الخميس  28 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

منبر عن منبر يفرق بقلم وداد البرغوثي

2018-04-06 10:31:42 PM
منبر عن منبر يفرق
بقلم وداد البرغوثي
وداد البرغوثي

 

 

عادي أن تتحدث عن حرية التعبير على منصة ووراء ميكروفون، وأمام جمهور وكاميرات وصحافة تدعوهم للمشاركة عبر إعلانات مدفوعة الثمن، لكن ما هو ليس عاديا أن تمارس حرية التعبير حتى وانت وحدك، ليس عاديا أن تمارس هذه الحرية وحدك فيأتي جمهور بلا دعوة وبلا منصة وبلا قاعة تجمعهم فيها ليسمعوك أو يقرأوا ما كتبت.الفرق بين ما هو عادي وما هو ليس عاديا يحدده الثمن الذي قد تقبضه أو تدفعه، ففي الأولى يكتبون خبرا عنك وصورة وأما في الثانية فقد يكتبون "خبرك""ولا من شاف ولا من درى". ولا غرابة . فنحن في زمن يشبه هذا في أشياء كثيرة. في الحالة الأولى انت ترى نفسك منبريا وخطيبا مفوها وتقول كلاما منمقا وترى أن لك جمهورا أتوا بدعوة منك وربما بأمر منك،

و في الحالة الثانية انت تعبر عن رأيك بلا أي هدف ورائي، بل هدفك أمامك، لذلك عليك أن تدفع الثمن بحسب من الذي توجعه حريتك وبحسب مدى صلاحيته، فإن كان له صلاحية التحقيق معك أو سجنك فانت ستكون"ضيفه" المرشح لكرسي الاعتراف، وإن كان يعتبر نفسه "ولي نعمتك" فأنت مرشح قوي لأن تذهب عنك "نعمة الدنيا" وبهجتها، وإن كان يمتلك صلاحية أن يوجه لك عقوبة ما ، إنذار مثلا أو "فك رقبة" بالمعنى المتواري للعبارة أو...أو...

في الكتابة هنا ميزتان: الأولى أنها جاءت بديلا لحلم صغير كنت أحلمه في كل مرة يرفض"ولي النعمة" أن ينشر لي شيئا ما في الصحيفة التي أعمل فيها أو يمنع الرقيب العسكري الإسرائيلي أو من يحل محله في زمن آخر نشر شيء ما لي أو لغيري. كان حلمي أن أؤسس منبرا اسمه ممنوع من النشر، أن أنشر ما يمنعه الرقباء على اختلاف لغاتهم، بالمناسبة هما لغتان لا ثالث لهما" عربية أو عبرية" ليش المبالغة وقول "لغاتهم".

أما الميزة الثانية، فإنك تكتب وتنشر بلا جمائل من أحد وفي الوقت الذي تختار والجمهور قد يحب ما تكتبه وقد لا يحبه. والأهم من ذلك حين لا يقرأك المسؤول فإنه يجد من يجهد نفسه ويصور المنشور ويحضره له طمعا في تربيتة على كتف أو في هزة ذنب أو حاجة فيتلقفها المسؤول متجاهلا الحكمة الأزلية في قول الشاعر: من جعل النمام عينا هلكا ... مبلغك الشر كباغيه لكا. النمام: كثير النميمة ، والعين هو الجاسوس الذي ينقل الأخبار، سمي العين لأنه كان ينقل ما يرى، فلم يكن حينها يملك تقنيات أخرى تساعده ، كخليوي مثلا يسجل له الصوت والصورة. يا إلهي كم "محظوظ"هذا الجيل من العواينية . الوضع مشجع له، ففي زمن عرف فيه أن الأتمتة حلت محل الأيدي العاملة،إلا  في هذا المجال زادت الأتمتة "التكنولوجيا" وزادت الأيدي العاملة أو الأصح الحاملة.