الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

رسالتي في النكسة.. إليك يا أبي

2014-06-10 00:00:00
رسالتي في النكسة.. إليك يا أبي
صورة ارشيفية

بقلم: مريم ريان -  إعلامية فلسطينية- دبي

والدي العزيز، السنة الجديدة بتوقيتنا تبدأ دائماً في 5 حزيران، وهو اليوم الذي رحلت فيه أنت وأمي وأختي الكبيرة، التي لم يكن عمرها يتجاوز آنذاك الأشهر القليلة، وغادرت الوطن مودعاً الأرض والإنسان، ومنذ ذلك التاريخ وأنت تنظر إلى فلسطين وتخبرها بأنك ستعود قريباً.. لكنك يا أبتاه ومع الأسف لم تعد أبداً..! فكل عام ونكستنا على حالها ونحن لسنا بخير..!

في الأعوام الربيعية الماضية حدثتك عن الثورات والانتصارات التي حققتها جيوشنا العربية ضد النساء والأطفال والشيوخ، أخبرتك عن مصر وسوريا وتونس وليبيا وجميع دول المنطقة، مع ذكر لتفاصيل المجازر والمعارك، وهدم المساجد ودور العبادة والبيوت وحتى قصور السلاطين، وتدخلات الأجنبي والمحتل ومؤسسات حقوق الإنسان والأمم المتحدة ومجلس الأمن من أجل شرق أوسط لا يلبس الجديد، وليس فيه عيد ولا فرح ولا حتى طهور، فالمواليد من الرجال يا أبي جميعهم يموتون قبل أن يشهقوا الحياة..!

أما في السنة الجديدة 5 حزيران من عام 2014، فقد أصبحتُ يا أبي أكثر غروراً في سرد الأحداث ومجريات الأمور، تصدرت أنباؤنا العربية الصحف والمجلات وشاشات التلفزة الغربية والإسرائيلية والمواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي التي تعمل لصالحها في الشرق والغرب، وبتنا أخيراً محط أنظار العالم! فقد تحولت دويلاتنا إلى موقف للباصات مهجور لا يرغب في الذهاب إليه والتجوال فيه سوى القتلة وأشباح قتلانا!

لقد أصبحنا يا والدي الحبيب نعيش مرحلة جديدة من الديمقراطية والحريات وحتى أننا حصلنا أخيراً على الاستقلال، والانتخابات في أوج مصداقيتها، فلم يعد رقم 99 % يظهر في النتائج النهائية، فالرئيس المصري حصل فقط على 97 %، والرئيس السوري 88,7، وأعتذر لك لأني لست مـتأكدة إن كانت النسبة بالمائة فالشعب السوري “مسجل غياب”!.. أما لبنان فلا أحد فيها يستحق أن يحكم “الشعب العنيد”! لكن.. وكما جرت العادة، فرحتنا ترافقها بعض المنغصات، فمثلاً بائع البسكويت الذي كان يتجول منذ أيام في أزقة حي بستان القصر في مدينة حلب، وهو طفل لا يتجاوز ال10 من عمره، قد قتلته نيران خفية، والكثير من قصص اللاجئين السوريين في تركيا والأردن ولبنان التي تقشعر لها أبدان ليست أبداننا نحن يا والدي.. فلا تقلق! أما المخيمات فقد أصبحت اليوم شعار المدن الجديدة، لقد بات الجميع يا أبتي بلا وطن، وخلت الأوطان من أهلها..!

من دمشق إلى بغداد.. لا صوت نسمعه سوى دوي القنابل، ولا رائحة لدجلة والفرات ولا حتى بردى، فللبارود رائحة تشبه تلك التي نشتمها في المقابر..! آه يا أبي من وجع العراق الذي تدكه جحافل الطائفية البغيضة، وتطعنه في كل يوم مومس تحمل الجنسية الأمريكية..! وفي صحة العراق ترفع الكؤوس ونشرب جميعاً نخب العامرية..!

الأحوال تغيرت منذ أن غادرت الوطن يا أبي، ففي 67، كنت أنت شاباً في مقتبل العمر، وجاءت الهزيمة لتمحو من ذاكرتكم الأحلام، وتفرض كذبة كبيرة على واقع الذل الذي لحق بكم، لكنا، وبفضل “ويكيلكس”، “بنلعب عالمكشوف”، فالشعوب باتت أكثر تحضراً وتفهماً لمتطلبات العصر الحديث، من اتفاقيات المصالح المشتركة مع الاستعمار، والاقتصاد الحر مع العدو الاسرائيلي، وسياسة “بوس الأيادي” من أجل الديون ودعم الميزانيات، إلى حماية الدول الصديقة والتحالف مع “الشيطان” من أجل تحقيق المصلحة العامة “لنا”..!!! فشكراً لحكوماتنا ورؤسائنا..!

أرغب كثيراً أيها الحبيب الغائب عن أرضك ووطنك ودنياي، أن أكمل سرد المزيد من الأحداث، لكن فقر الحال وضيقها وغياب الأمن والأمان وحتى الأحلام والآمال عن الشعوب تمنع الاستمرار في مثل هذا الحديث، والمضي في حالة من الحزن ستقودنا جميعاً إلى وليمة بكاء يحضرها الكوميديون العرب، تُضحك منا الجمهور الذي يتشوق لرؤية وسماع المزيد من حكايا عرباننا! 

 

وبمناسبة الحديث عن الوطن، أود أن أنوه إلى أني قد نسيت في السنة الجديدة، وحلول 5 حزيران على عالمنا العربي، التطرق إلى أمر لم يعد يشغل بال أحد، “فلسطين”، القصيدة الموجعة، حتى النكسة قد نسيت أو تناست اليوم أن تعلن عن هويتها الفلسطينية! وربما اتخذت قراراً بأن تكون على موضة العولمة وشركاتها.. “متعددة الجنسية”..!