الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

رحنا ع الأقصى واشترينا ألعاب ‏ / بقلم: رانية غوشة

2018-05-26 02:08:49 PM
رحنا ع الأقصى واشترينا ألعاب ‏ / بقلم: رانية غوشة
رانية غوشة

 

 

أترونهم؟ من هناك من بعيد يترجلون من باص أبيض وغيره أخضر وآخر أزرق، ومنهم من نزل من "فورد" أو ميكروباص أبيض. بل إن منهم من دفعه الشوق ليترجل قبل الموقف بكثير.


تتوقف الحافلات في المواقف فيهرولون في كل حارة أفواجا أفواجا. منهم من اختار شارع صلاح الدين ليحظى برؤيةٍ بهية لباب الساهرة، ومنهم من دخل من شارع الزهراء، ومنهم من قدم من وادي الجوز مرورا بمسجد عابدين.


لقد أتوا من كل حدب وصوب ومن كل عمر وشكل. عباءات سوداء أو بنطالونات مع قمصان طويلة بملابس صلاة في حقيبة.


رجال تتنوع لديهم درجات الأناقة ومنهم من اختار جمال الدشداشة البيضاء في يوم جميل كهذا.


تمشي بجانبهم وتسمع كل لهجة تخطر ببالك، من عكا "إسة" إلى جنين "هسة" مرورا برام الله "هلأ" إلى الخليل "هئيتي".


يا لجمال لهجاتك وَيَا لجمال أبنائك وبَنَاتِك  وَيَا لفرحتك يا قدس .


احتفلوا بك كما احتفلت بهم، طافوا شوارعك فاحتضنتهم بحب ودفء في ربوع أقصاك. دخلوا من كل باب؛ الملك فيصل الغوانمة وطبعا  باب الأسباط معطرا بعبق النصر وغيرها.


ما إن تطأ أقدامهم ثرى أقصاك الطيب حتى تنطلق عيونهم بحثا عن رقعة صغيرة يرونها الأجمل يرونها الأخشع يرونها الأكثر ثوابا لعلهم حتى يرونها الأقرب إلى الجنة.


لا يأبهون بحصى مبعثرة تحت أقدامهم ولا بأشعة شمس تحرق جباههم، وإذا نسوا سجادة صلاتهم تلحفوا بلاطك المشرق.


استودعوه أدعية ادخروها ليومهم هذا، استمعوا أم لم يستمعوا لخطبة الخطيب.. لا يهم.. فقد أمموا بعد دعائه اللهم عليك بالظالمين.. آمين.


في منتصف الخطبة وصلت لتجلس بجانبي تلبس عباءة سوداء ومعها ولدان، الأكبر يبلغ ما يقارب الأربع سنوات أشقر الشعر حنطي البشرة أسود العينين خليط غريب، وكذلك أخوه الذي يصغره بقليل مع عينين خضراوين وبراءة تتحدى المحيط. تشبث الكبير بكيس مليء بالألعاب أما الصغير فتشبث بعجلة ملونة جديدة. وأشارت إليهم بعينيها الورعتين ألّا يحدثا صوتا أثناء الخطبة.

 

حاولتُ أن لا أتأملهم بغية الخشوع والتركيز في الخطبة ولكن لم أستطع. رأيت ذلك البريق في عيونهم بانتظار انقضاء الصلاة للانقضاض على كيس الألعاب! قاوموا في البداية ولكن لم يصمدوا فبدأوا "يكعكشون" بالكيس وبدأت أشعر بالامتعاض قليلا! وسرحت أفكر كم يحمل هذا الكيس لهم من معاني.. غادروا بلدتهم ربما لأول مرة في حياتهم وركبوا الباص.. نزلوا ومشوا حتى وصلوا دكان الألعاب في البلدة القديمة ورأوا أحلامهم تتحقق، ثم وصلوا الأقصى الذي كم سمعوا عنه من بعيد. يا لها من رحلة وَيَا لها من سيارة بلاستيكية جميلة بيضاء داخل كيس "يخشخش" يحمل ذكرى لا تنسى "رحنا عالأقصى واشترينا ألعاب".



لقد صلينا في الأقصى