الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

السيسي فوبيا

2014-06-10 00:00:00
السيسي فوبيا
أحمد زكارنة

بقلم: أحمد زكارنة

 
قد نختلف أو نتفق في تسمية ما حدث ومازال في الشقيقة مصر، ما بين رأي يراه انقلاباً، وآخر يراه ثورة، ولكن ما لا يجب الاختلاف عليه هو أن الإطاحة بحكم حركة سياسية بثيابٍ وشعاراتٍ دينية، هو خير الشرَّين كما قال عمرو بن العاص: "ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر، ولكنه الذي يعرف خير الشرين"، علماً بأن الأمر، من وجهة نظري، لا علاقة له بالمفاضلة بين شر وشر، وإنما هي مفاضلة بين خير واضح وجلي، وشر ارتدى، ومازال، كل أثواب الشرور.
 
إن حركة "الإخوان المسلمين"، وبعكس ما يحاول البعض الترويج لها، باعتبارها حركة لها قواعد شعبية ضخمة، يعترف الكثير منا أنها حركة منظمة إلى أبعد حد ممكن لتعريف التنظيم، ولكنها أبداً لم ولن تكن يوماً حركة لها شعبية واسعة بالمعنى التنظيمي على الأرض، هذا إن اعترفنا أن التنظيم شيء، والمناصرة شيء آخر.
 
أما لماذا تعد الإطاحة بهم خير الشرين، ذلك لكوننا في ظل حكم ديكتاتوري بثيابٍ وشعارٍ ديني، لا يمكن لنا بأي حال من الأحوال أن نعرف ما يمكن أن نسميه حرية، لا على مستوى الرأي، ولا على مستوى الممارسة المجتمعية، لأنها في حكمنا لا يمكن إلا أن ترى نفسها أعلى درجات منا، بدعوى أنهم أصحاب قول رباني، ونحن أصحاب فعل شيطاني، وهذا لعمري قمة الديكتارتورية التي يمكن أن تشهدها هذه الأمة أو تلك.
 
الملفت في الأمر بل والمثير فيه، أن نجد البعض من معشر المثقفين، وبعضهم قومي التوجه، يجاهدون خير جهاد في اثبات أن حركة الإخوان المسلمين، إنما تتعرض لحالة من الإقصاء والقمع والاضطهاد، وكأنها لم تمارس كل ذلك بأبشع صورة ممكنة، ولنا في انقلاب "حماس" والفتك بمعارضها خير مثال، هذا إن كانت الحركة الأم "الإخوان" تتعرض، فعلاً لا قولاً، لما يروج له بوصفه "إقصاء وقمع واضطهاد" ممنهج.
 
فما يجب الانتباه له جيداً، هو تلك المحاولات التي تسعى لإضفاء شرعية ما على تآمر البعض على البعض، بحسب نظرية "الأخوة" البريطانيين "فرّق تسد"، والحديث هنا يرجعني لمقال قرأته قبل أيام للصديق زهير أبو شايب، يطرح فيه سؤالاً يبدو في وهلته الأولى شرعي تماماً، فيما هو لا يمت للشرعية بأي علاقة تذكر، حين يحاول الدفاع عن اتهام الإخوان بالعمالة والإرهاب معاً، على اعتبار أن الأمرين لا يستقيمان في ارتباطهما برأس الحية "أمريكا"، إنما هما أمران متناقضان، العمالة لأمريكا التي تدعي محاربة الإرهاب، وعليه يقول الشايب: فإمّا أن تكون تهمة الإرهاب باطلة، أو أن تكون تهمة العمالة لأميركا باطلة.
 
وهنا يجدر بنا التساؤل، أولاً: لماذا نربط الأمر أو نحله بالرجوع إلى الإدارة الأمريكية، ما دمنا نعتبرها بالأصل عدواً واضحاً ومباشراً؟ وثانياً: من الذي يمكنه أن يقنعنا بأنها بريئة من فعل الأمرين معاً؟ بمعنى أن تربط أو تُسقط هذا الطرف أو ذاك وتحاربه في ذات اللحظة، ولنا في القاعدة خير نموذج في الإنشاء والحرب، فهي من أنشأتها ومولتها، وهي من حاربتها ومازالت، ولكن بعد أداء دورها كما يجب.
 
غير أني لم أفهم تماماً، محاولة الصديق زهير شرعنة انتهازية وانغلاق وعنف الإخوان، بحسب قوله، بأن كلّ الفرق السياسيّة العربيّة إنما تتشابه في ذلك، هل ذلك يعني أنك تعتبر أن الخطأ إلى جوار الخطأ يعني صواباً؟ وهل حالة الإقصاء والقمع والاضطهاد، تمكن هذا التنظيم وحلفاءه المستعربين من تخصيص ملايين الدولارات ومئات النوافذ الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة، فقط لفضح إقصائهم وقمعهم واضطهادهم؟ أم لهذه الملايين ولتلك النوافذ التي كلفت وتكلف الكثير أهداف أخرى؟
 
جميعاً نعلم كمَّ ما يصرف في مثل هذه الحروب القذرة، تماماً كما نعلم لِمَ وكيف شُرعت ومازالت عشرات النوافذ الإعلامية ولصالح من تعمل. إن الأمر لا يعدو كونه محاربة لظاهرة قابلة للانتشار والتوغل عميقاً، لضرب مثل هذه المشاريع الاستعمارية بثيابها الجديدة، والأمر هنا لا علاقة له بالدفاع عن طرف لصالح آخر، وإنما هي علاقة وثيقة بما يمكن تسميته بـ "السيسي فوبيا".