أفكر دوماً بكلمة " التطبيع " ماذا تعني ؟! هل تعني الهزيمة أم الاستسلام ؟! أم هي كلمة تعبر عن الخيانة ؟! وهل هي خيانة عربية فقط أم خيانة فلسطينية أكبر ؟!
كانت بداية التطبيع عام 1978م عند توقيع اتفاقية كامب – ديفيد بين مصر و الاحتلال الصهيوني , لبدء علاقات سياسية و اقتصادية وثقافية واجتماعية بين الدول العربية والكيان الصهيوني ليتعايشوا تحت ظروف طبيعية متناسية الدول العربية فلسطين تاركينها خلفهم تقاوم وحيدة هذا الكيان .
استمر التطبيع العربي – الاسرائيلي بل وزاد كثيرا بعد اتفاقية كامب – ديفيد لتأتي اتفاقية " مدريد " و زيارة مجموعة من الكويتين للأراضي المحتلة مرورا بالتنسيق الامني بين الكيان المحتل و الامارات العربية المتحدة و مؤخرا و قبل عدة ايام قليلة شهدنا تطبيعا رياضيا عربيا عند مشاركة كل من البحرين و الامارات بسباق " طواف إيطاليا العالمي " والذي أٌقيم في القدس المحتلة و احتفالا بقيام ما تسمى بدولة " إسرائيل " ال70 , احتفل العرب بقيام كيان مغتصب في الوقت الذي يتذكر الشعب الفلسطيني مأساته الفلسطينية " نكبة 1948 " وفي الوقت الذي يستمر به أهالي شعبنا في قطاع غزة بمسيرات عودتهم على الحدود واستشهاد ما يقارب ال50 شخص خلال شهر ونصف .
التطبيع العربي موجود وإن تم انكاره من قبل البعض في الدول العربية لكن الامر المشين و المخجل أن أنتقد هنا التطبيع العربي و أتناسى التطبيع الفلسطيني و الذي بدأ و للأسف في توقيع اتفاقية " أوسلو " عام 1993 فكانت " أوسلو" بداية التطبيع الفلسطيني الذي سرعان ما تحول من تطبيع سلطوي إلى تطبيع شعبوي , نعم ! الشعب أصبح مطبعاً بشكلٍ كبير , ستسألوني كيف ؟ سأجيبكم من خلال شرائنا لمنتجات المحتل , من خلال قيام سواعدنا ببناء المستوطنات , من خلال تلهف الشاب على الدخول للأراضي المحتلة من أجل العمل في المستوطنات وعند أعدائنا , و سأخبركم شكلاً مختلفاً من التطبيع حدثتني به شقيقتي التي رأته بأم عينيها , نحن نعيش في منطقة مصنفة على أنها منطقة (ج) اي اننا تحت حكم الاحتلال بكافة أشكاله و بحكم ذلك يتم تغير القائد العسكري للمنطقة كل فترة و كالعادة يأخذ جولته بصحبة جنوده في البلدة للتعرف على البلدة أكثر , قبل حوالي ما يقارب الشهرين كانت أختي عائدة من عملها في مدينة الخليل و للصدفة كان القائد العسكري الجديد يتجول بمدخل البلدة لتصعق أختي برؤية بعض رجال البلدة يرحبون بالقائد و يسلمون عليه بالقُبل أيضاً ولم يبقى سوى أخذه و جنوده القتلة بلأحضان و القيام بواجب الضيافة العربية على أكمل وجه , لتكن صعقتي بالخبر هذا كبيرة , وفي حادثة أخرى و قبل ايام قليلة يخبرني صديق صحفي تصادف وجوده في البلدة مع اقتحام جيش الاحتلال لها قائلاً " تتبعت اقتحام الجيش للتصوير ولصنع خبر صحفي لأتفاجأ بوقوف شخص بجانب أحد الجيبات العسكرية مرحباً " بجيش الدفاع !! " " , بلدتي و للأسف من أكبر المناطق الفلسطينية تطبيعاً مع المحتل فهم يجاهرون بحبهم لما تسمى " بإسرائيل " لدرجة قولهم بأنها دولتهم الأم ويرقصون على أنغام أغانيهم و لا يفضلون إلا المنتجات الاسرائيلية , أموال وأرزاق أهالي بلدتي تعتمد بشكلٍ كبير على العمالة في الداخل المحتل و ربما هذا السبب الرئيسي لهذا التطبيع الكبير فرزقتهم معلقة بهذا الكيان .
أكتب هذه الكلمات و كلي خجل من هذا المجتمع المطبع والذي لم يفكر ولو قليلاُ بدماء الشهداء اللذين استرخصوا دمائهم في سبيل حرية هذا الوطن , اكتب وكلي حزن على حرية أسرانا اللذين ضاعت خلف قضبان الكيان المحتل الصهيوني , انا هنا لا اتصنع الوطنية أبداً لأني اعرف نفسي جيداً فلقد تربيت على حب هذا الوطن و تقديم أي شيء له , كبرت على بغض كل من يتعامل مع المحتل حتى لو كان هذا التعامل الطريق الوحيد للعيش و اكتساب المال إلا ان حدود الجشع تعدت على دماء شهدائنا و حرية أسرانا .
التطبيع العربي لا يغفر أبداً التطبيع الفلسطيني لان من اعظم الخيانات " خيانة الوطن " , التطبيع برأيي هو خيانة , خيانة لمسيرة نضال مستمرة منذ 70 عاما , خيانة للدماء و اللاجئين و الأسرى , خيانة للطفل الشهيد و للاخت الأسيرة و للصحفي الشهيد و للشاب الجريح الذي فقد احد أطرافه , التطبيع خيانة لا تُغتفر !!