الحدث- محمد غفري
بخلاف ما قال الإمام الشافعي "إذا هبت رياحك فاغتنمها"، لا يتمنى أهالي قرية قلنديا شمال القدس المحتلة أن تهب عليهم رياح الشرق القادمة من المنطقة الصناعية "عطاروت"، لما تحمله من غبار ودخان ملوث، وحتى ضوضاء لا تحتمل.
تقع مستعمرة "عطاروت"، قرب الطريق الذي يصل مدينة رام الله بالقدس المحتلة، وتحديداً على أراضي قرية قلنديا، التي نهب الاحتلال الإسرائيلي منها أكثر من 400 دونم زراعي لصالح إقامة هذا المجمع الصناعي الاستيطاني.
بداية ثمنينات القرن الماضي، أقامت إحدى شركات الطيران الإسرائيلية داخل مجمع "عطاروت" مصنع "MATA"، المخصص لصيانة وتصنيع قطع طائرات سلاح جو جيش الاحتلال.
ضوضاء وأرق للمواطنين
يشتكي أهالي القرية وبشكل خاص سكان المنازل القريبة من المصنع، باستمرار من الضجيج العالي الصادر عن تجارب محركات وقطع الطيران.
بزيه المدرسي، أصطحبنا الطفل رامي نبيل إلى أقرب منطقة من المصنع الجاثم خلف جدار الفصل العنصري، يتعالى على الجراح ويؤكد أنهم اعتادوا على ضجيج المصنع القريب من منزله.
بينما ضجت بشكل لافت إحدى نساء القرية عندما توجهنا إليها بالسؤال حول تأثير المصنع القريب عليهم، عندما قالت "الله يقطعهم الصوت كثير عالي".
وفي سياق ذلك يقول رئيس مجلس قروي قلنديا رأفت عوض الله إن المصنع تأسس على أخصب أراضي القرية الزراعية بداية ثمنينات القرن الماضي لأغراض عسكرية بحتة.
وأشار عوض الله لـ"الحدث"، إلى أن الصوت الذي يصدر عن عملية تجربة محركات الطائرات المروحية داخل المكان المخصص لذلك قرب الجدار ومنازل المواطنين، لا يمكن احتماله، ويشبه صوت طائرة الأباتشي عندما تقترب من الأرض.
وأضاف عوض الله، أن هذه الضوضاء تشكل إزعاج كبير وتؤثر بشكل واضح على المرضى والأطفال وطلاب المدارس.
المصنع قد يسبب تلف سمعي
يعيش في قرية قلنديا أو ما يطلق عليها بوابة القدس الشمالية نحو 1300 مواطن فلسطيني، نصف هؤلاء قد يتعرضون للتلف السمعي مع مرور الوقت.
الضجيج الناجم عن هذا المصنع يعتبر تلوث بيئي بحسب ما أكد الدكتور المختص في الأنف والأذن والحنجرة مجدي الجلاد.
وأضاف الجلاد لـ"الحدث"، أن هذا التلوث البيئي يؤدي بالعادة إلى تلف خلايا العصب السمعي، وهذا التلف في حال كان المؤثر مرتفع يكون تلف دائم، أما إذا كان المؤثر متوسط ينجم عنه تلف تدريجي.
وأشار الدكتور المختص في الأذن، إن الإنسان إذا تعرض لأصوات قوية جداً، من الممكن أن يصاب بنوع من أنواع الصدمات الصوتية، بمعنى أن يفقد سمعه بشكل كامل.
لذلك أكد جلاد أن هذا الضجيج الناجم عن المصنع يحمل تأثير سلبي، وهذا يتضح عندما تشاهد من يعملون في شركات الطيران، أو الجنود يرتدون خوذ وواقي على الأذنين أثناء حدوث الضجيج، وبالتالي عادة ما ينصح المواطنين بالابتعاد عن الأصوات المزعجة.
وفي حالة قرية قلنديا، ينصح الدكتور مجدي جلاد أن مثل هذه المناطق بحاجة إلى أن يتم عمل مسح للسكان من أجل قياس مستوى السمع لديهم، والتأكد من وجود أو عدم وجود ضعف في العصب السمعي لديهم.
وعدا عن الضوضاء الناجمعة عن المصنع وتأثيرها الكبير، لم ينسى رئيس مجلس بلدي قلنديا رأفت عوض الله الإشارة إلى مصادرة المصنع لمساحة شاسعة من أراضي القرية.
وأكد عوض الله، أنهم تقدموا بشكوى لسلطات الاحتلال حول كمية الإزعاج المنبعثة من المصنع، دون أي آذان صاغية.
حول المصنع الاستيطاني
وبحسب المعلومات التي جمعتها "الحدث" من مصادر عبرية، فإن مصنع "MATA" يوفر خدمات الصيانة لطائرات سلاح الجو والزبائن الأجانب، ويغطي مساحة قدرها 215،000 متر مربع في منطقة "عطاروت" الصناعية، المتاخمة للقرى العربية.
ويعمل في المصنع 270 موظفًا، ويوفر المصنع خدمات الصيانة على جميع المستويات للمروحيات، بما في ذلك إصلاح المروحيات بعد التصادم، وتحديث أنظمة ومكونات المروحيات.
وأضافت المصادر العبرية أن المصنع قادر على تنفيذ برامج تحسين المروحيات، بما في ذلك تركيب أنظمة الكترونيات الطيران، مثل ترقية مروحيات ياسور 2000 إلى سلاح الجو.
وكانت شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية (IAI) قد خططت لنقل مصنعها إلى مركز الشركة في مدينة اللد داخل الأراضي المحتلة عام 1948، في مطار "بن غوريون".
إلا أن المصادر العبرية أكدت أن حكومة الليكود خلال فترة بنيامين نتنياهو قد منعت ذلك على أساس تعزيز الصناعة في القدس المحتلة.
كوارث بيئية من "عطاروت"
رئيس مجلس قروي قلنديا رأفت عوض الله، قال إن هذا المصنع هو جزء من مجموعة مصانع "عطاروت" التي تؤثر على القرية، من ناحية الضوضاء، والدخان المتصاعد الذي يؤثر عليهم بشكل بيئي وصحي.
وزارة البيئة في حكومة الاحتلال الإسرائيلية أشارت إثر انتهائها من عملية فحص طويلة لجودة الهواء جرت في في محيط المنطقة الصناعية الإسرائيلية بالقدس المحتلة "عطاروت" إن تلوث الهواء خلال عام 2016 ، كان أعلى بكثير من المسموح به عالميا خلال نحو ثلثي أيام السنة.
وبحسب معطيات مجلة آفاق البيئة والتنمية الصادرة عن مركز معاً للتنمية البيئية، فإن المجمع الصناعي "عطاروت" يتميز بالعشوائية التنظيمية ويفتقر للإدارة الفعالة، كما أن مستوى صيانة المساحات العامة والطرق وساحات المصانع متدنية جدا.
كما تبين لمجلة أفاق بحسب ما أعلنت في تقرير سابق لها للكتاب المتخصص في الشأن البيئي جورج كرزم بعنوان "مستويات تلوث مرتفعة في محيط المنطقة الصناعية الإسرائيلية عطاروت تهدد صحة الفلسطينيين"، أن بلدية الاحتلال لا تبالي بالنواحي الصحية والبيئية العامة لهذا المجمع، وانعدام برنامج معالجة لتحسين الحالة البيئية وتقليل تلوث الهواء، ومثل هذا البرنامج يفترض أن يشمل تخطيطاً للمراقبة والإنفاذ من قبل فرق التفتيش البلدية؛ بما في ذلك إمكانية استخدام الكاميرات لغرض الردع والإنفاذ والتنظيف المستمر للطرق.
يشار هنا إلى أن أكثر من نصف أراضي قرية قلنديا تقع ضمن حدود بلدية الاحتلال ومناطق C، وبالتالي فإن المسؤولية عن صحة المواطنين هناك تتحمل مسؤوليتها أولاً وأخيراً سلطات الاحتلال الإسرائيلي.