عندما بدأت الاحتجاجات على الأوضاع الاقتصادية في الأردن تتصاعد، كان لا بد لنا أن نعرف أن الأمر سيصل إلى هناك، فقبلها بأشهر قليلة، وخاصة مع بدء التسريبات بشأن صفقة القرن، بدأت مجموعات "مشبوهة" من النشطاء على الفيسبوك، بالترويج سلبا ضد النظام الهاشمي، وملكه وملكته وحكومته، وبدأت أصوات تلك المجموعات تتساوق مع منح الشرعية لإسرائيل.
الحراك الذي حدث في الأردن هو بلا شك حراك جماهيري وطني بامتياز، لكنه في نفس الوقت حراك سمح لأصوات لها نوايا أكثر من سيئة، بالخروج إلى العلن للتشكيك في النظام الحالي، من خلال التشكيك في الملكة رانيا، ذات الأصول الفلسطينية، لتكون مدخلاً لخلق حالة من الفتنة الداخلية بين الأردنيين والأردنيين من أصل فلسطيني.
تلك الأصوات تعلم جيداً، أن أي خلل في توازن تلك العلاقة، لن يكون في صالح أي طرف كان، سوى السعودية. حتى إسرائيل وإن اقتنعت بوصول الضغط على الملك عبد الله بشأن "صفقة القرن" إلى طريق مسدود، فإنه لن تكون لها مصلحة في زعزعة استقرار الأردن الحالي، وأن طموح تغيير القيادة الهاشمية الحالية، سواء بالانقلاب، كما تم الترويج قبل فترة، أو من خلال اضطرابات داخلية تصل إلى نقطة اللاعودة، لن تكون في صالحها، وأن أي تغيير للقيادة الهاشمية الحالية، لا يمكن أن يتم بهدوء، كما تحلم السعودية.
نعمة ونقمة الأردن المزدوجة هي أنها تقع على حدود دولة تريد كل القوى الدولية الحفاظ على أمنها واستقرارها، فاستقرار الأردن يعني استقرار دولة الاحتلال التي لن تتحمل أبدا أن تكون كل الجبهات مفتوحة ضدها خاصة على جبهة الحدود الأطول بينها وبين بوابات الجحيم الموصودة اليوم أمامها بسبب وجود الأردن.
المكون الجغرافي، هو المعامل التنافسي في جعل الأردن رقما صعبا في وجه السعودية التي لا تفهم أبداً أن الدعم المالي السعودي للأردن والمقدر بـ 3.5 مليار دولار والذي أوقفته السعودية، هو ثمن بخس لحفاظ المملكة على المملكة.
فالأردن لا يحمي، بحكم الجغرافيا، إسرائيل وحدها، ولكن يحمي أيضا الحدود الشمالية للسعودية أيضا.
فالدبلوماسية الهادئة التي يُديرها الملك ذي الأصول الهاشمية، لا يمكن أن يفهمها أبدا ابن ملك آل سعود الذين لا تُعرف لهم أًصول.
السعودية اليوم، لا يعنيها شيء سوى حربها التي تفرضها على نفسها مع إيران، وهي ترى أن الأموال التي كانت تدفعها للأردن، هي ثمن كافٍ لتخلي الأردن عن القضية الفلسطينية، واتخاذ موقف واضح بالاصطفاف الأحمق إلى جانبها وحلفائها في تلك الحرب.
ولأن ذكاء الملوك متفاوت، فإن ابن الملك السعودي لا يفهم أن مسألة المساس بالعلاقة ما بين الأردن وفلسطين هي مسألة وجود من عدمه بالنسبة للأردن.