الحدث ــ محمد بدر
استمعت لزملاء صحفيين من موقع النجاح الإخباري. وخلال استماعي لهم ولغيرهم من العاملين في هذه المؤسسة، تبادر لذهني أمران، الأول هو أن المفصولين من الموقع، لم يطرحوا قضايا أكثر أهمية من مسألة فصلهم بعيدا عن الإعتبارات القانونية والمهنية. وهي ذات علاقة بالتعامل معهم كبشر. من ضمنها، كما قالوا، أنه يُمنع شخصان من الإفطار سويا خلال الفترة المخصصة للإفطار. يجب أن تفطر وأن تأكل وأن تشرب لوحدك في مركز النجاح المتطور. التدخين أيضا، له شروط، فتدخين الموظف لسيجارة يحتاج لإذن مسبق ولا يتم الموافقة على الأمر بالعادة.
وعندما يتحدث مركز النجاح عن الإبداع والتطور، فإنني لا أعتقد أن شخصا يمنع من الإفطار مع زميله، ويمنع من الخروج من عمله ولو لدقائق لمسائل ضرورية، ويمنع من تدخين سيجارته، سيكون شخصا مبدعا في عمله أو شخصا تطويريا خلاقا، هذه ليست ظروف مراكز إعلام ـ إن صدقت الروايات ـ ، بل أشبه بظروف مراكز التحقيق.
الغريب في الأمر هو قبول هؤلاء الصحفيين بهكذا واقع وبهكذا ظروف، وبالتالي فإن عتبا كبيرا يقع على عاتقهم إن كان احتجاجهم على فصلهم فقط.
والمدهش أكثر، أن المدير العام غازي مرتجى، يوزع الشكاوى، ويطالب بحقه ممن وصفهم بأنهم "قدحوه" وشتموه أو ذموه، مع الرغم أنه ومن خلال ما سمعت من تفاصيل من الزملاء خلال الزيارة، فإن القضية أكبر من قضية فصل موظفين، وبالتالي فإن مستوى المساءلة أكبر من ذلك يجب أن يكون، والمركز ككل يجب أن يخضع للمساءلة حول ظروف العمل وشروطه وآلياته، المسألة إنسانية وتمس إنسانية الصحفي قبل أن تمس الجوانب المهنية.
قبل أكثر من شهر، كتبت مادة باسم أسرة تحرير الصحيفة، طلبتني رئيس التحرير لمناقشة إحدى الفقرات، وبعد نقاش في الفقرة واختلاف على فحواها، أحالت المسألة لكل طاقم العمل لكي يخرجوا برؤية معينة في هذا الموضوع، وطلبت أن نتفق جميعنا على فقرة وأن نبلغها بها. اللافت أن المادة باسم أسرة التحرير التي هي مسؤولها الأول والتي كما هو معروف في وسائل الإعلام هي من تحدد خطوطها العريضة والأساسية، و المادة كانت تتحدث بلسان الصحيفة ككل، ولكنها أخضعت الفقرة للنقاش مع الطاقم ككل، وكل منّا أبدى رأيه معارضا لرأيها أو موافقا إياه، وفي النهاية اتفقنا على صيغة معينة.
في هذه الظروف نعمل نحن في وسيلة إعلام "صفراء" كما وصفنا مرتجى، وفي تلك الظروف يعمل صحفيون في مركز إعلام متطور كالنجاح على حد وصف مرتجى.
الأمر الثاني والمهم، أن محاولة تدجين الصحفي، وتطويعه أيديولوجيا وفكريا وسلوكيا، لا تبدأ خلال عمله في وسيلة إعلام معينة، بل قبل ذلك بكثير، ومن اللحظة التي يصبح فيها الشخص طالبا للإعلام، تبدأ مسيرة محاولات التدجين، وهناك مواقف شاهدة وشهيدة خلال مسيرتي التعليمية على الأقل على ذلك.
الصحفي أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يكون رسولا للحقيقة وإما أن يعيش مرتزقا لا أكثر.
موظفو موقع النجاح الإخباري المفصولون من عملهم اختاروا رسالة الحقيقة، آخرون في عالم الصحافة اختاروا أن يكونوا على قوائم المرتزقة.