الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الحدث والوطنية موبايل..والأمن

2018-04-22 07:06:04 PM
الحدث والوطنية موبايل..والأمن
رولا سرحان

لم أكن لأعتقد يوماً أن الأمور قد تتصاعد بيننا في صحيفة الحدث، وما بين شركة فلسطينية يرأسها شخص كان صديقا وزميل عمل يوما ما في صندوق الاستثمار الفلسطيني. لكن المسألة اختلفت تماما عندما أصبح الأمر ذا صلة وعلاقة بمهنيتنا واحترامنا؛ فعندما كانت المفاضلة ما بين الصديق والزميل، وما بين الاحترام والمهنية؛ اخترتُ الثانية.

هذه هي الحكاية باختصار شديد ما بيننا في الحدث وما بين شركة الوطنية موبايل، رغم كل ما يُقال على لسان الوطنية موبايل، أو يُشاع على لسان آخرين مستفدين من الشركة.

ولأن فرضية الاختيار هنا صعبة، فإن الأمر بمجملهِ صعب، لأن عليك أن تترفع عن الأشخاص، بما يمثلونه، وتتعامل وفق مبدأ ما لم يعودوا يمثلونه.

إنها أنانية البقاء.

ولأننا في الحدث، لا نخوض حربا  إلا ونختار أساليبها ووسائلها وأدواتها النظيفة - رغم إدراكنا أنه ما من حرب إلا وفيها شيء من الدنس الذي يُسيء الروح- فإننا نحاول أن نرتقي بأنفسنا بعيداً عن أساليب رخيصة، يلجأ إليها الخصوم عادة، فلا نستخدم إلا سلاحا واحداً، القلم. دون أن نكون مأجورين أو تابعين، ودون أن يكون هنالك ثمن لتهميشنا، أو استبعادنا.

إنه الاحترام لأنفسنا أولا.

إن ما يعنينا اليوم، لم يعد متمحوراً فقط حول ما قامت به الوطنية موبايل من تضليل للرأي العام على خلفية نشر بياناتها المالية بطريقة غير شفافة، لا يستطيع قراءتها المساهم البسيط.

إن ما يعنينا اليوم في القضية المرفوعة ضدنا في المحاكم الفلسطينية من قبل شركة الوطنية موبايل أمران:

الأول: التأسيس لصحافة فلسطينية مغايرة لصحافة العلاقات العامة السائدة في فلسطين، والتي تحط من قدر وقيمة العمل الصحفي وتمتهن كرامة الصحفيين الذين يفترض بهم أن تكون لهم صفة المساءلة والمراقبة والمتابعة، باعتبارهم السلطة الرابعة. إن مواجهتنا للنفوذ الذي تتحلى به شركة الوطنية موبايل، والسطوة التي تمارسها على بعض الصحفيين، سيعد بحد ذاته انتصارا لقيمة العمل الصحفي قبل أي شيء، وانتصارا لحرية الرأي والتعبير باعتبارهما التجسيد الحقيقي والفعلي للحريات السياسية والاقتصادية.

الثاني: وهو الأمر غير المقبول بالمطلق، لخطورته وحساسيته، لأنه يمس أمن الدولة في فلسطين ويمس جميع مستخدمي شريحة الوطنية موبايل، بمن فيهم مستشاري الرئيس والرئيس نفسه، وبعض الوزراء، والسياسيين والأجهزة الأمنية مناصفة مع جوال، وبعض الإعلاميين والمواطنين العاديين، والذين استخدمت الشركة بياناتهم ومعلوماتهم الشخصية، في حربها مع خصمها، والذي هو هذه المرة نحن في صحيفة "الحدث".

إن الأمر يستدعي مراجعة مدى التزام الوطنية موبايل بشروط وبنود الخصوصية والسرية المتعلقة بمشتركيها، والواردة في بنود الرخصة الممنوحة لها من قبل وزارة الاتصالات الفلسطينية. 

إن الأمر لا يمكن أن ينظر له إلا بطريقة أمنية بحتة. لأنه يطرح سؤالا مهما، يتعلق بحربها المقبلة وتوازنات القوى والمصالح بالنسبة لها، وإمكانية استخدام قاعدة بيانات مشتركيها كلما شعرت أن الأمر يميلُ لغير صالحها.

 إن قيام الشركة بهذا الأمر، يستدعي وقفة عميقة من قبل المستوى السياسي والأمني في فلسطين، وليس الموقف مطلوبا هنا لأن الأمر يمسنا وحدنا في الحدث، وإنما لأن المسألة تطرح عدة تساؤلات حول استخدام بيانات المشتركين كسلاح وأداة أو وسيلة لمحاربة خصوم الوطنية موبايل.

من وجهة نظرنا المتواضعة في الحدث، فالأمر هنا يمس أمن الدولة في فلسطين بالدرجة الأولى، لأنه قد يرجح المصالح على الصالح العام في أقل تقدير.

فماذا لو كانت هنالك انتخابات رئاسية أو تشريعية، وقررت الشركة استخدام بيانات مشتركيها دون موافقتهم للترويج لمرشح على آخر؟ أو ماذا لو سلمت الشركة قاعدة البيانات تلك لطرف ثالث، أو جهة غير معلومة؟

إن الأمر يحتاج إلى مساءلة ليس فقط من قبل وزارة الاختصاص هنا المتمثلة في وزارة الاتصالات، بل وأيضا، من قبل مؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات ذات الصفة الرقابية، وجمعية حماية المستهلك، وأعضاء المجلس التشريعي والفصائل السياسية، والأجهزة الأمنية، وأيضا من بعض الجهات المانحة التي تقدم الدعم المالي للشركة.

إن الوطنية موبايل بتصرفها غير المسؤول هذا لا تسيء لنفسها فقط، بل تسيء أيضا، للمؤسسات الدولية والمحلية الشريكة معها، مثل شركة أوريدوو، وبعض البنوك العاملة في فلسطين، ومجموعة البنك الدولي ممثلا في ذراعها الاستثمارية – مؤسسة التمويل الدولية IFC، التي لديها معايير واضحة في آلية التعامل مع الإفصاحات المالية للشركات المدينة لها، كما يرد في البند المتعلق بحوكمة تلك الشركات في الاتفاق الموقع بين المؤسسة وتلك الشركات.

إن الوطنية موبايل إذ تسيء إلى الاقتصاد الفلسطيني بإقدامها على مثل هذا العمل، فإنها تسيء أيضا إلى سمعة صندوق الاستثمار الفلسطيني، الذراع الاستثماري للشعب الفلسطيني ممثلا بسيادة الرئيس محمود عباس، فالصندوق مساهم في الوطنية موبايل بنسبة 35%،  لذا فإن أكثر من عشر سنوات من المحاولات الجدية لحوكمة صندوق الاستثمار الفلسطيني ومأسسته، ستضيع هباء بسبب ما يبدو أنه نقص في الرقابة والمساءلة والمتابعة من قبل الصندوق على الشركة التي أشرف على تأسيسها واختيار طاقمها السابق والحالي، وعين رئيسها التنفيذي.

إننا في الحدث، ننظر بجدية وبخطورة لما قامت به الوطنية موبايل بشأن الرسالة التي أرسلت للتشهير بالصحيفة عبر قاعدة بيانات مشتركيها دون إذن أو اشتراك من قبلهم في خدمة الرسائل القصيرة. وما زال في حوزتنا المزيد من التسجيلات الصوتية الأخرى لموظفي الشركة، حول الرسالة التي أرسلت، والتي لم نقم بنشرها لأنها تتضمن المزيد من تورط الشركة في إساءة استخدام قاعدة بيانات مشتركيها، وهي تسجيلات سنضعها بين أيدي أهل الاختصاص وشركاء الوطنية موبايل لتكون حجة للدفاع عن خصوصية المشتركين وعن أمن الفلسطينيين.

إن خلاف الحدث مع شركة الوطنية موبايل، سيكون الطريق الذي نتشرف بأننا بدأناه ليمشيه آخرون بعدنا. فحرية النشر الصحفي، والتعبير عن الرأي، ليست مجرد نصوص نقرأ عنها في الدساتير والقوانين الأساسية أو في كتب الصحافة والإعلام، أو في تاريخ الثورات، إنها حرب، لكنها حربنا النظيفة، التي إما أن ننتصر فيها أو ننتصر.