السبت  02 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أبناء المخيمات في الأردن ينفون تهمة “الزعرنة والبلطجة” عنهم ويؤكدون: التمييز ضدنا والغيرة من تفوّقنا وراء هذه التهمة الباطلة ونفاخر بأننا رمز الصمود والقضية!

2014-06-10 00:00:00
أبناء المخيمات في الأردن ينفون تهمة “الزعرنة والبلطجة” عنهم ويؤكدون:
التمييز ضدنا والغيرة من تفوّقنا وراء هذه التهمة الباطلة ونفاخر بأننا رمز الصمود والقضية!
صورة ارشيفية

المعاكسات والتحرش والجرائم الجنسية هي الأقل في المخيمات عن المناطق الأخرى

ابن المخيم يضطر أحيانا للدفاع عن نفسه خارج أسوار مخيمه ضد من يحقّرونه فيبدو وكأنه «أزعر وبلطجي»

الفراغ والاكتظاظ السكاني والتمييز في فرص العمل وانعدام الأفق ساهم في تزايد هجرات المتعلمين من ابناء المخيم

ابن مخيم يؤكد: «وظفوني حين غيرت إسم مكان سكني ورفضوا تشغيل جاري ابن المخيم لأنه كتب عنوانه الحقيقي”

عمان – بثينه السراحين

يُلقي بعض أفراد المجتمع تهما باطلة على ابناء المخيمات الفلسطينية، فبينما يُمثّل هؤلاء رمزا للقضية ومحورا رئيسا لها ومثالا يُحتذى به للصمود، نجد البعض، ومن باب الجهل بالحقائق وضيق الأفق، يُوصم ابناء المخيمات بأوصاف مجحفة كالزعرنة والبلطجة والنزوع للعنف والتمرد على القانون والضلوع في الجريمة، وغيرها من الأوصاف التي تعكس نظرة دونية وغير منصفة لابناء الصمود.

«الحدث الفلسطيني» التقت مجموعة عشوائية من ابناء المخيمات في الأردن، واستطلعت أراءهُم في هذا الموضوع، فجاءت الردود متباينة، وأولها ما جاء على لسان الشاب أحمد يوسف (عامل صباغة)، ممّن شدّد على أنّ «ابن المخيم وأينما حلّ خارج حدود مخيّمه، تجده رافعا رأسه (لفوق) مفاخرا بانتمائه للمخيم، لأنّ ابن المخيم في حقيقته (زقُرت ونخونجي) وصاحب موقف مشرّف، وأنا لكل هذه الأسباب أتشرف دائما بتقديم نفسي للآخرين على أنني ابن مخيم”.

ولكن ما يواجهه أحمد يدعو للإحباط «كثيرون يعاملونني على نحو مهين، والدافع الحقيقي لذلك هي الغيرة من ابن المخيم لأنه أثبت أفضليّته في القدرة على الحياة عمّن سواه، فهناك من نعتني بأنني (بلا جذور) مع أنني أفضل منه، لأنني أمُثّل القضية وأرمز للصمود؛ وثباتي في المخيم يرسخ حقنا بالعودة ولو بعد حين، والمخيم هو الهويّة والأرض والعرض، وهو فلسطين التي أتنسّم هواءها طالما أنا بين أسواره، فإن خرجت منه شعرت بالبعد عنها وبالغربة تعتريني”.

تهمة أخرى لصيقة بأبناء المخيمات وهي تمرّدهم على القانون وتصديرهم للعنف، وهي تهمة يردّ عليها أحمد بحادثة حصلت معه: «لا نعارض القانون ولا نخرقه، ولا نتّبع سياسة العنف، وكل ما في الأمر هو أننا نجد أنفسنا ممنوعين من حرية التعبير عبر الاحتجاج على أحداث تقع في وطننا الأمّ فلسطين، وشخصيا تعرّضت للضرب والإهانة ولسماع كلمات جارحة ومهينة من قبل رجال أمن خلال مشاركتي في مسيرة سلميّة لنصرة أهلنا في غزة خلال تعرضهم للعدوان الإسرائيلي”.

ويرى الشاب أحمد الناطور (عاطل عن العمل) أن «أبناء المخيم، وخلافا للانطباع السلبي السائد عنهم، عكسوا وجها مشرقا للإنسان الفلسطيني، وللتوضيح أقول إن ابن المخيم (ما بكبّ بلاه على أحد)، لكن هو يظهر في ثوب واحد أزعر خارج أسوار المخيم في حالات تتعلق بتعرضه للتمييز والإضطهاد وللإهانة لأسباب ترتبط بإنتمائه للمخيم، وهنا يكون مجبرا على الدفاع عن كرامته كأي إنسان يتعرض للتقليل من شأنه، وأما أكثر الحالات التي يتعرض خلالها ابن المخيم للتمييز ضده فهي المنافسة على العمل والتقدم لأي وظيفة، ولديّ أدلة كثيرة على ذلك، منها أنني وصديق لي من أبناء المخيم تقدمنا بطلب توظيف- في الماضي- إلى إدارة أحد المتاجر الكبيرة (الموالات)، فدوّن صديقي إسم المخيم في خانة مكان الإقامة، بينما قمت أنا - وخوفا من رفضي-  بتدوين إسم منطقة أخرى قريبة من المخيم ولا تمتّ له بصلة، وكانت المفاجأة أن قبلوا بتوظيفي لكنهم رفضوا صديقي، وذلك علما بأنني لا أمتاز عنه في أي شيء؛ سواء على صعيد الخبرة أو التعليم أو الهيئة الخارجية، فالسبب واضح، ويتمثل في أنّ ابن المخيم مرفوض ومنبوذ سلفا ولمجرد أنه ابن مخيم”.

ويعلق: “هذه الحادثة تؤكد على أنّ ابن المخيم وفي حال ظل يواجه هذا التمييز والتهم المعلبة الجاهزة سيضطر لا سمح الله في نهاية المطاف وفي ظل حرمانه من الكسب الشريف لأن يتحول لسارق أو حرامي؛ وسيضطر لفعل أي شيء يكسب عيشه منه، وهذا نتاج طبيعي لمنعه من كسب رزقه بالحلال وبعرق جبينه”.

ويتساءل أحمد عن “سبب إصرار البعض على إلصاق تهمة (الهمالة والزعرنة) بأبناء المخيم ، في حين أن حوادث التحرش والإغتصاب وما إليها من حوادث مشابهة هي الأقل في المخيمات عن المناطق الأخرى، (وأتحدى أن تشاهد شابا يعاكس فتاة في المخيم)، لكن ما يبدو لي أنّ أي غلطة لابن المخيم ومهما كانت بسيطة لا تغفر، وهذا سبب تشويه صورة المخيم؛ مع أنّ أهله وسكانه يمثلون نموذجا مشرفا ومشرقا من التعايش والتحابب والتضامن بين الجيران”.

ويعترف الطالب الجامعي خالد أبو عجمية بوجود فئة معينة في الماضي انتحى بها الفقر والعوز وقلة الحيلة لجهة العنف والسبب كما يقول “إحساسهم بعدم وجود آفاق مستقبلية لهم وانحسار الأمل وتدني نسبته في ظل واقع كان لا يدعو للتفاؤل، وتحديدا ما يتعلق منه بصعوبات الحصول على العمل وتأمين مصادر الدخل، وكانت حياتهم ببساطة مملة (لا يوجد نقود ولا طلعة ولا تسلية) لأن الجيب فارغ وصاحبه لا وسيله لديه ليُروّح فيها عن نفسه في ظل ما يشهده المخيم من انعدام لوسائل الترفيه في بقعة تعاني من الضغط السكاني الهائل».

ويبين «إن الأمر اختلف اليوم إلى حد بعيد، حيث بات شباب المخيم يعكسون صورة أكثر إشراقا وهم يبذلون قصارى جهدهم لتحقيق ذواتهم عبر العمل والتعلم ومحاولة تأمين مصادر الرزق، ومع ذلك لا يخلو الأمر من صعوبات تتعلق بالنظرة النمطية السائدة منذ زمن تجاه ابناء المخيمات، وعلى سبيل المثال أتعرض كطالب جامعي الآن للتمييز ضدي من قبل بعض المدرسين، وحتى الواسطة التي يستخدمها بعض أبناء العشائر هنا للحصول على علامة النجاح في الدراسة هي بعيدة المنال لي كابن مخيم. ناهيك عن أنّ بعض الطلبة يشعرونك بشيء من التمييز، وعلى سبيل المثال لاحظت أن صديقا لي في الجامعة يواصل ممازحتي بوصفي ابن مخيم أزعر وغيرها من الأوصاف غير اللائقة، فسألته: لماذا تنعتني بهذه الصفات، فأجاب: (ببساطة أنا هيك بسمع الناس بيحكوا عنكم)!، وهذا الردّ أصابني بالإحباط، فلماذا يقول عني الناس مثل هذه الصفات مع أنني إنسان ملتزم ولا أقوم بأي فعل خارق للقوانين أو الأعراف؟”.

بدوره، يردّ المصور الصحفي صلاح أبو عطوة هذه النظرة لأبناء المخيمات، لحالة الجهل التي تعتري الأمة العربية، موضحا «العرب يميزون بين بعضهم، هذا بدوي وذاك حضري، وهذا شمالي وذاك جنوبي، وسني وشيعي، وغيرها من عشرات أشكال التمييز التي تسببت في تمزيق الأمة”.

والحال كذلك، يقول أبو عطوة، فإن حالة التمييز لا تنحصر على أبناء الشعبين الأردني والفلسطيني، فهي ملموسة بين السوري واللبناني، والسعودي والكويتي، وإلخ من التقسيمات الطائفية والجغرافية «

ويصل أبو عطوه إلى أن «حالة التفرقة موجودة هنا في الأردن بين الجنوبي والشمالي، فما بالنا إن كنا نتحدث عن اللاجئين الفلسطينيين في هذا البلد، ممن يعانون تمييزا واضحا ضدهم في فرص الحياة؛ وفي مقدمتها التعليم والتوظيف، وأصدق دليل أن وجودهم – أي ابناء المخيمات- يكاد يكون معدوما في الوظائف الحكومية، وغالبيتهم الساحقة يعتاشون على التجارة والأعمال الحرة».

وللإنصاف، يقول أبو عطوة، أن التمييز وكما أسلفت لا يقع على ابن المخيم فقط، فهو يقع على الجميع هنا بلا استثناء، ذلك أنه وكما قلت اعلاه يقع بين كافة ابناء المناطق، وعلى سبيل المثال يقوم مسؤول هنا من منطقة ما بإسناد الوظائف لأبناء منطقته أو أقرباء له رغم وجود آخرين هم أحق وأجدر بها، فالتمييز يشمل الجميع ولكنه أوسع وأشمل حين نتحدث عن أبناء المخيمات”.

ويكشف أبو عطوه عن أن «الكثير من أبناء المخيمات المتعلمين، وفي ظل تدني فرص الحياة وانعدام الآفاق المستقبلية هاجروا للخارج واستقروا في أعمالهم في دول غربية، ومع ذلك فإن هؤلاء لم يجدوا أنفسهم على استعداد للتخلي عن المخيم وأهله، بل هم يزورنه بانتظام ويتواصلون مع أهلهم هنا، وتواصلهم مع المخيم منطلقه أنهم يعتبرونه بمثابة هوية معنوية لتثبيت حق العودة، وعلى ما يبدو أن اعتداد ابن المخيم هذا بهويته هو سبب رفضه في حالات عديدة -كنت شاهدا عليها- لفرص للعمل خارج البلد، ولنفس الأسباب التي تتعلق بأنّ البقاء في المخيم ومهما تضاعفت الأحمال هو بمثابة الصمود على درب العودة”.

ابن مخيم البقعة، النائب البرلماني الدكتور مصطفى ياغي، علق على الطرح السابق، قائلا: «أنا أعتز بأنني لاجىء فلسطيني، وفي كل المحافل الدولية التي أشارك بها، وفي كافة الدول التي أزورها أفاخر وأعتز بالتعريف بنفسي كلاجىء فلسطيني، وهذه الهوية تشرفني لأنها تعكس إرتباطي بقضيتي ووطني، والحال كذلك، فإنه لا يجوز التعاطي مع حالة اللجوء الفلسطيني على أنها مسألة تُعيب الإنسان الفلسطيني، خاصة وأنّ هذا واقع فرضته عليّ النكبة ولم يكن بإرادتي أو وفق اختياري، والكل يعلم أن ظاهرة اللجوء تشكلت في وقت كانت فيه إرادة الشعب الفلسطيني منزوعة ومُصادرة من قوى عظمى تآمرت وتكالبت عليه».

ويضيف: «أعتز بانتمائي للمخيم الذي صقل شخصيتي، و شكّلها واقعي المرير الذي عشته في المخيم، وهذا كله كان له إنعكاس إيجابي عليّ، كما على سواي من أبنائه، فالمخيم مليء بالقدرات والإمتيازات والطاقات الإيجابية، وأمّا النظرة السلبية للمخيمات فهي غير دقيقة ولا تعكس واقعها، وفي النهاية يوجد في كل مكان في العالم أشخاص سيئون وآخرون جيدون، وهذا الأمر لا يقتصر على المخيم”.

 

ويوضح ياغي أن “النظرة السلبية لأبناء المخيم كانت موجودة في الماضي لخلل في آلية تعاطي أهالي المخيم مع محيطهم الخارجي، والعكس صحيح، ولهذا كان من المألوف في وقت ما أن تسمع من ابن المخيم حديثا عن أنّ رجل الأمن فتّشه لأنه ابن مخيم، أو أنزله من الباص مثلا لأنه ابن مخيم ودقق في هويته، وما إليها من أمور، لكن هذا الأمر لم يعد موجودا في حاضرنا وأنا أجزم بإنتهاء مثل هذه المظاهر بفعل كوني نائبا برلمانيا ومتابعا لشؤون أبناء المخيم، ممن تجدهم اليوم يمثلون أنموذجا مشرقا بين أبناء المجتمع، ويكفي المخيم فخراً أنه خرّج للمجتمع قادة فكر وعلم وسياسة أسهموا في نمائه وتقدمه”.