الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مسيرة العودة الكبرى/ بقلم : سامي سرحان

2018-04-18 02:09:39 PM
مسيرة العودة الكبرى/ بقلم : سامي سرحان

 

يقف العالم اليوم تحية لإبداعات الشعب الفلسطيني النضالية، كما وقف في السابق تحية لانطلاقة العمل الفدائي وصمود بيروت وانتفاضة الحجارة وانتفاضة الأقصى وهبة القدس دفاعا عن الأقصى.

وفي كل مرحلة من مراحل نضال الشعب الفلسطيني؛ يندهش العالم لصمود هذا الشعب وتمسكه بكامل حقوقه الوطنية الثابتة، غير القابلة للتصرف، في الوقت الذي يظن فيه البعض في هذا العالم أن قضية فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني طواها النسيان ويمكنه القفز عنها والاعتراف بالظلم التاريخي الذي وقع على الشعب الفلسطيني على أيدي دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومن يقف خلفها داعما ومؤيدا لباطلها، ومتنكرا لحق الشعب الفلسطيني الثابت في الحرية والاستقلال والعودة، وبناء دولة على أرضه فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.

ولعلّ أول الواهمين، الذي ظن أنه بإمكانه أن يتجاهل القضية الفلسطينية ويضرب ركائزها الأساسية والرئيسية، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي دخل في مواجهة مباشرة وباستخفاف سياسي بالقضية الفلسطينية والحقوق الوطنية الثابتة لشعب فلسطين.

فقبل مسيرة العودة الكبرى والتي تجري فصولها هذه الأيام؛ اعترف رئيس الولايات المتحدة (المثير للسخرية) بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وقبل ذلك تجرأت إسرائيل على وضع بوابات إلكترونية على أبواب الأقصى المبارك، فكانت الثورة عارمة في فلسطين والعالم الإسلامي والمسيحي، ووقف شعبنا صفا واحدا دفاعا عن الأقصى وقدسه، وأفشل المخطط الإسرائيلي الذي لم يتوقف بتقسيم الحرم القدسي الشريف زمانيا ومكانيا، بل عمل على هدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم مكانه.

كانت هبة الأقصى والقدس تعبيرا عن الاحتقان والسخط الذي يختزنه شعب فلسطين نتيجة سياسات الاحتلال وحكومته اليمينية المتطرفة والعنصرية ضد حقوق الشعب الفلسطيني الساعي للسلام في الحرية والاستقلال، وزاد هذا السخط موقف ترامب الأرعن من القدس، فأغلق الأفق السياسي أمام احتمالات التسوية، واضطر القيادة الفلسطينية إلى اتخاذ مواقف لم تكن ترغب في اتخاذها، برفضها التفرد الأمريكي برعاية عملية السلام وقطع الاتصال على كافة المستويات مع الإدارة الأمريكية، ورفض العودة إلى طاولة المفاوضات؛ ما لم يتراجع ترامب عن قراراته وتطاوله على حق الشعب الفلسطيني، واستخفافه بالأمة العربية والإسلامية  والمسيحيين في العالم.

وعادت قضية القدس كعاصمة لدولة فلسطين إلى صدارة المشهد السياسي، وإلى مركز قضايا الحل النهائي التي لا يمكن القفز عنها، وليس للولايات المتحدة أو غيرها أن تغير الواقع والتاريخ الحقيقي للقدس وفلسطين، سواء نقل سفارته إليها أو قطع المساعدات المالية البائسة عن السلطة الوطنية الفلسطينية.

وكان إعلان ترامب الثاني، أنه سوف يحضر مراسم احتفال افتتاح سفارة بلاده في القدس بالتزامن مع ما يسمى "إعلان استقلال إسرائيل" المحرك والمفجر لمسيرة العودة الكبرى .

صحيح أن الشعب الفلسطيني وبالخصوص في قطاع غزة يعيش أزمة إنسانية حادة بفعل الحصار والعدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع منذ سنوات؛ ولكن حذر أزمات الشعب الفلسطيني في القطاع  والضفة  والقدس والشتات يكمن في الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية وتشريد معظم الشعب الفلسطيني من أرضه ومدنه وقراه وممتلكاته، وإلغاء هويته الوطنية وتجاهل حقوقه التاريخية والقانونية والطبيعية في وطنه، وحقه الأول في إقامة دولته المستقلة على أرض وطنه وعاصمتها القدس الشريف، الذي تم تجاهله وتجاهل حقه الأول في  العودة إلى وطنه وفق قرارات الشرعية الدولية وخاصة القرار 194 منذ 70 عاما،  وهي عمر النكبة التي حلت بشعب فلسطين على أيدي العصابات الصهيونية، وتواطؤ المجتمع الدولي مع الصهاينة في إلغاء الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني.

لكن مسيرة العودة الكبرى التي تعيشها فلسطين اليوم، تعيد إلى ذاكرة المجتمع  الدولي  تذكر  حكومة نتنياهو وصديقه المغفل ترامب، بأن هؤلاء المتظاهرين المحتجين على السياج الفاصل بين قطاع غزة والوطن الأم فلسطين، التي باتت في عرف ترامب وبعض دول العالم إسرائيل، تذكر بتهجير الفلسطيني عن دياره وبيته وممتلكاته، وأنه مصر على حقه في العودة إلى دياره مهما طال الزمن ومهما احتفلت إسرائيل باستقلالها وقطع لها ترامب ورؤساء أمريكا المتوالون من عهود، واتخذوا من قرارات وشاركوا المحتل الإسرائيلي احتفالاته وأمدوه بأسلحتهم وأموالهم، ليواصلوا قتل الفلسطينيين وإنكار حقوقهم، وفي مقدمتها حق العودة.

لقد شهد حق العودة كحق ثابت أقرته الأمم المتحدة للفلسطينيين الذين هجروا من ديارهم تراجعاً وإهمالاً ضمن الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال الإسرائيلي وبعض القرارات الدولية وصيغ في المبادرة العربية للسلام بعبارات فضفاضة وحمالة أوجه، سعياً في الوصول إلى حل سياسي متفاوض عليه مع المحتل الإسرائيلي، لكن مسيرات العودة الكبرى جاءت اليوم لتعيد حق العودة إلى صدارة الحقوق الثابتة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني.

ولن تثني جرائم الاحتلال والتواطؤ العربي والدولي على حق العودة وغيره من الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني؛ كحق إقامة الدولة المستقلة في حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف أو الشرقية أو القدس، شعب فلسطين عن مواصلة نضاله وكفاحه من أجل نيل حقوقه.

ولم تعد جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين المحتجين خلف السياج الفاصل خافيه على الرأي العام العالمي وباتت أجهزة الأمن الإسرائيلية من جيش وقناصة وطائرات؛ مسيرة مدانة أمام الرأي العام، وبدا استخدام الجيش الإسرائيلي المفرط للقوة في مواجهة المواطنين العزل الذين يعبرون عن طموحاتهم بطريقة سلمية حضارية، محل تنديد دولي لا تحميه سوى الإدارة الأمريكية المتصهينة، التي تستخدم نفوذها المالي والسياسي وحقها في الفيتو لمنع إدانة دولة لجرائم المحتل التي تستحق الإدانة والتحقيق بها أمام محكمة الجنايات الدولية، وإلزام إسرائيل بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، كإنهاء احتلالها للأرض الفلسطينية وحصارها لغزة وبناء المستوطنات ومصادرة الأرض الفلسطينية وإعاقة جهود السلام، وأولها وآخرها حق العودة الذي أعادته مسيرة العودة الكبرى إلى صدارة الأحداث.