يبدو أن انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني بات مؤكدا وسيفتتح جلساته في رام الله في الثلاثين من نيسان دون أن يجري الالتفات ابدا الى سائر التفاهمات والاتفاقيات التي جرت بين الفصائل الفلسطينية مجتمعة والتي ظهرت في اتفاق القاهرة وكذا في تفاهمات بيروت والتي اتفق اصطلاحا في ما بعد على ان ما انبثق عنها هو الإطار القيادي لمنظمة التحرير والذي يضم سائر الفصائل الفلسطينية وهي حوالي 12 فصيل وحزب الى جانب المنظمات والاتحادات والنقابات الفلسطينية في الداخل والخارج, واليوم ينعقد هذا المجلس دون هذه التفاهمات ودون الالتفات ابدا الى سائر الاعتراضات على انعقاد المجلس الوطني رغم ان سائر هذه الاعتراضات لم ترفض انعقاد المجلس الوطني ابدا بل دعت الى تنفيذ التفاهمات والاتفاقيات السابقة حول سبل واليات استعادة منظمة التحرير لدورها ومكانتها كقائدة لكل الشعب الفلسطيني ويدرك الجميع ان غياب عديد الفصائل الفلسطينية كحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والقيادة العامة والصاعقة الى جانب عديد الفعاليات في بلدان الشتات.
لا احد ينكر اهمية انعقاد المجلس الوطني على الاطلاق خصوصا في الوضع الراهن وتحديدا على اثر الهجمة الامريكية الأبشع في تاريخ القضية الفلسطينية الا ان اهمية انعقاده كانت تحتم ايضا اهمية شموليته وجمعه الجميع بلا استثناء تحت سقف واحد وقد يتحمل الكل الفلسطيني هذا الحال الذي وصلنا اليه فاحد مثلا لم يسعى بشكل جدي لتنفيذ اتفاقيات القاهرة ولا تفاهمات بيروت حول استعادة منظمة التحرير وظل الحال على ما هو عليه الى ان وصلنا الى اللحظة التي نحتاج فيها هذا الاجتماع هذا فيما يخص الجميع, وكذا فيما يخص المشاركين من فتح وشركائها فهم سبق لهم ان عقدوا المجلس المركزي الذي اتخذ عديد القرارات الهامة جدا والتي القي بها كالعادة في الأدراج دون ان يجري الاهتمام بتنفيذ أي منها وقد كان يمكن لدعاة انعقاد المجلس ان يستندوا الى قرارات المركزي التي اعتبرها حتى من لم يشاركوا ايجابية وتأخير انعقاد المجلس لحين التوصل الى اتفاق جماعي بشان الانعقاد وجدول الاعمال والاهداف المرجوة كما كان يمكن اعتبار المجلس المركزي كما هو في نظام منظمة التحرير مجلسا وطنيا مصغرا وكان يمكن دعوة الإطار القيادي للمنظمة للانعقاد اولا وإيجاد آليات سريعة لانعقاد المجلس تضمن حضور الغالبية العظمى من الفصائل فلا احد ينكر ان غياب هذا الكم من القوى والأطر والشخصيات يجعل من انعقاد المجلس امرا قابلا للاتهام خصوصا وان استبدال بعض الأعضاء أو استكمال بعض نواقص العضوية بما في ذلك المقاعد التي باتت شاغرة بوفاة أصحابها وعدم وضوح نظام العضوية منذ المجلس الوطني السابق لم تجري بشكل نظامي وقانوني بل جرت بسرعة وبدون مرجعيات منظمة التحرير وأطرها القيادية.
الذين لن يشاركوا ايضا يدركون جيدا ان المجلس سينعقد وان قراراته ستأخذ مجراها الى الأدراج وان الأطر القيادية سيجري إعادة تشكيلها وهي مودها من ستأخذ طريقها الى التنفيذ وستتمكن من لعب دورها الرسمي بعد انعقاد المجلس وهناك من يشيع ان المجلس الوطني سيتخذ قرارا بحل المجلس التشريعي مما سينفي أية صفة تمثيلية او شرعية عن المجلس التشريعي وهو ما سيشكل مادة جديدة لتعميق الشرخ الفلسطيني القائم أصلا مما سيضع شعبنا وقضيتنا في مهب الريح بعد ان يتعمق الانقسام اثر الإجراءات الأخيرة ضد غزة بما فيها إجراءات وقف دفع الرواتب واستمرار الحصار وسيقود غزة وحدها الى البحث عن مخارج لها وهناك من يتحدث عن لقاءات تعقد حاليا في باريس للبحث عن مخارج لازمة غزة وان نحن وجدنا أنفسنا أمام اتفاق جديد بشان غزة تكون حماس احد أطرافه وتغيب عنه القيادة الرسمية للسلطة والمنظمة فان الانقسام يكون قد وصل الى نهاياته ولن نجد طريقا للتواصل لا بين فتح وحماس فقط بل والأخطر بين غزة والضفة فعلا بما يضمن لإسرائيل وأمريكا تحقيق ما يريدون خصوصا إذا أصبح منصب رئيس السلطة الفلسطينية شاغرا في أي وقت من الأوقات حين تجد حماس وقتها ان الحق لها باستلام المنصب ولن تقبل فتح وحلفائها ذلك مما سيكرس كليا هذا الانقسام وتفتيت الوطن المفتت.
انعقاد المجلس الوطني الحالي في رام الله وأيا كانت مبررات انعقاده الا ان الخطر من تكريس الانقسام ونتائج ذلك ستكون الأقسى ولن يكون لهذا الانعقاد أية اهمية أكثر من خطر تكريس وتعميق ومأسسة الانقسام فسائر المؤتمرات التي عقدت لم تقدم حلولا عملية لصالح قضيتنا وبلادنا وشعبنا ويعتبر نموذج المجلس المركزي الأقرب الى إدراكنا والذي انعقد مكرسا للانقسام ثم انتهى ببيانات وقرارات لم يعد احد يسمع بها وهو ما سيجري ايضا في المجلس الوطني الذي سيأتي قطعا بقرارات قد تكون أكثر وزنا وقوة من قرارات المركزي الا أنها ايضا سيجري دفنها كسابقاتها ويبقى فقط إعادة الهيكلة واختيار أعضاء جدد للجنة التنفيذية التي ستعلن شرعية قيادتها للمنظمة والسلطة وسيبقى الآخرين يصرخون من الخارج وهي معادلة من اخطر المعادلات في تاريخ شعبنا فرفض الحضور سيأخذ الرافضين بعيدا عن الصورة الرسمية والحاضرين سيقومون بصياغة بيان وإعلان قرارات وانتخاب هيئات لتنفيذها ونحن ندري مسبقا ان لا شيء سينفذ سوى أخيار من سيملأ الكراسي في اللجنة التنفيذية وبالتالي في المجلس المركزي وسائر الهيئات الأخرى.
ان فعل المجلس الوطني لا قدر الله وأعلن حل المجلس التشريعي فسيكون هذا القرار الوحيد الذي سيجري الالتزام بتنفيذه بعد قرار تشكيل اللجنة التنفيذية الجديدة بينما سيتمسك الآخرين بشرعية انتخابهم وخصوصا في غزة مما سيقودنا الى معضلة اخطر بكثير مما نحن فيه وسنجد أنفسنا قد غرقنا بخلافات وخلافات لا نهاية لها وفي مقدمتها خلافات تستند لمعاني شرعية او دستورية او قانونية وهي الأخطر على شعبنا وقضيتنا, بينما سيجري على الأرض فرض واقع التناغم والتطابق بين سياسة دولة الاحتلال والدولة الراعية الرسمية لهذا الاحتلال الولايات المتحدة الامريكية وسيعطي المجلس الوطني شهادة دفن رسمية لحكاية الصالحة والوحدة الوطنية وقد نجد غزة بلدا جديدا باتفاقيات جديدة لا علاقة للسلطة الفلسطينية ولا لمنظمة التحرير بها ولن يعترض على ذلك أهالي غزة الذين باتوا اليوم بلا كهرباء وماء وبيوت وطرق ورواتب وسنجد من يقول لنا كعادتنا أعطونا البديل وهي نغمة فلسطينية تاريخية بات الجميع بلا استثناء يتقن استخدامها.
بعد ان أصبح من غير المحتمل ان يجري تأخير انعقاد المجلس لصالح حضور الكل الفلسطيني فان كل ما يتمناه شعبنا ان يكون انعقاد المجلس الوطني منحصرا في الدعوة لمجلس توحيدي خلال مدة لا تتجاوز نهاية العام الحالي وتكليف القيادة بالتنفيذ الجدي, وكذا المصادقة على قرارات المركزي وإيجاد آليات وجهات للتنفيذ الفوري لهذه القرارات وكذا استكمال عضوية اللجنة التنفيذية مع الإبقاء على مقاعد من لم يشاركوا لاستكمالها من طرفهم ومن ثم الإعلان عن رفع الجلسات لاستكمالها فور لم الشمل للجميع على ان تكون هذه هي القرارات لا أكثر ولا اقل بما يضمن عدم قطع خيوط الوصل الوطني بين كافة أطراف ومكونات الطيف الفلسطيني في كافة أماكن تواجد شعبنا لعل وعسى ان نستعيد وحدة بلادنا وشعبنا قبل فوات الأوان.