الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حين يقف الرئيس عباس واعظا بالدين وتعتقل الشرطة المفطرين

2018-06-07 04:01:30 AM
حين يقف الرئيس عباس واعظا بالدين وتعتقل الشرطة المفطرين
مقهى في رمضان (تعبيرية- تصوير: الحدث)

الحدث ــ محمد بدر

أثار اعتقال عدد من "المفطرين في رمضان" من أحد مقاهي رام الله ردود فعل غاضبة وأخرى مؤيدة، وتوزعت الحجج بين الطرفين ما بين احترام الحريات إلى احترام الشعائر، وما بين الاحترامين يعيش القانون المدني في الدول العربية حالة لا توزان تنعكس سلبا على مجمل التعاطي مع القضايا ذات الأوجه المتعددة خصوصا القانونية الإجتماعية.

والغريب أن من احتج، احتج لمجرد رؤيته لعملية الاعتقال، ولم يثره الأمر عندما أعلنت الشرطة عن قرارها تطبيق القانون في مسألة اعتقال كل من يثبت إفطاره جهارا في رمضان.

إنه القانون؛ سخيف عندما يذكر ومثير عندما يطبق، هكذا نحن في دولة بلا ملامح يكون القانون فيها أحيانا بمثابة قرار والقرار بمثابة قانون وكل شيئ يسير بتلك الغرابة متزنا.

يقودني المشهد السيادي الكبير في اعتقال المفطرين، إلى مشهد سيادي آخر رأيته وعايشته قبل 10 سنوات، كانت مجموعة من المفطرين في مكان ما تجاهر بالإفطار كتعبير عن السيطرة والتحدي، كان الإفطار وقتها وسيلة من وسائل إثبات الوجود، واليوم ينسحب الأمر على فرض الصيام كوسيلة من وسائل إثبات الوجود كما يبدو.

لأي نظام سياسي مظهران مهمان من مظاهر السيطرة، خطاب سياسي تحتكم إليه الجماهير ويحكم تصوراتها، وقانون يشعرك دوما أنك محكوم لدى الحكام، على الأقل هذا الشعور المراد خلقه في دولنا العربية من خلال القانون، خاصة وأن قانونية الدولة ككل هي في ساحة الشك.

في الحالة الفلسطينية، لا بد من ملاحظة أمر مهم جدا، وهو لجوء السلطة الفلسطينية إلى خطاب عاطفي روحي عميق. الرئيس الفلسطيني يبدأ حديثه بالقرآن ويستشهد على حديثه بالآيات والأحاديث، وبالإضافة لمظاهر تأثر خطابه بالدين، فإننا نرى استعارات كبيرة بالتاريخ وأحداثه ومعاييره، حتى أصبحت خطب الرئيس دروسا في الدين والتاريخ.

هنا نواجه عقم الشرعية السياسية لا أكثر، فحين تجد المؤسسة السياسية نفسها فاقدة للمعنى والسلوك السياسي الحقيقي الذي يشعر به الناس ويؤيدونه، تلجأ تلك المؤسسة لخطاب عاطفي من باب تجديد شرعيتها من بوابات عاطفية روحية.

كما إن الزخم الشعبي للحركات الإسلامية، جعل النظام السياسي الفلسطيني وحزبه الرئيسي، على قناعة أن الاستعانة بأدوات الإسلاميين أمر مهم في اكتساب الرضى الشعبي، خاصة وأن الإسلاميين يحاولون الظهور بمظهر الممثل الحصري للدين الإسلامي، هذا الدين الذي بدأ يكتسب حيوية سياسية مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران ومع فشل الأنظمة العلمانية في اكتساب الشرعية الجماهيرية الحقيقية.

إن نموذج خطاب الإسلام السياسي أصبح مقنعا لهذه الأنظمة، التي تريد من جهة تفكيك وكالة الإسلامين للإسلام، ومن جهة تريد تحقيق الوصول إلى الجماهير عبر أطر حضارية عميقة.

وكثيرا ما نرى في "الخطاب الكنعاني" للرئيس محمود عباس، خطابا متناقضا، فهذا الخطاب الذي لا يتناسب مع سلوك السلطة الفلسطينية السياسي في موضوع الإعتراف بإسرائيل، يتناقض والرؤية السياسية للسلطة، هذا الخطاب التاريخي الكنعاني مهمته التبرير في القواعد الشعبية، وكما قال لي أحد المبررين يوما: "نحن نقول حيفا المحتلة، ولكننا نوافق على دولة إسرائيلية تشمل حيفا، نقول حيفا لأقنعك وغيرك أننا نشبهك، ونعترف بالدولة الإسرائيلية لنقول للعالم أننا لا نشبهك ولا نشبه غيرك بل نشبههم".

إن اللجوء للدين والتاريخ هو ليس بمثابة احتكام منهجي لهذين الكبيرين، بقدر ما هو استعانة بأثرهما الجماهيري، إلى جانب تحقيق السيطرة من خلال الدخول لأبواب محببة. استطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة الحدث أظهر أن الغالبية الساحقة هي مع اعتقال المفطرين في رمضان جهارا، هذه الغالبية أعطت زخما للسيطرة ومبررا شعبيا لها وعلى ذلك يمكن القياس.

لكننا لا نريد أن تتوزع ضوابطنا ما بين حضاري كبير وعشائري ضيق بعيدا عن قانون مدني يحفظ للجميع كرامته وحريته، وقد يقول البعض أن اعتقال المفطرين منصوص عليه بالقانون، وهنا نقول بعيدا عن الاعتراض عليه ولماذا تطبيقه الآن؟.

مظهر اعتقال المفطرين، ودروس الدين على منصات السياسيين، رسالة مهمة أيضا من قبل السلطة للأوربيين والمانحين، بأن لا تتوقعوا منا ليبرالية في ظل شح الدعم، ولن نستنسخ قوانينكم وأنماطكم دون مقابل، وسنعود قبليين يحكمنا الدين في ظل قلة المورد.. السلطة عمليا تحاول العودة لوجدان الشعب بعد أن أصبح العالم يتحدث عن شرعيتها.