ثلاثة مجالس وطنية عقدت على أرض الوطن، الأول في غزة لإلغاء بنود من الميثاق بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، والثاني في رام الله، وكان بمن حضر لتفادي فقدان نصاب اللجنة التنفيذية، إثر وفاة أحد أعضائها الدائمين وهو الدكتور سمير غوشة. والثالث عُقد في قاعة أحمد الشقيري مؤسس منظمة التحرير وكان هدفه كالذي سبقه، إنقاذ نصاب اللجنة التنفيذية، مع تعديل في العنوان هو " إنقاذ الشرعية" مضافا إلى ذلك القدس.
وقائع المجلس الأخير أثبتت أنه كان الأضعف من بين جميع دورات المجالس التي سبقته، ليس فقط من حيث مقاطعة فصائل رئيسية له؛ وإنما بفعل فقر المجلس لمجالات حيوية كانت تميز المجالس السابقة، فرغم دقة المرحلة السياسية من كل النواحي؛ إلا أن نقاشا سياسيا لم يحدث على الإطلاق، فقد ألغيت ولأول مرة في التاريخ اللجان التي كانت تجري فيها كل النقاشات السياسية والثقافية والإدارية والعسكرية والمالية.
وهذا جعل من الدورة التي حملت الرقم "23" مجرد منبر للخطابة من اليوم الأول حتى اليوم الأخير.
ويتحمل كامل المسؤولية عن هذا الخلل الجوهري رئيس المجلس الذي خضع كليا لأهواء الذين أعدّوا للمجلس، فصار دوره مجرد سكرتارية تنفيذية، وبذلك أجهزت الرئاسة على دورها بيدها.
الخلاصة الأهم التي أفرزتها الدورة الثالثة والعشرون هو تراجع دور ومكانة المجلس الوطني، وبالتالي منظمة التحرير، لمصلحة تقدم مكانة السلطة حيث ما لا يقل عن تسعين بالمائة من أعضاء المجلس هم موظفون في السلطة، ولا مساحة لديهم لقول رأي يخالف توجيه رؤسائهم، وبفعل ذلك فقد المجلس أهم خصائصه التي تميز بها منذ تأسيسه وهي قوة الحوار وحيوية التعددية الفكرية السياسية، وظهور معارضة شرسة أقنعت العالم بجدارة المجلس الوطني في أن يكون برلمانا حقيقيا لشعب حي.
كان المجلس الأخير مجرد استنساخ لكل عوامل ضعف منظمة التحرير، وإن تجديد دور الفصائل دون أن تتجدد، هو تثبيت للقديم وابتعاد مطلق عن أي تجديد في أي اتجاه، ولقد اكتشف الجمهور الفلسطيني ذلك بصورة أكثر ذكاء ودهاءً من الطبقة السياسية الخالدة المخلدة في الواجهة العارية عن أي عمق، ولهذا لم يتفاعل الجمهور معه لا في مرحلة الإعداد ولا في مرحلة الانعقاد ولا في مرحلة النتائج.
التطور الأبرز الذي قد نرى تجسيده في قادم الأيام، هو نقل جميع صلاحيات المجلس الوطني إلى مجلس مركزي يجري تعيينه وفق القواعد القديمة، ومع أن مجلسا كهذا سيكون بمثابة جهاز من أجهزة السلطة؛ إلا أنه لن يكون بأي حال أفضل من المجلس الذي سبقه والذي عرف عنه بأنه صاحب القرارات التي لا تنفذ.
لا أعرف مدى جدية العمل لإنجاز مجلس وطني جديد منتخب على الأقل في دائرة الوطن وحيثما أمكن، إلا أنني أشك في حدود ذلك بعد أن أثبت القائمون على المجلس الأخير أنهم يكرهون ذلك الاختراع الشيطاني المسمى بصندوق الاقتراع.