الحدث ــ محمد بدر
لو كان هناك ثورة والرئيس محمود عباس قائدها، لما وجدنا هذا الارتباك في التعاطي مع قضية مرضه لأن الثورة ستكون الرسالة، ولو كان هناك حالة سياسية حقيقية ونظام سياسي متوازن لما وجدنا ذات الارتباك، لأن المؤسسة ستكون وقتها كفيلة بسدّ الفراغ.
متابعة سريعة للأخبار التي تتحدث عن مرض الرئيس عباس، ستجد صنفا من الناس فرحا لدرجة أنه يلجأ للدعاء لكي تنتهي حقبة في التاريخ الفلسطيني اسمها محمود عباس. عمليا؛ هؤلاء مرضى بداء الأشخاص، وهؤلاء مرضى الانتقام. وبشكل عام فإن المرض العام الذي أصاب قضيتنا هو أوسلو، وهذا المرض الفعلي (أوسلو) الذي أصيب به الرئيس ومن يتمنى له اليوم دوام المرض الجسدي، ولولا أوسلو لما كانت تلك الأمنيات.
أوسلو أعمى أعيننا عن الحالة ككل وعن المرض الكبير الذي أصاب الجسد السياسي الفلسطيني، وجعلنا في سباق محموم نحو قيادة "نظام سياسي" من مفرزات المرض الأوسلوي، وفي السباق نحو الاستحواذ بالنظام السياسي تكثر الأمنيات بالحياة والموت في مأتم وطني كبير.
وبكل وضوح، فمن يتمنى موت الرئيس هم من صافحوه واتفقوا معه على تقاسم السلطة، وهم الذين لعنوا أوسلو والتحقوا به ويحاولون تزييف التحاقهم بأوسلو بشعارات غريبة عن واقعهم العملي، ويريدون رسم واقع ذهني مغترب عن الواقع السياسي لهم. والسؤال: ما هي مشكلة الرئيس عباس؟ قيادة سلطة تعيش تحت ظل الاحتلال؟ ألستم من زبائن هذه السلطة ومن الملتحقين بمؤسساتها؟ ألا تعلمون أن التفاهامات الأمنية سبقت أي حديث آخر في أوسلو، فلماذا أصبحتم ركنا في مؤسسة جاءت نتيجة تفاهمات أمنية وسياسية مع الاحتلال ومن ثم اختلفتم؟
في تعليق غريب، كتب أحدهم: "اللهم اشفه.. ولنا في رسول الله أسوة حسنة، عندما زار جاره اليهودي عندما كان مريضا"؛ ولو لم يكن اليهودي في وعينا هو ذلك المحتل لكان التعليق ممتاز، المساواة بين فلسطيني وبين يهودي يحتل أرضنا هذه مصيبة كبرى مهما تجملت المفارقة بالدعاء الإنساني المسبوق، وإذا كان يقصد صاحب التعليق أن اليهودي كان جار الرسول وابن وطنه فلا مشكلة في التعليق بهذا المستوى من تقبل الاختلاف.
وحتى تتضح صورة الوضع الصحي للرئيس عباس فإن على كل فلسطيني التفكير بالمستوى الغريب الذي وصلنا إليه، بحيث أصبح الفلسطيني يرى في المرض أداة من أدوات الاحتجاج والمناكفة والتضارب. علينا أن نفكر في المرض الكبير، مرض السلطة الذي لم ينجو منه أحد في الواقع الفلسطيني سوى فصيل واحد.