الحدث- ريم ابو لبن
وجدي، ومحمد، وعطالله الهمص، ثلاثتهم يتقاسمون ألماً قد تملك جسدهم، وأفقدهم متعة البوح بحلم كان يعلق على نافذة غرفهم، بعد تعرضهم لرصاص إسرائيلي متفجر قد نال من أقدامهم، خلال مشاركتهم السلمية في مسيرات "العودة" قرب الحدود الفاصلة شرقي محافظة رفح.
لم تغب عن أذهاننا الصورة الملتقطة للأخوة الثلاث، فيما الأخ الأكبر محمد (27 عاماً) يجالس مقعده الحديدي بعد أن أصيب بعيار ناري في قدميه (منطقة الفخد)، بينما يجلس بقربه أخوته الأصغر وهما عطا الله (20 عاماً) ووجدي ( 25 عاماً) وكلاهما قد طالهما الرصاص المتفجر ليحدث ضرراً في قدميهما، حيث لم يعد يقوى الأخوة الثلاثة على العمل بعد الإصابة.
الثلاثة .. في مرمى واحد
في الثلاثين من شهر مارس/آذار الماضي أي في الجمعة الأولى لمسيرة " العودة"، التقيا الأخوة مصادفة وبالقرب من مرمى العدو على الحدود (السلك الأمني)، ليتناوب كل منهما على السقوط فجأة بعد كل إصابة وإسعاف أحدهما للآخر، والبداية كانت مع عطا الله عندما أوصد العلم الفلسطيني فوق " الشيك".
وفي معرض الحكاية، قال محمد لـ"الحدث" وهو يستذكر لحظة قنص أخيه عطا الله: أصيب عطالله بقدمية في منطقة (الركبة) أثناء وضعه للعلم الفلسطيني فوق السياج، وحينها توجهت مسرعاً لإنقاذه، ونقل إلى المستشفى، وعدت لأكمل ما قد بدأت به، المطالبة بحق العودة وكسر الحصار المفروض علينا لأكثر من 11 عاماً".
عاد محمد إلى تلك البقعة المدججة بالقنابل الغازية والرصاص "المتفجر"، وخلال انشغاله بمساعدة أحدهم، استغل الجندي تلك اللحظة الإنسانية ليوقع به أرضا، ويصيبه بعيار متفجر كان قد اخترق قدميه الاثنتين، وتسببت بأضرار كبيرة، جعلته رهن كرسي حديدي متحرك.
ولم تكتمل الحكاية بعد، قال أخيهم وجدي: " تلقيت اتصالاً هاتفياً من أخي عطالله ليبلغني باصابته، وحينها توجهت مسرعاً للمستشفى، وإذا بأخي محمد هو الآخر قد أصيب... لا أعلم ماذا أفعل كلاهما قد أصيبا ونقلا للمستشفى ".
أضاف: "أبلغنا الأطباء بأن إصابة محمد خطيرة لاسميا وأنه يعاني من مرض السكري، وبالمقابل فإن إصابة عطالله ليست خطيرة كما محمد، فقد أصيب بمنطقة الركبة وقد جرى علاجه، ولكنه لا يقوى على المشي عليها في الوضع الحالي".
وعن لحظة إصابته، قال محمد مبتسماً: "حنيها قالو لي جئت إلى هنا بقميص برتقالي (أورنج)... يلا قميص يميزك عن غيرك.. وأصبت حينها في الفخدين".
وجدي وهو الشقيق الثالث المصاب للمرة الثانية، فبعد أن سمع نبأ إصابة شقيقه، توجه للبحث عنهما، وإذا به يتجه نحو الحدود الشرقية، وخلال تواجده في المكان أصيب هو الآخر بعيار ناري أصاب أسفل قدميه اليسرى، حيث تركزت الشظايا ما بين منطقتي المفصل والعظم، وقد تسبب هذا بأضرار كبيرة مما جعله يسير على عكازتين.
قال وجدي لـ"الحدث": "لم اقترب كثيرا من الحدود، ولم أفعل شيئا، ووجدت نفسي أسقط على الأرض".
وعن إصابته السابقة في قدمه اليمنى، قال: "كنت حينها في المدرسة الابتدائية، حيث قررت الهروب من المدرسة متجهاً إلى الحدود الفاصلة مع الجانب الإسرائيلي، وفجأة سقطت أرضا وكنت لوحدي، كنت أبحث عن أحد ليسعفني.. ولكن لم يسمعني أحد واستيقظت في المستشفى".
بعد إصابة الثلاثة، تنقلوا من مستشفى لآخر في جنوب قطاع غزة، وكانوا يخرجون أحيانا دون حصولهم على العلاج الكامل، حيث نقص في الأسرة والأدوية، لاسميا وأن المستشفيات حينها لم تكن قادرة على استقبال أعداد كبيرة من جرحى مسيرة العودة.
تلفّتا لذات الصورة التي تجمع ما بينهما وقالا بصمت:
قال محمد: " بعد الإصابة، لم أعد أمارس هوايتي في لعب كرة القدم.. وأنا لا أعمل رغم حصولي على درجة علمية في مجال التربية الرياضية".
ووجدي قال " أنا أعيش على المسكنات، ولا أقوى على العمل بفعل إصابتي .. ماذا نفعل؟ الله برزق".
أما عطا الله فقد كان يراقب ذاته في الحلم كيف كان يصعد السلالم ليبني بيتاً قد يكون له ذات يوم.
كأنهم أرادوا تذكيرنا بقصة من درب الخيال القديم ولكن مضمونها واقعي، حينما قرر الأب أن يلقن أولاده الثلاثة درسا لا ينسوه، فأعطى كل منهما عصا خشبية وطلب من كل واحد أن يحاول كسرها.. وفعلوا، وبعدها أعطاهم مجموعة من العصى الخشبية وطلب منهما ذات الطلب، لم يتمكن كل واحد منهما كسرها بمفرده.
إذا، فلنضع هذه الحكاية في بقعة مشحونة بالغبار، وليرويها ثلاثة أخوة غزيين، حينها كيف ستكون الحكاية؟
لم يقرر الأب أن يلقنهم الدرس، فهم يدركونه منذ الطفولة ولم ينسوه حتى اللحظة، وحمل أحدهما العلم وخرج ولم يتردد برفعه فوق السياج .. من ثم أصيب، وخرج الآخر والآخر ..واصيبا ثلاثتهم كل على حدا.. ولكن هل سيكملون الحكاية ليخرجا سوية بعد استكمال علاجهم؟ وهل هناك قصة ثلاثة أخوة أخرى؟