الخميس  28 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

القدس: بين العدمية المحلية والمناصرة العالمية بقلم: نور عودة

وعلامة رفعه الفكرة

2018-05-14 05:29:01 PM
القدس: بين العدمية المحلية والمناصرة العالمية
بقلم: نور عودة
نور عودة

يقول المؤرخ والمفكر الأمريكي اليميني المتطرف دانيل بايبز أن المشكلة في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي هو أن إسرائيل لم يسمح لها بتسديد الضربة القاضية للفلسطينيين وإعلان النصر الساحق عليهم وعلى ادعائهم بحقهم في الدولة وتقرير المصير. ولتأدية هذا الغرض، يروج بايبز لضرورة التخلي تماما على مبدأ حل الدولتين الذي تبناه العالم منذ قرار التقسيم والسماح لإسرائيل بأن تبسط سيادتها على كامل جغرافيا فلسطين التاريخية (من البحر للنهر) حتى يصل الفلسطينيون للاستنتاج أنهم قد هزموا وعليهم أن يقبلوا بالأمر الواقع وبوجود وسيادة إسرائيل. بنظر هذا المفكر العنصري الذي عاد نجمه بالصعود بعد انتخاب ترامب، الفلسطينيون لا يمتلكون حقوقاً وطنية والولايات المتحدة عليها أن تعمل مع إسرائيل لمواجهة التطرف الإسلامي السني والشيعي وعدم الانجرار لأمور ثانوية مثل حقوق الإنسان وحق تقرير المصير وغيرها من المثل التي لا يرى مكاناً لها فيما يخص العرب عامة والفلسطينيين بشكل محدد.

ولغايات تسويق رؤيته المتطرفة هذه، عمل بايبز بتمويل من غلاة اليمين الصهيوني في الولايات المتحدة على استغلال زيادة الأصوليين في الحزب الجمهوري (Tea Party) وتشكيل مجموعة من أعضاء الكونغرس الذين جعلوا من هزيمة الفلسطينيين المعنوية والمادية هدفاً لهم وجدوا في ترامب وطاقمه المتطرف ضالتهم.

في المقابل، في المجتمع المدني الأمريكي وعلى مستوى المنظمات اليهودية اليسارية (مثل Jewish Voice for Peace  و If Not Now)، هناك تحول استراتيجي يحدث في رؤية هذه المنظمات وطريقة عملها وأجندتها السياسية التي باتت لا تعترف بفلسطين وحقوق الشعبي الفلسطيني وحسب بل تطالب بمقاطعة المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية وتنخرط في عمل حملة المقاطعة (BDS) وتعترف بالنكبة وتعتبر أنها جزء من التاريخ اليهودي كما هي جزء أليم من التاريخ الفلسطيني وأن الخطوة الأولى نحو العدالة تتمثل بالاعتراف بجرائم النكبة وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة. هذه الجماعات ليست هامشية بل إن تأثيرها المتعاظم دفع إسرائيل مؤخراً إلى حظر وجودها ومنع أعضائها من الدخول لإسرائيل. على المستوى الشعبي في الولايات المتحدة، هناك ميلاد لتيار يساري تقدمي حقيقي يتبنى مواقف مبدئية مرتبطة بحقوق الإنسان والقانون الدولي وحق الشعوب في تقرير المصير ويعتبر أن الموقف الفصل في هذا الاصطفاف الأخلاقي والإيديولوجي الذي يتبنى المساواة والعدالة الاجتماعية والتعددية وحقوق المرأة والأقليات هو موقف الأشخاص والمؤسسات من القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف في الاستقلال والعدالة والحرية والعودة.

أمام هذين الطرحين المتناقضين في الولايات المتحدة والصراع الحقيقي بين هاتين الأجندتين، هناك تحول استراتيجي من نوع آخر يحدث في الوعي الجمعي الفلسطيني ويهدد إمكانية التفاعل الفلسطيني الإيجابي مع هذه التحولات. في ظل أزمة المنظومة السياسية الفلسطينية وأفول الأحزاب والتنظيمات وتعاظم الانتهازية السياسية الفردية والجماعية، يتسلل للوعي الجمعي الفلسطيني التسليم بالهزيمة وفرضية أن الفلسطيني لا يمتلك من أمره شئياً وبالتالي عليه أن يسلم بأنه لن يحصل على شيء لا تريده إسرائيل ولن يحكمه إلا من تريده إسرائيل ولن ينعم بحق مهما كان أساسياً إلا منحته إسرائيل. هذا الاستنتاج العدمي يستند للإحباط والفراغ الفكري في الساحة السياسية التي تفتقر للدماء الجديدة والأفعال المؤثرة أو حتى الطرح القادر على استنهاض الرأي العام.

في الأثناء، تكشف الأحداث الحالة العربية الرسمية المهترئة ويعري حقيقة موقف الحكومات العربية العاجزة في بعضها والمتواطئة في بعضها الآخر. وإذا ما سلمنا أن المنظومة الرسمية العربية غير قادرة على مواجهة الإدارة الأمريكية بشكل مباشر بسبب ضعفها وتجاهلنا تحالف بعضها الأمريكي/الإسرائيلي، فليس هناك من مبرر مقنع واحد إزاء عجز الدول العربية على اتخاذ موقف واضح تجاه دول مثل غواتيمالا والبراغواي اللتان تعتزمان نقل سفاراتهما خلال اليومين القادمين. الحقيقة هي أن الأنظمة العربية قد تحررت من حرج كانت القضية الفلسطينية تشكل بالنسبة لها في أزمان سابقة وهي الآن لا تخجل من قدس تنهب أو دماء تسيل أنهاراً في غزة أو أعلام لبعضها تجوب القدس المغتصبة احتفالاً بقيام إسرائيل! وعليه، آن الأوان لنا أن نتحرر من أكذوبة التضامن الرسمي العربي الذي لم يعد مستعداً ولومن باب رفع العتب أن يتخذ نصف خطوة انتصاراً للعروبة والقدس. طالما أن شرش الحياء عند هؤلاء قد زال، فلا مبرر لنا في مناشدتهم وانتظارهم ولا تعويل على منظومة تخلت عن قشور الكرامة.

نحن وحدنا عربيا وإسلاميا وهذا شرف لنا. نحن السابقون واللاحقون. نحن المتجذرون في الأرض، نحن ملح أرضها وتفاصيل تضاريسها التي لم يقوى على تشويه روحها أي من الطغاة الذين استوطنوها على مر التاريخ. لنا شرف الوحدة في مواجهة هذا الصلف والإجرام الاستعماري والتوحش الأمريكي في ظل خذلان الأنظمة العربية. الهزيمة تلحق بمن يسلم بها ونحن الفلسطينيون لسنا بمهزومين فهاماتنا عالية وصدورنا العارية تواجه أكثر القوى العسكرية والسياسية توحشاً بكل بسالة وشجاعة. مطلوب الشفاء من وهم الهزيمة المعنوي والارتقاء بالعمل السياسي إلى مستوى التضحيات التي لا يبخل بها أبناء شعبنا للتأكيد على حقهم في الحياة والحرية والكرامة. استمرار الانقسام والوهن السياسي والمناكفات الفصائلية فصل مخجل في تاريخنا وآن له أن ينتهي.

دولياً، نحن لسنا وحدنا. معنا شعوب الأرض وأحرارها ومطلوب منا أن نستيقظ من عدميتنا وسلبيتنا بمحاسبة فصائلنا على أدائها الذي لا يرتقي لمستوى التحدي والاشتباك الإيجابي مع الشعوب التي تقف معنا. افتتاح السفارة الأمريكية في القدس حدث أليم وجريمة أمريكية سيسجلها التاريخ لكنها ليست نهاية المطاف ولا يجب أن تكون.