الخميس  28 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

يا أمة العرب... شيء من الغضب، بقلم: عصام بكر

2018-05-20 12:37:52 PM
يا أمة العرب... شيء من الغضب، بقلم: عصام بكر
عصام أبو بكر

 

عندما اشتدت الهجمات التي شنها الجيش الإيطالي ضد المقاومين الليبيين في ثلاثينات القرن الماضي، واتسعت عمليات الملاحقة وتشديد الخناق عليهم؛ كان الثائر الليبي عمر المختار مع مجموعة صغيرة من المقاتلين بأسلحة بدائية يواجهون الاستعمار الأجنبي لبلادهم ويقاتلون بشجاعة فائقة؛ إحدى أهم القوى الاستعمارية في ذلك الوقت دفاعا عن حقهم بالحرية، في الوقت الذي كانت بلاد العرب أو معظمها تتعرض لاحتلالات متتالية بريطانية وفرنسية وغيرها.

ولا أعرف حقيقة وأنا أرى المشهد الاثنين الماضي خلال افتتاح مقر السفارة الأميركية في القدس، وأشاهد على وجوه جموع الناس مرارة المصيبة التي حلت وهم يخرجون  للشوارع تعبيرا عن رفضهم لهذا القرار، لماذا قفزت هذه العبارة "يا أمة العرب ....شيء من الغضب" ضمن قصيدة من الفيلم الشهير حول قصة الثائر الليبي عمر المختار قالتها إحدى السيدات الريفيات البسيطات التي انتحبت، وأطلقت تلك الصرخة المدوية لتتردد على امتداد الصحراء الليبية داعية العرب لمد يد الإنقاذ بعد أن طغى الطغاة، وأمعنوا في مجازرهم بحق الشعب الليبي، وبعد أن عاثوا في الأرض قتلا ونهبا، ربما فرق شاسع بين ثلاثينات القرن الماضي وبين وضعنا الحالي 2018 ، لكن الثابت رغم كل تلك السنوات هو استهداف العرب، وتطويعهم، واستغلال مقدراتهم، لا أتحدث من باب العصبية القومية، وإنما في سؤال التاريخ الملح للشعوب العربية وأين وصلت في التدرج على السلم العالمي مع التقدم الهائل الذي أحرزته البشرية في شتى الميادين، ولا مجال لمبارزة نقدية ومقارنات من هذا النوع في هذا الإطار.

نقل السفارة الموضوع الأساس ودلالات ذلك وهو ما تم قبل أيام استنادا للتوقيع الذي جرى كانون الماضي، وأزيح الستار عن المبنى عشية الذكرى الـ 70 للنكبة، أي تهجير الشعب الفلسطيني قسرا من القرى والبلدات الفلسطينية في الداخل، وظلت آثار ذلك ماثلة حتى يومنا هذا كعلامة فارقة ليس فقط للشعب الفلسطيني بل للعالم أجمع باعتبارها ليس فقط شاهدا حيا، وإنما بوصفها أكبر جريمة إبادة جماعية لمحاولة إلغاء شعب على وجه الأرض، وما الولايات المتحدة بهذا القرار إلا مشجع أول للاحتلال لا لمواصلة احتلاله فحسب، وإنما لمواصلة حرب الإبادة تلك التي كانت محطتها الأبرز ما جرى العام 1948، لا جديد في مواقف الولايات المتحدة حيث القرار تم اتخاذه من العام 1996 في الكونغرس ولكن لم تكن الإدارات المتعاقبة لتقوم بتنفيذ القرار، بل عملت طوال تلك السنوات على التأجيل في كل مرة خشية تأجيج الصراع رغم الدعم الهائل لدولة الاحتلال ماليا وسياسيا وعسكريا، والتعهد الأميركي الرسمي بالحفاظ على التفوق العسكري لإسرائيل تحت ما يسمى التهديد "الوجودي" لها، وأما وقد تم التنفيذ بالفعل وقص شريط الافتتاح في حفل مهيب حضره مئات الشخصيات السياسية العالمية؛ فإن مجموعة من الحقائق تبرز للعيان أيضا في تقديري لا يمكن تجاهلها وهي على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، أول هذه الحقائق هي أن المكانة القانونية والسياسية للقدس كمدينة محتلة وكعاصمة معترف بها من قبل معظم دول العالم لن تتغير بفعل هذا النقل المشين الذي مثل خروجا عن قواعد القرارات الدولية، وقوة الأمم المتحدة وقوانيها،  ثانيها رغم الإحساس بأن الظرف الإقليمي قد يسمح بتمرير مثل هذه الخطوة التي قد تبدو ملائمة وفق المتغيرات التي تشهدها المنطقة، إلا أن المشهد مقدم على متغيرات كبيرة قد تفاجيء الولايات المتحدة مما سيجعلها تدرك أن خطأ فادحا قد وقع وقادم الأيام؛ سيجعلها تدرك بالملموس هذه الحقيقة، وحجم الضرر الذي سيقع من تحالفها مع حكومة دولة الاحتلال، ثالثا صحيح أن العالم العربي ممزق ويعيش حربا أهلية من كل نوع منها ما هو داخلي ومنها عابر للحدود ومنها بالوكالة بدور مشهود في ما يجري للولايات المتحدة وبرعاية كاملة لها مع بعض الحلفاء هنا وهناك، هذا صحيح، وعجلة الاستقرار متوقفة والحروب التي تطحن مستقبل العرب يحتاجون معها لسنوات طويلة جدا قبل الوصول لحالة من الاستقرار المعدوم حاليا، وما زال شبح التقسيم الإثني والطائفي يخيم على العديد من الدول العربية، وغياب التضامن العربي المشترك، ومفردات الوحدة القومية غائبة، إلا أن الحقيقة الماثلة أمامنا أن الطريق ليس مستحيلا، لأن حركة الشعوب العربية لم تنطفيء وما زالت تراهن على تغيير ما قد يأتي ولو بعد حين، في حين البعد الدولي هو الآخر يحتاج لاستنهاض وإعادة بناء العلاقات مع شعوب العالم ولجان التضامن الدولي .

ولو عدنا لمقولة تلك السيدة من القصيدة التي قالتها بصوت مكسور متوجع يعكس مرارة ما تحس به وقد ضاقت بها الدنيا بما رحبت في أقصى الصحراء الليبية قبل نحو مئة عام ولم تجد أمامها ما تستنجد به سوى العرب، في مقاربة تعيد للأذهان مقولة سيدة أخرى في زمن آخر في بلاد الرافدين "وامعتصماه" بعدما أحست بالظلم وحالة القهر فأطلقت من أحشائها مستغيثة مناجية ربما مستجدية، فالحال اليوم أشبه بالأمس في ليبيا نفسها استغلال موارد البلاد، ونهب لنفطه وثرواته ومقدراته، تقسيم للأرض، وحروب داخلية ومستوردة لضرب وحدة البلد، أما في فلسطين فإن القدس يجري تهويدها وتغيير معالمها وطابعها وتراثها ومقدساتها، وأمام العالم يدشن مبنى سفارة الولايات المتحدة على أرضها، ليس هذا فحسب بل بوصفها "العاصمة الموحدة" كما قيل في حفل الافتتاح ليضيف "إسرائيل صاحبة الوصاية على القدس في الماضي والمستقبل" في مس غير مسبوق بمشاعر المسلمين والعرب الدينية والقومية والإنسانية، وخروج فض عن أبسط قيم العدالة والحرية والضمير الجمعي للبشر كبشر.

ماذا قصدت تلك السيدة الليبية عندما قالت "شي من الغضب" هل كانت تعرف أن عمق الأمة العربية وإمكاناتها الهائلة قادرة على فعل ما تتمناه!! فقالت شيء !! أي مجرد شيء بسيط من الغضب، لأن العرب بإمكاناتهم لو توحدت واستثمرت وأحسن استخدامها فإنها ستجعلهم أي العرب من أقوى اللاعبين على الساحة الدولية، وتضيف وزنا لا يمكن لأحد القفز عنه!! أم أن تلك السيدة أطلقت مقولتها من شدة اليأس من كل ما هو حولها! أي أن المعنى العكسي الاستنكاري لفقدان العرب وكأنها تقول أين العرب؟؟  تماما كما تصرخ القدس اليوم في محاولة لإيجاد مواقف للعرب والمسلمين للوقوف معها ودعم صمودها فلا تجد أحدا !! ولا أحد يرتقي لمستوى الحدث فالقدس لا تريد نصيرا يرفع الظلم عنها ولا تنتظر صلاح الدين يحررها بقوة الجيوش، فهي تعلم أن هذا مستبعد الآن والعرب كل يغرق في قضاياه الذاتية والآنية على حساب العام والوطني والقومي والمستقبل، هي تريد ربما بعض المواقف أكثر جدية ليس اجتماعا للمندوبين الدائمين للجامعة العربية، وتريد تفعيل ما جاء في قمة عمان 1980 القاضي بقطع العرب علاقاتهم بأي دولة تعترف بالقدس عاصمة للاحتلال أو تنقل سفارة بلادها إليها القدس تريد وتريد وتريد؟؟؟  ربما هذه ترجمة لمقولة تلك السيدة الليبية بحدها الأدنى التي لو كانت موجودة اليوم لقالتها من جديد مع نساء القدس اللواتي يدافعن عن شرف الأمة العربية وحيدات في أزقتها وحواريها وبواباتها أمام جنود الاحتلال المدججين بكل أنواع الأسلحة.. ربما لقالتها قهرا وأملا ولكن لا حياة لمن تنادي.

الزحف الهادر نحو القدس بعشرات الآلاف على بواباتها الذات الفلسطينية المعتمد عليها دوما في كل المحكات والأزمات لا تفشل من الداخل سيرت الحافلات لتعبر الحواجز وتشق طريقها حيث كان أبناء المدينة المقدسة يهتفون "موطني" على مقربة من المحتفين بافتتاح السفارة، ووصلت الأصوات آذانهم، بالونات غطت سماء القدس وزينتها بألوان العلم الفلسطيني، وعلى حاجز قلنديا شمال العاصمة المحتلة، وبيت لحم جنوبا وفي غزة الجريحة المكلومة وكل الضفة والشتات والمنافي هبت جموع الشعب الفلسطيني تشارك لحظة الألم والأمل باللحم الممزق على تخوم السياج الفاصل مع غزة رايات في الكرامة على الحدود الأردنية وقلعة شقيف جنوب لبنان، كلها ليست مهرجانات وأنشطة رافضة فقط لنقل السفارة، ومؤكدة على حق العودة، بل هي تعبير حقيقي عن إرادة شعب لحتمية العودة للديار وإن طال الظلم والسنين، وهي استفتاء حقيقي على وحدة الشعب في كل أماكن تواجده بأن هذا الحق لا يسقط بالتقادم باعتباره حق طبيعي فردي وجماعي مكفول بقوة الشرعية الدولية وقراراتها بما فيها القرار الشهير 194 .

هذا الحراك يجب أن يستمر رغم بشاعة المجازر الدموية، ولكن نريد ظهيرا عربيا مساندا، فيا أمة العرب شيء من الغضب فالشعوب العربية المنشغلة في أتون القهر الدامي اليومي، وأمام ما تعيشه من ويلات الاقتتال ما زال الرهان من جديد عليها، وهي لا بد لها أن تصحو يوما !! ليس تغنيا بأمجاد غابرة بل نبوءة محققة ولو بعد حين، هذا الحلم ليس رومانسيا أمام صورة سوداء يحاولون أن يغلفوا لون القدس بها،  بل صورة أمل وإن زهرا يتفتح في بستان الجيل الجديد جيل ما بعد النكبة، حيث القدس بكل ما فيها تصون الحلم وأن للعرب كلمة لم يقولوها حتى الآن، ربما هذا الوقت المناسب لذلك فنحن رغم مرارة النكبة ودخول الجيوش العربية لتحرير فلسطين وبدلا من ذلك زرعت فيها كيانا أكمل مهمته العام 1967 باحتلال الجزء المتبقي منها أيضا مع تدخل العرب قبل ذلك لتحرير الجزء المحتل 48 ليضاف إليها احتلال الجولان وشبه جزيرة سيناء، فنحن لا نريد جيوشا تحررنا ولا أموالا نقايض بها حقوقنا ولا مواقف رسمية معلنة بالرفض ومواقف تحت الطاولة تؤيد بل نريد ببساطة استعادة بعض الكرامة العربية بوقف التطبيع مع الاحتلال المعلن والمخفي، إغلاق المكاتب والبعثات وطرد سفراء الاحتلال، وإزالة أعلام الاحتلال من عواصم العرب، ومنح الشعوب حق التعبير عن ذاتها  نريد شيء من الغضب كسر الصمت المطبق شيء من غضب يا أمة العرب .