الحدث ــ محمد بدر
ليس أمرا خارجا عن السياق أن يتساوق الإعلام العبري، والأذرع الأمنية في دولة الاحتلال، والأمر ليس مصادفة نادرة، فالإعلام العبري يتحرك ضمن المنطق المحدد له من قبل الرقابة العسكرية، ولكنه في العادة يبدو أكثر حنكة في طرح القضايا الأمنية، محاولا إخفاء المنطق الأمني المتكرس في الخطاب الإعلامي.
لقد كشف حجم المطالبات الإسرائيلية للعالم بوقف مسيرة العودة، وكذلك حجم التهديدات الإسرائيلية، وأيضا، التسريبات حول مبادرات عربية تقودها مصر والسعودية لتخفيف الحصار مقابل وقف المسيرة، عن أزمة كبيرة تعيشها دولة الاحتلال مع مسيرة العودة.
وبالتالي، فإنه من الغباء إطلاق كلمة "فشل" على أهداف المسيرة وخطواتها في هذه المرحلة على الأقل، ولكن الإعلام العبري كثف من حديثه عن فشل المسيرة، ويحاول بكل جهده، إظهارها على أنها موجة قد شارفت على التلاشي.
ويمكن تقسيم دور الإعلام العبري مرحليا في التعاطي مع مسيرة العودة، إلى أكثر من منطق زمني خطابي:
أولا: ما قبل مسيرة العودة؛ حيث سعى هذا الإعلام بكل قوته لتخويف أهل غزة، وردعهم، وكثف من مضامينه الإعلامية التي تتحدث عن سعي دولة الاحتلال لحل الأزمة الإنسانية في غزة، معتقدا أن هذا من شأنه تخدير الشارع الغزي، وأيضا كجزء من عملية اختبار لدوافع الغزيين من وراء المسيرة، وفي المقابل حمّل هذا الإعلام الرئيس محمود عباس وحركة حماس مسؤولية الأزمة الإنسانية في غزة، كما وحاول الإعلام العبري إظهار دولته على أنها "المخلّص" لغزة.
هذه الأساليب فشلت، وفشلها يعني أن القضية الإنسانية والأزمة الإنسانية، قد تكون جزء من الأسباب، ولكنها ليست كل الأسباب، بالأساس القضية سياسية ذات علاقة بانسداد الأفق السياسي أمام الفلسطينيين في ظل إدارة أمريكية منحازة، وحكومة إسرائيلية يمينية، وبالتالي فإن الفلسطيني بدأ يبحث عن سبيل لإعادة قضيته للصدارة وانتزاع حقوقه، خاصة مع التركيز الإسرائيلي على مسألة الخطر الإيراني في مقابل تهميش القضية الفلسطينية، سواء عربيا أو دوليا.
المعنى الآخر لفشل الإعلام العبري في تحقيق أهدافه في هذه المرحلة، هو أن أهل غزة، لا تخيفهم ولا ترهبهم التهديدات الإسرائيلي، ولا يجدي معهم أسلوب التهديد نفعا.
ثانيا: المرحلة العملية من مسيرة العودة؛ ومن المهم الإشارة إلى أن الإعلام العبري عمل ضمن أكثر من منطق خلال هذه الفترة. فقد كثف من مضامينه التي تحاول إضفاء طابع عسكري (إعلاميا) على التحرك السلمي، لتبرير عملية القتل الهمجي وغير المبرر على الحدود، كما وحاول إظهار حركة حماس على أنها الراعي الأساسي لمسيرة العودة، بالإضافة لمخاطبته العالم من خلال منطق "السيادة" والحدود والإقتصاد، لتصوير الفلسطيني على أنه متسول متسلل، وأن المسألة ليست إلا محاولة لمكافحة شغب جائعين.
أمر لافت آخر خلال هذه الفترة، هو إدعاء كثير من المواقع العبرية، خاصة موقع ويللا وموقع صحيفة إسرائيل اليوم، إجراءهم لمقابلات مع قادة من حركة حماس، وبقليل من التدقيق تجد أن رسالة هذا القائد الحمساوي "المفترض"، تؤكد على أن الدافع وراء المسيرة إقتصادي. وكأن الإعلام العبري يريد القول للمتظاهرين: يحدثونكم عن العودة والقرى المهجرة، ويحدثوننا بلغة البزنس. لست متأكدا إن كان هناك من يجري معهم المقابلات، لكن الكلمات في النصوص مجندة.
ومع فشل هذه الأساليب في هذه المرحلة، كما يبدو انتقل الإعلام العبري، لمسألة التأكيد على أن خلافات شديدة قائمة بين حركة حماس ومنظمي المسيرة وأن المسيرة تتلاشى شيئا فشيئا، وهذا كاف لإظهار غباء هذا الإعلام، فمن جهة يقول أن حماس هي من تنظم المسيرة، ومن جهة أخرى يتحدث عن خلافات بين حماس ومنظمي المسيرة، ومرة يقول أن إيران هي المشرفة على المسيرة، ومرة يقول أن المشرفين على المسيرة في خلاف مع حماس ومن وراءها إيران.
هذا التخبط الأقرب للغباء، وهذا الإرتباك المسيطر على الخطاب الإعلامي، يكشف عن تخبط أكبر لدى دولة الاحتلال في التعامل مع مسيرة العودة، ويكشف الوجه المخابراتي أكثر للإعلام العبري الذي يحاول محاورة الفلسطيني من خلال حاجته ونفسيته، تماما كما المخابرات.