاني، وهو الأبرز، تحدي البطالة والفقر خصوصاً بين الشباب وخريجي الجامعات، حيث ينبغي قياس قدرة الحكومة وتمكنها في أن تخلق فرص العمل، وتؤمن حياة كريمة لمواطنيها، إذ ستنعكس البطالة بالتأكيد على الفقر ومعدلاته، ومن هنا، إذا قامت بتخفيض البطالة وخلق فرص عمل، فهذا يعني بكل بساطة أنها ساعدت على تخفيض معدلات الفقر الذي يعيشه جزء هام من المواطنين.
العجز في الميزان التجاري
فيما أن التحدي الثالث وهو مزمن وموروث وعميق ولا يرتبط بحكومة توافق وطني أو أي حكومة أخرى، وهو تحدي العجز في الميزان التجاري، فهو بارز ومتفاقم في السنوات العشر الأخيرة حيث يزداد العجز في الميزان التجاري بشكل مضطرد ووصل إلى 4 مليار دولار، ويزداد الفرق اتساعاً بين الواردات والصادرات، إذ نستورد 5 مليار دولار، ونصدر ما يقترب من مليار دولار، ومعظم هذه التجارة مع إسرائيل.
المواءمة ما بين الدخول والأسعار
في حين أن التحدي الرابع وهو أخطر التحديات، تحدي الموائمة ما بين الدخول وما بين الأسعار وهو مرتبط بالعجز في الميزان التجاري وبعدم قدرة الاقتصاد الفلسطيني، وبالذات قطاعاته الإنتاجية، ان يعوض العاملين في دخولهم مقابل غلاء المعيشة، بمعنى أن الدخول غير مرتبطة بغلاء المعيشة في معظم القطاع الخاص وحتى القطاع العام.
ويقول د.عبد الكريم: «إن هذا التحدي ليس مرتبطاً بشكل تلقائي، لذلك تجد أن الأسعار ترتفع بشكل كبير، فمنذ عام 2007 وحتى الآن، الارتفاع في مؤشر أسعار المستهلك في الأراضي الفلسطينية الموحدة، ضفة غربية بما فيها القدس وقطاع غزة، وصلت إلى حوالي %45، بينما لو نظرنا إلى متوسط الأجور الإسمية لمتوسط الأجور للعاملين في الأراضي الفلسطينية، لم يتغير إلا بنسبة قليلة للغاية، ومن المحتمل أن يكون قد زاد %5 ـ %10 في أحسن أحواله».
وهذا يعني بكل بساطة، أن الأجر الحقيقي وهو ما يعبر عنه بقدرة هذا الفرد على استهلاك سلع وخدمات وتأمين حياة كريمة، تراجع بشكل كبير ولم يتم تعويضه عنه، وبالتالي فإننا لا نتحكم بأسعار استيراد السلع والخدمات، ولسنا مصدرها ولا منشأها، وهي تخضع لاعتبارات وظروف اقتصادية، سواء إسرائيلية أو دولية، ويتم استهلاكها في الأراضي الفلسطينية. والشيء الوحيد الذي يمكننا التحكم به هو الأجر أو الدخل، وهذا يتناسب مع الإمكانيات الذاتية، بينما الأسعار لا نستطيع التحكم بها، فمثلاً عند الكيان الإسرائيلي هناك أسعار متماثلة إلى حد كبير بيننا وبينهم في معظم السلع والخدمات، بينما متوسط الأجر في الأراضي الفلسطينية لا يتعدى 2000 شيقل في أحسن أحواله، بالمقابل فإنه يتجاوز عند الكيان الإسرائيلي 9 آلاف شيقل، أي 4 أضعاف.
ويؤكد: «نحن نعيش ظروفاً فيها تماثل في الأسعار، هذا تحدي مهم، فإذا ترافقت معدلات بطالة عالية مع تآكل في أجور العاملين غير العاطلين «الحقيقية»، هذا يعني أنه حتى جزء هام من العاملين، وليس فقط العاطلين عن العمل سيدخولون وينزلقون في دائرة الفقر، لهذا السبب معدلات الفقر تزداد ولا نشهد فيها تحسن».
ازدياد إعالة الأسر هو دليل فشل وليس نجاح
ويرى عبد الكريم، أن التحدي الخامس هو الضغط الكبير على الخدمات الاجتماعية التي تقدمها السلطة، وهذا أيضاً بدوره يرهق الموازنة، لأن الحكومات السابقة كانت تقدم إعانات دورية لـ 65 ألف أسرة، وكان مؤشر التباهي عندها أنها رفعته إلى 85 ألف أسرة، ومن ثم رفعته إلى 105 آلاف أسرة وتعتبر ذلك من قبيل إنجازاتها، لكنه في الحقيقة فشل، لأن مهمة الحكومات ليس إعطاء إعانات نقدية للمحتاجين ولا للأسر الفقيرة، وإنما أن تمكن الأسر وتنقلهم من دائرة الفقر إلى دائرة الإنتاج، وبالتالي تخفف عن كاهلها وتحقق لهم حياة كريمة دون الاعتماد على الآخرين، ودون أن يشعروا بأنهم عالة على المجتمع، وبالتالي أظن أن هذا تحدٍ للغاية مهم.
إعادة توزيع النمو بشكل أكثر عدالة
أما التحدي السادس والأخير، بحسب د. عبد الكريم، فهو إعادة توزيع النمو في الناتج المحلي أو في الاقتصاد والثروة والدخل بشكل أكثر عدلاً، ومن الواضح وجود الفجوات التنموية سواء الجغرافية أو بين الفئات الاجتماعية، والدائرة تتسع في هذا المجال، وبإمكان أي إنسان الاستدلال عليه بأن تجد النمو الحقيقي في الناتج المحلي الفلسطيني زاد عن %40 على مدار 8 سنوات ماضية، بينما الأجر الحقيقي بقي مكانه ثابتاً، وبالتالي من يعمل بأجر وهم معظم الناس في القطاعين العام والخاص، ومن لا يملك محلات أو محل أو منشأة فهو ينتج.
ولكن الزيادة في النمو الحقيقي في الداخل أو في الناتج المحلي، تذهب إلى ملاك رأس المال فقط، وعليه فإن زيادة %40 في الدخل لم توزع بشكل عادل بين الناس.
ويرى د. عبد الكريم أنه يجب التعاطي مع هذا التحدي جدياً، لآن العدالة في توزيع الثروات والفرص وتكافؤها وإعطاء أمل للناس كلهم بأن الدولة راع لمصالحهم ولحقوقهم من خلال السياسات التأشيرية، وبالذات مسألة شبكة حماية أو أمان اجتماعي، فهذه حتى الآن بقيت انتقائية لحد كبير وليست منظومة متكاملة.
السيناريوهات الاقتصادية المحتملة في التصدي للتحديات
ويرى عبد الكريم أن السيناريو الأول يتمثل في استمرار الوضع على ما هو عليه بوجود حكومة توافق، بمعنى أن تكون هناك حكومة توافق تحقق بعض الدمج المؤسسي الإداري، وربما المالي بعد فترة، ولكن تبقى حالة الانفصال الجغرافي السياسي الأمني على الأرض قائمة، والانفصال إما بفعل إسرائيل أو بفعل إغلاق معبر رفح، وهذا يعني أن تبقى حكومة التوافق تتحمل أعباء مالية دون أن يرافق ذلك مردود عوائد إيرادات تأتي من النشاط الاقتصادي الاستثماري الإنتاجي الاستهلاكي في الضفة إلى قطاع غزة.
إعادة النظر في الموازنة
وطالب د. عبد الكريم حكومة الوفاق الوطني ووزارة المالية بإعادة النظر في موازنة السلطة وإصدار إقرار من خلال المجلس التشريعي، ومن ثم من الرئيس في أول اجتماع للمجلس التشريعي لموازنة للنصف الثاني للعام 2014، لأن الموازنة الموجودة هي موازنة حكومة الرئيس عباس، والآن أصبح لدينا حكومة توافق وأصبحت الضفة وغزة مندمجتين تحت سيطرة حكومة واحدة، لذلك يجب إعادة النظر في الموازنة من حيث الأولويات والأبواب والأحجام.
ويؤكد أنه لا يجوز صرف رواتب موظفي قطاع غزة خارج الموازنة المقرة من الرئيس دون تعديل، ودون إصدار ملحق موازنة أو تعديل موازنة جديدة.
ويصف عبد الكريم السيناريو الثاني بالمتفائل، والمتمثل في أن تنجح الحكومة في رفع الحصار عن قطاع غزة، وفي إعادة دمج الاقتصاد في الضفة الغربية بقطاع غزة، وأن تنجح في عودة الحياة والحركة التجارية بين القطاع والضفة وبين القطاع وإسرائيل والعالم، وتنشيط حركة المستثمرين، وأن يفتح المصريون المعابر وأن يسمحوا بحركة السكان، وبالتالي تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل عام 2006، وبالتالي إذا تم ذلك فإن الأعباء المالية التي ترحل لموازنة موحدة سيرافقها إيرادات تضاف إلى إيرادات الموازنة، ومن المتوقع أن تكون مساهمة غزة في الخزينة على الأقل 400 مليون دولار بالمتوسط، ولكن مع مرور الزمن وتحقيق الاندماج التام، كلما اقتربنا من تلك النقطة كلما زادت المساهمة وقد تصل إلى 800 مليون دولار، وبالتالي هذا يحقق إيرادات إضافية قد يغطي النفقات والأعباء الإضافية. عندها يصبح هناك شعور بالمواطنة، حيث يصبح بالإمكان صرف الراتب لكل الموظفين، وفرص العمل تخلق في القطاع نتيجة حركة الأموال والنشاط الاقتصادي وعودة القطاع الخاص للنشاط.
أما السيناريو الأكثر تشاؤماً من الأمر الواقع ربما، فهو السيناريو الذي تتحقق فيه المصالحة، ولكن يبقى الإغلاق والحصار المفروض على غزة، وربما تضييق أكبر من الحصار القائم من قبل إسرائيل، وربما يطال أيضاً عقوبات على الضفة الغربية «حكومة التوافق»، كما هددت إسرائيل، وفرض عقوبات عليها، وهذه العقوبات تتراوح ما بين حجب كل المستحقات الضريبية أو جزء منها مقابل خدماتنا من إسرائل وشرائنا للسلع، «مستشفيات وشركات ماء وكهرباء» وتباطؤ المساعدات الدولية أو تراجع وتيرتها.
إذا تزامنت كل هذه العوامل مع بعضها، عندها سيكون الوضع الاقتصادي متردٍ جداً ومهمة ثقيلة على الحكومة، وأعتقد أنها لن تستطيع أن تقوم بأدنى واجباتها، وستتخلف عن الكثير من التزاماتها، وستصبح في وضع مالي صعب للغاية، لأن النفقات زادت بشكل كبير مقابل إيراداتها التي تقل بشكل كبير، عندها لن تجد حتى أن تدفع ربع الرواتب أو خمسها، وبالتالي سيكون الوضع مأساوياً جداً، إلا إذا تحمس العرب والتزموا بما عليهم من شبكة أمان مالي عربية، عندها يعوضون جزءاً لكنهم لا يحلون المشكلة.
ويعتقد عبد الكريم أن السيناريو الأول، هو الأقرب للحدوث حتى نهاية العام الحالي، أي أن تنجح الحكومة نوعاً من الدمج الإداري ونوعاً من التعاطي مع المشاكل المالية، ولكن تدريجياً وليس دفعة واحدة. لكنه يرى أنه بعد 2014 ربما نشهد الذهاب باتجاه السيناريو المتفائل وليس المتشائم.
إدارة المعابر والتداعيات الاقتصادية لإعادة فتحها
يؤكد عبد الكريم، أن معبر رفح لم يخصص إطلاقا للبضائع وإن وجد اتفاق جديد يعاد صياغته مع مصر والرئيس السيسي والأوروبيين بموافقة إسرائيل أن جزءاً من المعبر يجهز ليصبح تجارياً، سيضيف قيمة اقتصادية كبيرة جداً، سواء لغزة ومصر وللاقتصاد الفلسطيني ولحكومة الوحدة.
ويرى عبد الكريم أن الأرضية متاحة لتفعل القيادة جهدها مع المجتمع الدولي ومصر للضغط على إسرائيل للعودة إلى الاتفاقات التي وقعت لتعيد تفعيل عمل المعابر أو على الأقل بعضها، وأيضا ما يسمى بالممر الآمن مع الضفة الغربية لنقل البضائع. وقال: «إذا تحقق هذا فأظن أن الاقتصاد الفلسطيني عندها لا يكون بحاجة أصلاً إلى المساعدات».
ويؤكد عبد الكريم أنه لا حل سوى أن تعود المعابر تحت إشراف الرئاسة، ورعاية أوروبية، ورقابة إسرائيلية، فلا حل سوى هذا الحل بغض النظر وافق البعض أم لم يوافق، منوهاً إلى أن هناك حديثاً عن إعادة ترميم وتأهيل المطار ما يشكل خطوة إيجابية جداً، ومتقدمة على مستوى حركة المستثمرين ورجال الأعمال، ولكن هذا لا يمنع العمل من الآن على بناء الميناء لأن المنفذ البحري الوحيد لقطاع غزة خارج دائرة الحصار المغلقة، سيكون كل ذلك إضافة نوعية على صعيد التجارة للبيئة الاستثمارية والاقتصاد الفلسطيني.
ويقول: «بمجرد عودة الماكينة الإنتاجية الطبيعية في اقتصاد قطاع غزة، فإن الاقتصاد في قطاع غزة مرشح أن ينمو بوتيرة عالية للغاية، ولن يأخذ وقتاً طويلاً حتى يعود لنفس المساهمة والحصة له في الناتج المحلي الفلسطيني، وبالتالي سنلحظ أن معظم النمو يأتي من قطاع غزة، وبالتالي توجد لديه طاقة كامنة على الأقل ضعف على حجمه الحالي».