الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

متابعة الحدث| حقيقة ما يجري في باب الرحمة.. أغلقه صلاح الدين قديماً ويسعى الاحتلال لاختراقه من جديد

2018-06-19 12:22:16 PM
متابعة الحدث| حقيقة ما يجري في باب الرحمة.. أغلقه صلاح الدين قديماً ويسعى الاحتلال لاختراقه من جديد
باب الرحمة من الخارج (تويتر)

 

الحدث- محمد غفري

منذ سنوات تمنع سلطات الاحتلال الإسرائيلي ترميم المنطقة المحيطة بباب الرحمة، أحد أبواب المسجد الأقصى التاريخية، في الوقت الذي تتركز فيه اقتحامات المستوطنين داخل المسجد بشكل أساسي لهذه المنطقة، وهو ما وضع علامات استفهام كبيرة حول أطماع الاحتلال تجاه هذه المنطقة تحديداً.

في العشر الأواخر من رمضان هذا العام، اعتكف عشرات المصلين في منطقة باب الرحمة، وقاموا بترميمها بإمكانيات متواضعة، إلا أن جنود الاحتلال هاجموا المنطقة، أمس الاثنين، وخربوا كل شيء رتب فيها.

في هذا اللقاء الصحفي لـ "الحدث"، الذي أجري مع الدكتور جمال عمرو الخبير في قضايا القدس والمسجد الأقصى، سوف نتحدث عن تاريخ باب الرحمة، وحقيقة أطماع الاحتلال بالسيطرة عليه، وما هو المطلوب لمواجهة هذه الأطماع.

تاريخ باب الرحمة  

الدكتور جمال عمرو، وصف باب الرحمة بأنه من أجمل أبواب المسجد الأقصى، موضحاً أن الباب يقع في الواجهة الشرقية للمسجد، ويطل على مقبرة باب الرحمة، ويتكون من قوسين اثنين لكل منهما قبة، القوس الأول يسمى باب الرحمة، والقوس الثاني يسمى باب التوبة.

ويعود تاريخ هذا الباب إلى العهد الأموي الأول منذ عهد بناء قبة الصخرة المشرفة، والمصلى القبلي، وهو مزخرف بطريقة جميلة جداً.

إغلاق صلاح الدين الأيوبي للباب

أغلق صلاح الدين الأيوبي باب الرحمة في عهده، وبحسب الدكتور عمرو فإن الإغلاق تم لأسباب أمنية احترازية، لأن الصليبيين كان لديهم هوس بقضايا الدين ونزول المسيح عليه السلام، وقاموا بالتسويق ونشر الإشاعات في الغرب بأن المسيح سوف يعود ويدخل من هذا الباب.

لذلك صلاح الدين الأيوبي أفشل عودة الصليبيين مرة أخرى لتقديس هذا الباب، وأغلق معه أبواب المفرد والمزدوج والثلاثي، لأنه كان يدرك بأن خطراً متوقعاً سوف يأتي من هذه المنطقة.

بداية الأطماع الإسرائيلية

عقب إغلاق صلاح الدين لباب الرحمة، جرت العادة أن تستخدم غرف الباب من الداخل من قبل الأوقاف الإسلامية.

وقال عمرو المتخصص في الهندسة المعمارية وتخطيط المدن، إنه تم إنشاء مكاتب تابعة للأوقاف وللجنة مركز حفظ التراث داخل باب الرحمة، وهذا المركز كان نشيطا جداً، وقاعته كانت عامرة جداً بالنشاط.

وإزاء ذلك، قرر الاحتلال إغلاق هذا المركز في مطلع التسعينات من القرن الماضي، وقرر فرض رقابة أمنية على المكان.

يروي الدكتور عمرو، وهو من الشاهدين على المنطقة ويسكن في القدس المحتلة قربها، أنه بالتزامن مع إغلاق مركز حفظ التراث، كان الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الداخل، وبالتعاون مع الأوقاف الإسلامية يقومون بإعمار المصلى المرواني، حيث تم إخراج أتربة من داخل المصلى، وتم وضعها في أقرب نقطة مجاورة، وهي في محيط باب الرحمة داخل المسجد.

الاحتلال بعد صمت عن عمليات الترميم للمرواني، شرع يدعي أن هذه التربة تعود إلى عهد الهيكل الثاني، أي ما بعد عهد النبي سليمان.

وقال عمرو، إن الاحتلال وضع يده على المكان، وقرر أن لا يتم تغييرها، وأن هذه الأتربة مقدسة.

تابع عمرو لـ"الحدث"، أنه منذ تلك الفترة بدأت عمليات مد وجزر بين الأوقاف وبين سلطة الاحتلال، إلا أن الاحتلال تغول وبدأ بالجرأة على المنطقة يوماً بعد يوم، وبدأ الحديث واضحاً عن استخدام هذا الأتربة لأغراض أخرى، وبدأ يصلي فوقها المتدينيين اليهود، ويمرغون أنفسهم فيها، ويبكون فوقها، وتقدم لهم روايات أسطورية من قبل الحاخامات، وكلها روايات مزيفة وكاذبة لا أساس لها من الصحة.

لماذا يحلم الاحتلال بالسيطرة على الباب؟

يسعى الاحتلال كما أكد الدكتور جمال عمرو للسيطرة على المنطقة في محيط باب الرحمة، التي تبلغ في أقصى اتساع لها 12 دونم، وفي أضيق نطاق لها 8 دونمات، لأنها ذات موقع استراتيجي لأسباب عدة:

أول هذه الأسباب، أن باب الرحمة إذا تم فتحه، فهو باب كبير جداً وبمساحة واسعة، وتدخل منه مباشرة إلى المسجد الأقصى من فضاء خارج المدينة، دون المرور بالبلدة القديمة وأزقتها الضيقة، التي لا تصرف الناس بسرعة، كما هو الحال مع باب الرحمة في حال تم فتحه، ويتيح فرصة دخول وخروج سريع وبأعداد كبيرة جداً.

أما السبب الثاني الذي ذكره عمرو، فهو أن باب الرحمة أقرب باب إلى صحن قبة الصخرة، ومنه تصعد مباشرة وتصل إلى قبة الصخرة.

والسبب الثالث أن باب الرحمة الآن مغلق، والأمر المغري في هذا الأمر للاحتلال، أنه إذا قام هو بفتح الباب يكون من حقه كما يحلم بوضع مفاتيح خاصة له.

والسبب الرابع والأخير، أن المساحة الواسعة المحيطة بباب الرحمة من الداخل مغرية جداً للاحتلال من أجل إقامة أي منشأة فيها، وقد وضعوا فعلاً مخططات هندسية وأعلنوا عن مسابقات لهذا المخطط، وتم الكشف عن أشكال هندسية للكنس اليهودية التي يخططون  لبنائها في المنطقة.

محاولات ترميم المنطقة

يقول الدكتور جمال عمرو وهو محاضر في جامعة بيرزيت، إنه في الوقت الذي يزداد فيه نفوذ جماعات الهيكل في المجتمع الإسرائيلي وداخل الكنيست، وفي ظل تضاؤل الدور الأردني، أصبحنا أمام سيناريو مرعب لباب الرحمة.

لذلك قام في العام الماضي بحسب عمرو وتحديداً في العشر الأواخر من شهر رمضان، مجموعة من المتطوعين بترتيب عاجل وسريع للمنطقة، إلا أن مخابرات ثلاث دول وقفت بالمرصاد وأفشلت إتمام العمل، ولم يخرج الموضوع للإعلام في ذلك الوقت، واقتصر على آلام وجراحات داخلية للمقدسيين.

أما هذا العام في رمضان، استنفر الشباب بأعداد كبيرة جداً، وعملوا بشكل دؤوب منظم، واستطاعوا إدخال معدات، وتم العمل بشكل عاجل ووفق خطة هندسية لترميم المنطقة.

ولكن الاحتلال حضر بقوات معززة، أمس الاثنين، وقام بتدمير كل الإنجازات وخلع أشجار الزيتون المزروعة حديثاً، واعتقل رئيس قسم الحرس، وتم وضع نقطة مراقبة أمنية فوق باب الرحمة، تم إزالتها في وقت لاحق.

إذاً ما هو مطلوب؟

يؤكد الدكتور جمال عمرو مجدداً أن الاحتلال يحلم بالسيطرة على المنطقة، كما فعل في وقت سابق في منطقة حائط البراق، والمخططات موجودة، وأطماع الاحتلال منذ عشر سنوات، وهذا كله لا يخفى على أحد.

لذلك المطلوب بحسب عمرو، أن يتم دعم صمود الأوقاف الإسلامية في القدس من قبل مؤسسات المجتمع المدني والمواطنين والجهات الرسمية في الأردن وفلسطين، وأن نقف إلى جوارها لمنع هذا الخطر.

والمطلوب أيضاً من وسائل الإعلام أن تلعب دورا أساسيا، وأن تواصل التغطية الإعلامية، وتعظم من أي عمل يتم عند باب الرحمة، وأن يبقى الموضوع في دائرة الاهتمام بسبب حساسيته، وهو الأخطر في القدس.

وعلى الصعيد الميداني وهو الأمر الأهم بحسب عمرو، ينبغي الاستمرار بالوقفات عند باب الرحمة، وبخاصة يوم الجمعة، وتسمية كل جمعة باسم باب الرحمة وباب التوبة، وتعظيم الحراك داخل المسجد الأقصى، والتردد بشكل مستمر على منطقة باب الرحمة.

وأيضاً من المطلوب أن تعقد منظمة المؤتمر الإسلامي مؤتمراً فقط يخصص لباب الرحمة.

في المحصلة النهائية، يتردد العشرات من المستوطنين خلال اقتحامهم اليومي للمسجد الأقصى إلى منطقة باب الرحمة بذرائع تهويدية لا أساس لها من الصحة، منهم من يصلي، ومنهم من يسرق الأتربة في جيبه، وآخر يعقد قرانه هناك، وكل هذا يصب في سياق محاولة الاحتلال للسيطرة على كامل المسجد الأقصى.

وأمام كل هذا يبدو أن صمود المقدسيين على الأرض، وبث الروح في منطقة باب الرحمة، والتردد الدائم عليها، وإحياء الفعاليات المختلفة فيها، هي أقوى من كل هذه الهجمة الشرسة، ولنا في ذكريات معركة البوابات الإلكترونية ألف عبرة وحكاية.