الخميس  28 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ثلاث دقائق بعد الثامنة/ بقلم: علاء صبيحات

2018-04-28 06:00:22 AM
ثلاث دقائق بعد الثامنة/ بقلم: علاء صبيحات
علاء صبيحات

 

استفقت كأي صباح في أية جمعة روتينية في الثامنة وثلاث دقائق صباحا، راجعت مجموعات الأخبار العاجلة ومجموعات الأخبار الخاصة بصحيفتي كأي جمعة روتينية لا أحداث فيها، لا إصابات لا شهداء لا عمليات طعن لا اغتيالات ..إذا صباحي روتيني، أو أقول –نظرا لكوني صحفي فلسطيني- غير روتيني بالمرة فلم نعتد يوما لا أخبار مماثلة فيه.

رتبت أموري وأخدت حماما حارا جدا وركبت ركوة القهوة على النار وفتحت كتابا أهدانيه مؤلفه الذي هو بالمناسبة صديق لي، كانت الساعة قد تجاوزت التاسعة والنصف عندما وصل خبر عاجل على إحدى مجموعات الصحفيين العاجلة مفاده أن التوقعات اليوم في مسيرة العودة ستكون على غير العادة.

على غير العادة في العرف الصحفي الفلسطيني يعني أننا سنرى أحداثا كثيرة ودماء أكثر وإصابات أكثر وأكثر، هيأت نفسي تلقائيا لأسمع تباعا إحصائيات الشهداء والإصابات.

ظلّت مجموعات الاخبار العاجلة شبه راكدة، وبعد صلاة الظهر نسيت أن أتابع ما يأتي من أخبار، فخرجت لأمشي في رام الله الهادئة عادة، فالمشي عادة يومية أحبها جدا، خاصة أن اليومين الماضيان كانا مطرا شديدا فلم أر الشمس منذ وقت لا بأس به.

وصلتني عدد من الرسائل، لم أفتحها فقد كنت أمشي، ألهاني التفكير كثيرا فنسيت حتى أن اليوم هو إحدى أيّام الجمعة، وأن مسيرة العودة تشتعل على الجزء المحاصر من الوطن الممزق، ونسيت أن مليوني شخص خرجوا للحدود، حيث سيعرضون أنفسهم أمام قناصات ورصاصات بأشكال متعددة وأذىً يختلف من رصاصة لأخرى وبندقية لأخرى.

وصلت البيت بعد ساعة ونصف من المشي، ركبت ركوة القهوة الثانية وبدّلت ملابسي وأرحت ظهري قليلا، وأجريت عددا من المكالمات وتسكّعت قليلا في أرجاء بيتي الذي أسكنه وحيدا، ورتبت أمورا منزلية، تذكّرت فجأة أن أتابع الأخبار، ففتحت هاتفي لأجد الساعة في تمام الثامنة وثلاث دقائق.

هي مفارقة من القدر، في المرتين استفقت على نفس التوقيت، بينهما اثنا عشرة ساعة بالتمام والكمال حتى في الدقائق، رأيت في الأولى اللاخبر، وكانت الثانية كفيلة بأن أشاهد فيديو يعرض لأول مرة يبيّن اللحظات الأخيرة للشهيد الزميل الصحفي أحمد أبو حسين قبيل دخوله في الغيبوبة التي استشهد وهو فيها إثر إصابته من قناصة الاحتلال.

كانت تكفي المشاهد الأولى لأهرب من نظراته في العدسة وهو يعلم أن موته آت لا محالة، هاربا من وجهه قهرا، شاهت خبرا آخر يزف سقوط ثلاثة شهداء هذا اليوم، عاجلت مجموعات الأخبار لأرى أن عشرات الإصابات منها كثير من الإصابات الخطيرة والمتوسطة قد سقطت اليوم.

ترى أين كنت أنا عندما سقط كل شهيد منهم، بماذا كنت أفكر؟، في الوقت الذي ارتقت روح كل شهيد فيهم هل رآني وأنا لا أراه؟ هل رأى حيرتي وأنا أفكر بضيق أموري التي ربما لو كان مكاني لحبس نفسه في ركن من الجنة مقارنة بما رآه في غزة؟ هل امتعض مني؟ هل كرهني؟ هل سيخبر الله عما فعلت؟.

هل وقفت مكتوف اليدين؟ هل سياسمحني الله لأنني أسكت على ما يجري؟ كم شهيد آخر سيسقط ويراني وانا لا أكترث بروحه التي خرجت نحو السماء؟ كم شهيدا آخر سيلعنني ويلعننا؟

هل نحن فعلا قوم "تمسحنا"؟ ترى هل أمهاتهم يلعننا في قلوبهن؟ هل إخوتهم الذين وقفوا عاجزين على قبورهم كانوا يترحمون عليهم أم علينا؟ هل سياسمحوننا يوما ما؟ وإن فعلوا هل سيسامحنا التاريخ؟ وإن فعل هل سنسامح أنفسنا؟ وإن فعلنا هل سياسمحنا الله؟.

كم دمعة سقطت اليوم؟ وكم خبرا عاجلا وصل لأمهات الشبان في غزة؟ وكم أختا جحظت عيناها عندما علمت أن أخاها استشهد أو ربما أصيب إصابة خطرة؟ كم فرشة لن تدفأ اليوم؟ وكم قلبا لن يهدأ؟ وكم والدا يشتم جدنا التاسع بعد الألف؟

هل قالت إحدى الأمهات اليوم "الله لا يسامحهم" وكانت تقصدنا؟ وإذا فعلت ..كيف سنمضي بقية أيامنا في كل هذا الإثم وهذا الغضب الرباني؟ وكيف لن تنتظرنا جهنم؟

علينا أيها القوم أن نحرق أنفسنا ابتداء من أسفل أرجلنا وننتظر النار بلهفة لتأكل رؤسنا في ميادين عامة عل الله يتوب علينا، فدموعنا وجلدنا وأنفاسنا أنفاس تماسيح.. لا سامحني ولا أنتم الرب.