الثلاثاء  26 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مسيرة العودة هي الحدث الأخطر على إسرائيل منذ الانتفاضة الأولى

2018-04-12 10:49:42 AM
مسيرة العودة هي الحدث الأخطر على  إسرائيل منذ الانتفاضة الأولى
مسيرة العودة

الحدث - عصمت منصور

نشر مركز ابحاث الأمن القومي الإسرائيلي؛ دراسة حول مسيرة العودة تترجمها الحدث، لأهميتها في الجدل الدائر حول وسائل النضال الشعبي والمسلح:

أبرز معلم تميزت به مسيرة العودة هو المشاركة الجماهيرية الواسعة التي لم يسبق أن شهدناها منذ أيام الانتفاضة الأولى، وخاصة في يومها الأولى الذي انتشر فيه الآلاف على طول الجدار الفاصل، والذي اعتبر لحظة البداية فقط وفق المنظمين، وسيستمر حتى منصف أيا المقبل.

عدد الشهداء المرتفع فاق المتوسط الذي اعتدنا عليه في أحداث مشابهة في الماضي،  بالإضافة إلى عدد الإصابات الكبير، الذي أثار شعور الانتقام في الشارع الفلسطيني وأثار كذلك رغبة أكبر بالمشاركة، رغم أنه من الناحية الأخرى ردع آخرين.

ويبدو أن فصلا جديدا فتح في أساليب النضال الفلسطيني، أصبح  فيه الجمهور هو المطالب بالحسم بين طريقتين للنضال تقودهما قيادتين في رام الله وغزة.

وتطالب القيادة، بأن تلاءم نفسها مع ما سيقرره الجمهور، وخاصة على خلفية فشل النهج السابق لكلاهما سواء بالمفاوضات والتنسيق الأمني أو المقاومة المسلحة، وخاصة بعد حرب عام 2014 التي أفقدتها الكثير من قيمتها.

الانتفاضة الأولى التي اندلعت في عام 1987 ، دفعت قادتها إلى التنبه مبكرا للتعاطف الدولي وصداها في العالم والتفكير في تغيير أساليب نضالهم، والانتقال من العنف إلى المفاوضات والحوار، واستبدال العيش مكان إسرائيل إلى العيش بجانبها، وهي ذات الانتفاضة التي دفعت حماس إلى إعلان انطلاقتها، بعد أن رأت أين تتجه قيادة المنظمة في الانتفاضة، بعد إعلان المجلس الوطني عن استقلا دولة فلسطين.

وكان المجلس، قد طالب حماس بالتجاوب مع إعلان الاستقلال، ووقف محاولاتها بزرع الشقاق في الشارع وتسخير إمكانياتها في خدمة المشروع الوطني.

هذا النداء كان بداية الصراع بين تيارين، يمثل كل طرف منهما وجهة نظر تعززها بأسس وقواعد نظرية صلبة.

وحتى ذلك الوقت، تمتعت منظمة التحرير وحركة فتح تحديدا بقيادتها الحصرية للنضال الفلسطيني  والفكر الوطني الذي مثلته، واعتبرت بمثابة بيت لكل من اعتبر نفسه فلسطيني.

الحركة الوطنية آمنت بالقومية العربية، وأن سيادة السلطة الوطنية الفلسطينية على أرضها التاريخية هو جزء من أمة عربية، بينما حماس مقابل ذلك تحدثت بمفاهيم دينية قومية، ولا ترى وفق نهجها بالسيادة الفلسطينية أمرا مقدسا، كما ولا ترى تناقضا بين كونها إسلامية وعربية.

حركة حماس مثلت تحدي أمام الحركة الوطنية الفلسطينية؛ التي رأت بها نموذجا للفساد،  وأن إعلان الاستقلال مقدمة لضياع فلسطين، وهو ما جذب إليها أنصار التيار الديني والمتشدد.

اليوم وبعد 30 عام، تقف الحركتين وجها لوجه يعتريهما التعب وخيبة أمل الجمهور، بسبب عدم امتلاكهما لرؤية وقيادة قادرة على الوصول بالنضال إلى النهاية الموعودة.

فتح بقيادة الرئيس أبو مازن؛ تمتاز بأنها صاحبة السبق، وأنها الجسم الممثل للفلسطينيين، والذي يحظى باعتراف دولي والتي تمسك بيدها بكل الامتيازات والموارد، بالإضافة إلى كونها العنوان الطبيعي لتلقي المساعدات من الدول المانحة، إلا أنها تعاني من التآكل المتواصل في مكانتها في أوساط الشعب، الذي يرى أنها فشلت في تحقيق مشروعها السياسي وينخرها الفساد، وهذا تم التعبير عنه في استطلاعات الرأي التي أجريت في المناطق التي تسيطر عليها.

حماس ركبت لسنوات طويلة على موجة التيار الديني المتشدد وحملت مواقف متصلبة ولم تبدي أي استعداد للحديث عن حلول وسط وقامت بعلميات كبيرة ضد إسرائيل، وهو ما أعطاها مكانة مهمة، وربما جعلها تتفوق على خصمها، ولكن حماس هي الأخرى تعاني من فقدان شعبيتها منذ تنفيذها الانقلاب في 2007 في قطاع غزة، وهو ما كشف الفجوة بين الشعارات والأفعال، وما بين التمسك بالمقاومة المسلحة ومتطلبات الحكم، وتحديدا بعد ثلاثة حروب شنتها إسرائيل ضدها وخاصة الحرب الأخيرة، التي جعلتها تتعرض لانتقادات واسعة، وهو ما دفعها شيئا فشيئا إلى البحث عن بدائل.

دخول ترامب إلى البيت الأبيض وتبنيه للموقف الإسرائيلي واعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ونيته نقل السفارة إلى القدس؛ حوّل الولايات المتحدة إلى طرف غير نزيه، وأبطل أي أمل بإمكانية أن تقود الولايات المتحدة عملية السلام، وهو ما قاد إلى انسداد أفق التسوية وأدخلها في أزمة هي الأعمق منذ انطلاق عملية السلام، وهو ما يمكن أن يشكل المادة التي يمكن أن توحد جزئي الوطن الفلسطيني في غزة والضفة.

لذا يبرز في أحداث مسيرة العودة البعد الوحدوي الممزوج بالتنافس بين المعسكرين.

الرئيس توجه لمجلس الأمن من أجل نقاش قتل 30 شهيدا من قبل جيش الاحتلال، ورغم قيادة حماس للمسيرة؛ إلا أنه قرر أن يؤجل خطواته العقابية التي تعهد بها بعد محاولة اغتيال رامي الحمد الله؛ لأنه يرى أن المسيرة أعادت القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام الدولي، وهي تخدم أيضا سياسته الحالية.

قطاع غزة اثبت بعد عدوان الجرف الصامد ما كان معروفا في الانتفاضة الأولى، عندها كانت غزة هي من فجرت الانتفاضة وأخرجت الشيوخ والشبان والنساء إلى الشارع، وأعطت هذه الصورة الحاشدة، وهي أول من خرج إلى الميدان.

في سنتها الثانية بدأت تظهر علامات سلبية للانتفاضة وأخذت بالتراجع بسبب الشعور بالدونية والاضطهاد والضائقة الصعبة التي عاشها القطاع،  وهو شعور شكل مادة مشتعلة وقابلة للانفجار ستستغل عندما تحين اللحظة المناسبة.

الوضع اليوم في القطاع أخطر، والانقسام يزداد وإعلان ترامب شكل نقطة الالتقاء بين التيارين أو جمهور التيارين.

مع ذلك من المشكوك فيه أن يستطيع الفلسطينيين إنجاز ما تم انجازه في الانتفاضة الأولى؛ بسبب شكوك الجمهور بنوايا الطرفين وعدم وجود دعم دولي وعربي حتى الآن، وأيضا بسبب الردع الذي حققته إسرائيل.

من الجدير بالإشارة، انه ورغم مرور أسبوعين، لازال الحشد متماسك رغم العدد الكبير من الشهداء والمصابين منذ إعلان ترامب حتى الآن، وهو مؤشر أن الأحداث ستطول أكثر من فترة حرب 2014 وان الطاقة لتغذية هذه الأحداث قائمة.

الاختبار الأساسي أمام حماس، هو في قدرتها على تحويل مسيرة العودة التي تقودها رغم أنها لم تبادر إليها في إيجاد قواسم مشتركة بين التيارات المختلفة ورفع الحافز في الاستمرارية، وصولا إلى التاريخ المقر منتصف أيار، أم أنها ستكتفي في إلقاء اللوم بالفشل على انعدام المصالحة وفشلها وضعف القيادة الفلسطينية في رام الله.

إسرائيل بالمقابل تحاول أن تحتوي الموقف ومنع تصاعده ووصوله إلى مواجهة شاملة ودعم مطالبة أبو مازن بقانون واحد وسلاح واحد إلا أنها مضطرة إلى التعامل مع الأزمة الإنسانية في غزة والتي مصدره جزء كبير منها عقوبات الرئيس ضد غزة لذا فإنها ستلجأ إلى تجنيد مساعدات لغزة من اجل التخفيف من هذه الضائقة.