الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"كانت الحياة حلماً جميلاً".. أبو ربيع وداعاً/ بقلم: جمال زقوت

2018-06-02 11:35:40 AM
جمال زقوت

 

كنت لنا الأخ الذي لم تلده أمنا بل و أكثر،

و كنت نموذج الانسان الأنقي الذي عرفناه و مع كل صباح كانت تتوطد صداقتنا بالوفاء الكبير الذي علمتنا اياه بدماثة و رجولة نادرتين.

كنت الصديق و رفيق درب طويل قل نظيره،

كنت القائد الذي يحدد طبيعة اللحظة و القدرة على النصر و دونها الشهادة بشرف و كبرياء أيضاً نادرين. قررت لحظة الاستشهاد و ودعتنا بشجاعة المقاتل و القائد الأشجع الذي لا يهاب الشهادة ، بل يسعى إليها مبتسماً ، و أنت الذي قاتل لأنه أحب الحياة،و لم يبخل في الاستمتاع بكل تفاصيلها الجميلة .

عرفتُك في بيروت قبل أربعين عاماً،و ظلت ذكراك الجميلة و وفاءك الأجمل يكبران معنا في تجربة ممتدة قدمتها بشجاعتك و عمق صفاء روحك و صلابة معدنك بأفق و طموح سقفه السماء و كبرياء الرجال الرجال .  حينها، ودعت أنت، و ثلة متميزة من قادة الجبهة و القوات المسلحة الثورية تقدمهم القائد ممدوح نوفل و سالم دردونة و غسان عبود ، رفيق دربك حاملاً نعشه على أكتاف ابطال لا تحمل مودعة و مشيعة سوى بطل قدم نموذجاً في الشجاعة و التضحية بما تستحقه فلسطين الوطن و الشعب و الهوية. رأيت فيك منذ تلك اللحظة نموذجاً و بطلاً مستعداً للشهادة من أجل الحياة التي أحببتها ، و من أجل السعادة التي كانت تشع من عيونك الصافية الجميلة . بنيت و رفيقة دربك أم ربيع أجمل أسرة و أنقى علاقات إنسانية مع كل من عرفتم. إكتسبت إحترام الجميع بتواضع و عزة نفس المناضلين من أجل الحياة و الحرية و الكرامة .لم تسعَ يوماً لرتبة أو منصب ، و لن أنسى أيها المناضل ،و القائد الحقيقي الذي يصنع الموقع و لا تصنعه الألقاب و المواقع، عندما تحفظت على رتبة العقيد التي كنت تستحقها و بجدارة ، فقط لان رفيق دربك الشهيد عبد المعطي السبعاوي الذي اخترت العمل معه في تأسيس الشرطة في غزة كان يحمل تلك الرتبة و انك ستعمل تحت قيادته فقلت لي كيف سيكون ذلك ؟ و أصريت فقط على رتبة المقدم، الامر الذي أذهل حينها رئيس هيئة الادارة و التنظيم، فهي سابقة لم تتكرر في العسكرية الفلسطينية .أرجوك يا أخي الذي عوضني فقدان أخي الأكبر و حاجتي لأخ أعود له ألَّا  تخبر  ممدوح و أبو عدنان و خالد نزال  و مراد و عاطف سرحان و الحاج سامي و أبو محمود و أبو عماد الفوريكي و أحمد الكيلاني و بشير و كل الشهداء الأحبة على قلوبنا بما يحل بنا من غيمة قاتمة لن يهدأ للمناضلين الذين صنعوا الأمل و فكرة الثورة بالاً قبل أن يزيحوها من عين العاصفة التي تلبد سماء قضيتنا ، و عهد شعب الشهداء بمواصلة النضال حتى تحقيق  الأهداف التي قضوا من أجلها ، و أرجوك أن تخبرهم بما قلته لنا و أنت تودع الحياة بشجاعة خارقة لا يمتلكها سوى أبطال الأساطير بأن " الحياة كانت حلماً جميلاً " .فبك و بحضورك الطاغي بالانسانية و الحب كانت لنا واقعاً أجمل ،و لا أدري كيف ستكون بدونك ، هل سنحتمل وجع الغياب من بعدك  ؟! فقد استعجلت الرحيل ، و كأن قلبك الجميل لم يحتمل ما يلم بنا. عزاؤنا العظيم هو جمال أسرتك نبيلة و ربيع و رولا و رامي وريم و فداء و فؤاد و جود و أحمد الصغير و كريم الجميل الذي سيتباهى يوما أنه يحمل اسمك المقاتل و عنوان المهمات الخاصة التي لابد أن يأتي يوم لتُوثق و تُؤرَخ ، فتاريخ ثورة شعبنا و انتفاضاته المتواصلة فيه من الصفحات الناصعة التي يفتخر بها و من حق الأجيال أن تتوارثها لتزودهم بالأمل في حلم النصر الذي سيتحقق يوماً ،لهم جميعاً و لأهلك و جميع أشقائك و شقيقاتك و رفاق دربك القابضين على الفكرة من كافة القوى المناضلة و زملاء العمل أينما عملت خالص العزاء. لك منا نحن أصدقائك العهد أن نكون معهم ، و خاصة أسرتك الصغيرة و أصدقائك المقربين ، و نسهر على راحتهم و نحمي أحلامهم في الحرية و الكرامة كما نحمي حبات العيون !

بكتك فلسطين يا "عبد الكريم * "كما بكاك كل موقع و كل ثغر و كل مدينة قاتلت فيها و ناضلت من أجل حرية فلسطين و كرامة شعبها .

ستظل ذكراك عطرة ندية فياضة بالحب و الكرامة و الابتسامة التي لم تفارق محياك ، و ستظل الحياة حلماً جميلاً يا رفيقي و أخي .

التحق عبد الكريم مبكرا في صفوف الثورة الفلسطينية مناضلاً و فدائياً في صفوف الجبهة الديمقراطية و خاض معارك الدفاع عن الثورة في كل محطاتها و مواقعها و كان عضواً متقدماً في القيادة العسكرية لقواتها المسلحة الثورية ، ثم ساهم في تأسيس الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني فدا و كان عضوا في لجنته المركزية و مكتبه السياسي . عاش و رحل من أجل فلسطين و سعادة أجيالها.

 أحب الحياة و قاتل من أجلها ، و واجه المرض بشجاعة نادرة حتى  اسلم الروح بكرامة الفدائي الذي ترجل واقفاً.

ذهبت نحو أبديتك، فبت حاضراً بكل تفاصيل ذكراك ! "كانت الحياة حلماً جميلاً"؛ فهل حقاً سيظل هذا الحلم جميلاً كما كان  ؟!

ابو ربيع عبد الكريم وداعاً .

* عبد الكريم هو الاسم الحركي للراحل الكبير اللواء أحمد رزق" أبو ربيع" . تدرج في مواقع القيادة العسكرية إلى أن تولى قيادة الدفاع المدني قبل أن يتقاعد .