بداية لا بدّ من الإشارة إلى الرسائل التي ترسلها الفصائل لشباب الضفة تطالبهم فيها باستئناف العمل العسكري ضد العدو الصهيوني، والتي كان آخرها شريط فيديو مدته 19 دقيقة والذي كان مضمونه – رغم عبارات المجاملة – فيه نوع من الإهانة للضفة وشبابها.
ولعلي كتبت أكثر من مرة – بشكل مختصر ـ عن هذا الموضوع، وهذه المرة سأكتب بشيء من التفصيل.
أولا: الواقع
- الانتفاضة أو العمل الثوري الفدائي مستمر في الضفة، فمنذ آخر عملية مقاومة قامت بها الفصائل في غزة ( التصدي لعدوان 2014 ) نفّذ شباب الضفة مئات العمليات الفردية إن لم تكن آلافا، ارتقى خلالها مئات الشهداء وأصيب وأسر الآلاف. فالفعل الثوري في الضفة مستمر بشكل دائم، وفي أغلب الأحيان بعيد عن أعين الإعلام والسوشال ميديا، صحيح أنه فعل بدائيّ ( سكين، ومفك، وكوع، وبندقية مصنعة محليا، وسيارة شخصية، ومولوتوف، وحجر، وقص شيك، ...الخ) لكنه هو ما توفر بأيدي شباب الضفة الثائر.
- لا شك أن لأجهزة الأمن المسيطرة على الضفة ( الفلسطينية والصهيونية ) دور كبير في الحد من عدد العمليات ونسبة نجاحها، فهذه هي ظروف الضفة وواقعها المفروض عليها فرضا، كما لا شك أن ظروف غزة وواقعها المفروض عليها – رغم كثرة العدد والعتاد) حدّ من العمليات الفدائية (حدّ الصفر تقريبا) حتى باتت تستنجد بالضفة.
- تفكيك التنظيمات في الضفة أدى لفقدان أمور مهمة جدا في الإعداد لأي عملية فدائية: كالخبرة العسكرية والتخطيط الجيد والدعم اللوجيستي.
ثانيا: الأسباب
- كشف كل الأوراق والإمكانيات للفصائل في الضفة خلال انتفاضة الأقصى أدى لحرقها جميعها، ومن الأمثلة على ذلك القيادات العسكرية، فقد شكل فقدان جميع القيادات العسكرية ( بالشهادة أو بالأسر ) قبل إيجاد البديل المكافئ فشلا ذريعا لسياسة الفصائل وقياداتها في الضفة بإدارة المعركة ( الانتفاضة )، وهناك أمثلة كثيرة أخرى.
- إصرار الفصائل على إبقاء تشكيلاتها وخلاياها في الضفة تحت إدارتها المباشرة كتابع مأمور أدّى لانكشاف معظم هذه الخلايا وسقوطها في شباك الشاباك وباقي أجهزة الأمن.
- إصرار الفصائل على قصر العمل الثوري على العمليات النوعية دون مراعاة للظروف التي وصلت إليها الضفة، ودون محاولة التكيف معها من خلال ابتكار أساليب نضالية جديدة، مما أدى إلى جعل العمل ( التنظيمي ) شبه مستحيل، وجعل العمل الفردي هو المبادر والمبتكر للأساليب المناسبة.
- لا شك أنّ الاحتلال نجح نجاحا كبيرا بهدم أعمدة الانتفاضة ( اغتيال معظم الكفاءات أو أسرها أو وضعها تحت المراقبة الحثيثة، ومنع السلاح الفاعل ( كالمتفجرات، والسلاح المتوسط والنوعي) من الوصول للضفة، وتحصين كيانه ومستوطناته بالجدران والأسلاك الشائكة، وتقطيع أوصال الضفة بالحواجز، وتجنيد آلاف العملاء، والمراقبة الحثيثة بأحدث ما توصلت له تكنولوجيا التجسس والمراقبة حتى أصبحت الضفة قفصا مكشوفا لا يمكن لمطارد الاختفاء فيه ( وجميعنا يعرف أن المطاردة عمود من أعمدة العمل الفدائي).
- فقدان الثقة بالفصائل والقيادات له دور كبير بعزوف الشباب عنها ( خاصة بعد الانقسام ).
- تركيز حماس والجهاد على بناء قوتهما العسكرية ( جيش مدرب ) في غزة أدى لتجاهل الضفة وحاجتها.
ثالثا: النتائج
- عادت الضفة ( قبل سنوات) بعد أن وصلت لذروة قوتها ( بالسيارات المفخخة والاستشهاديين بقلب الكيان ) للعمل الثوري البسيط بعيدا عن الفصائل وتعقيداتها ومتطلباتها ( حتى وإن كان بعض أبطال العمليات الفردية ينتمون فكريا لفصيل ما، فعملياتهم كانت فردية بعيدة عن العمل التنظيمي).
- عادت غزة (اليوم) بعد أن وصلت لذروة قوتها ( بالصواريخ والأنفاق والجيش المدرب وباقي العتاد المتوسط) للعمل الثوري البسيط، لكن ليس بعيدا عن الفصائل التي التقفت مبادرة ثورية شعبية فتبنتها إعلاميا ( رغم أن معظم أعمال هذه الثورة وابتكارات أساليبها هي أعمال فردية بعيدة عن التنظيمات) .
- ضعف العمل التنظيمي وصل حدا غير مسبوق، وعجزت التنظيمات عن الفعل بشكل شبه كامل ( اللهم إلا من بعض ردات الفعل )
- تخاصم الفصائل والسلطة أدى لضياع جهود عظيمة كان يمكن أن تخدم القضية الفلسطينية التي تهاوت صورتها في الوعي العالمي والعربي وحتى الفلسطيني.
رابعا: المطلوب:
المطلوب أن تهبط الفصائل والتنظيمات من بروجها – على الأقل - وتعود لممارسة مهمتها، وتعود لأهلها وشبابها قولا وليس شعارا.
ملحوظة: شطبت كثيرا من النقاط أعلاه إما لأسباب أمنية وأظنّه سيخطر ببال أصحاب التجربة، وإما لأنني أردت أن أتلطف قليلا، وأظنّه سيخطر ببال غير الحزبيين.