الحدث - ريم أبو لبن
"حركة فتح تشبثت وبكل قواها بـ "القوة الهزيلة" التي تستمدها من السلطة الفلسطينية، وفي ظل نظام عسكري إسرائيلي شرس". هكذا افتتحت الصحفية أميرة هاتس مقالها المعنون بصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية ( احتلال بوجه آخر: ستة أمور تثبت أن القوات الفلسطينية سحقت مظاهرة رام الله).
فيما يلي نص المقال مترجما:
إن القمع "العنيف" والذي مارسته السلطة الفلسطينية مساء يوم الأربعاء الماضي، تجاه المتظاهرين في رام الله وخلال مظاهرة تقدمها محتجون ومعارضون لسياسات السلطة الفلسطينية "التقييدية" ضد قطاع غزة يثبت ما يلي:
أولاً، إن السلطة الفلسطينية وعلى رأسها الحزب القيادي "فتح" ليس لديها النية لإجراء انتخابات برلمانية.
وعليه، فإن أي شخص مهتم بإجراء انتخابات حرة لا يقوم بممارسة أسلوب القمع "الوحشي" لمظاهرة صغيرة، وبطريقة جمعت ما بين خبرة كل من الاحتلال الإسرائيلي وقوى الأمن السورية والمصرية.
كما أن من يبدي اهتمامه بإجراء انتخابات برلمانية، لا يلجأ إلى اتباع أساليب كي يصد الأغلبية من مؤيديه، مما يجعله معزولاً عن القيادات غير المنتخبة.
ثانياً، إن حركة "فتح" تشبثت وبكل قوتها بالقوة "الهزيلة" التي أخرجتها إدارة السلطة الفلسطينية في ظل النظام العسكري الإسرائيلي الشرس.
وبخلاف ذلك، كان من المفترض وبشكل علني وفوري أن تنأى عن الطريقة التي تستخدم بها الأجهزة الأمنية الفلسطينية الشبان في المظاهرة والذين تم تعريفهم بأنهم أعضاء بحركة فتح. (وكان بعضهم من مخيم الجلزون للاجئين، وهذا ما أخبر به الكاتب رامي يونس، وهو يكتب في موقع سيحا ماكوميت)، وقد شاهد ما حدث في مظاهرة مساء الأربعاء وأفصح عن ذكر تفاصيل مخيفة.
ثالثاً، إن الخوف من الرئيس الفلسطيني محمود عباس وداخل حركة فتح مرتفعا حد السماء.
هناك أعضاء من حركة "فتح" يبدون اعتراضهم تجاه قمع المظاهرة، والتي كانت تطالب برفع الإجراءات العقابية التي فرضها الرئيس عباس على قطاع غزة، وذلك رغم مشاركتهم الانتقادات التي وجهت ضد المتظاهرين .
على سبيل المثال، يتغاضون عن تحميل حماس المسؤولية تجاه الوضع في غزة، فيما تتهرب حماس من مسؤولياتها تجاه السكان المدنيين في القطاع. ويظل هؤلاء الخصوم داخل حركة "فتح" صامتون بسبب خوفهم من فقدان رواتبهم أو بسبب استبعادهم المحتمل من العمل بمؤسسات فتح والتي تشبه منازلهم.
رابعاً، إن السلطة الفلسطينية تعرف كيف تخطط وتنظم كلما أرادت ذلك، وهذا على عكس الانطباع الذي يعكسه العاملون في وزارات السلطة الفلسطينية، حيث يتغلب عليهم طابع الفوضى وعدم التخطيط والتنظيم وضعف التنسيق، بجانب الكثير من اللامبالاة.
السلطة الفلسطينية نجحت وبشكل استثنائي من خلال الجمع ما بين تشغيل عدد من مؤسساتها والعاملين فيها لردع المتظاهرين والمحتمل ظهورهم على الساحة، وقمع ومعاقبة الذين لم يردعوا.
وتضم هذه المؤسسات حكومة السلطة الفلسطينية ومكتب الرئيس عباس، وقوات الأمن الظاهرة ومن يرتدي منها اللباس المدني، ونشطاء فتح أو من يدعون ذلك. وجميعاً قد عملوا معاً بشكل جيد.
وقد سبقوهم بذلك، الكتاب، والفنانين والرسامين، ومحلات الطباعة، حيث تم إعداد الملصقات واليافطات الضخمة والتي علقت في ساحة دوار المنارة برام الله. فيما أثنت على السطة الفلسطينية دعمها المالي لقطاع غزة، وذكرت أن جذر الكارثة في غزة كان (الانقلاب) والذي قامت به حماس (وهنا إشارة إلى سيطرة حماس على الأجهزة الأمنية في قطاع غزة عام 2007 بعد فور الحركة بالانتخابات البرلمانية).
فيما تم استكمال هذا الأمر، وبجانب وضع الملصقات، بإطلاق دعاية "رخيصة"عن المتظاهرين الذين كانوا يعملون لدى منظمات غير حكومية ( NGOs) وغارقين بالأموال الأجنبية، ويعملون لخدمة أجندة غربية.
يوم الثلاثاء الماضي، أدان مجلس الوزراء الفلسطيني الاحتجاجات والتي جرت قبل وقائع مظاهرة يوم الأربعاء، بدعوى أنها تحرف الانتباه تجاه المسؤولية التي يتحملها كلا من الاحتلال الإسرائيلي وحماس عن الوضع في غزة.
في ذات الليلة، صدر بيان رسمي يوضح بأنه بناء على نصيحة مستشار الرئيس عباس للشؤون المحافظات تقرر أن يتم حظر المظاهرات والاحتجاجات حتى نهاية شهر رمضان وعطلة عيد الفطر والتي استمرت لمدة ثلاثة أيام، بدءاً من ليلة الخميس، وذلك لتجنب تعطيل الاحتفالات أثناء تلك العطلة.
وفي المقابل، من تحدّوا قرار الحظر الرسمي جوبهوا بمجموعة كبيرة من قوات الأمن الفلسطينية.
في ذات الوقت بدأ الأمن بإلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية صوب المتظاهرين، في الوقت الذي بدأ به "البلطجية" والذين يرتدون ثيابا مدنية بمصادرة الكاميرات والاعتداء على المتظاهرين واعتقالهم، ذكوراً كانوا أم اناثاً. وفي المقابل كانت هناك مظاهرة لدعم الرئيس عباس في مدينة نابلس ولم يقمعها أحد.
خامساً، أن يتم تقييم الوضع الراهن بشكل كبير من قبل السلطة الفلسطينية
إن اتفاقية طابا والموقعة مع " إسرائيل" عام 1995 تمنع أجهزة الأمن الفلسطينية من الانتشار في مناطقة مصنفة بـ(منطقة ب) بالضفة الغربية – الجزء الرسمي تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية الكاملة والسيطرة المدنية الفلسطينية- ما لم يتم التنسيق مع إسرائيل.
كما يمنع عليهم العمل في منطقة (ج)، أي الخاضعة للسيطرة العسكرية والمدنية الإسرائيلية بشكل كامل، فيما يعيش مئات الآلاف من الفلسطينيين في منطقتي (ب،ج(، وهم يذلك معرضون للعنف من المستوطنين اليهود، ومن الشرطة والجيش الإسرائيلي.
اتفاق طابا قد انتهى قبل 19 عاماً، لكن السلطة الفلسطينية لا تزال تراقبه وترصده، وهي بدورها لا ترسل قواتها الأمنية جسدياً للدفاع عن شعبها. إذا كان الأمر كذلك، فمن يدري كيف ستقوم إسرائيل بالثأر، ربما عبر سحب التنازلات بشأن حرية التنقل التي يتلقاها كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية، أو بسحب التصاريح التجارية التي صدرت لهم أو لأقربائهم.
سادساً، إن الحكومة الفلسطينية كانت صائبة حينما قالت بأن الاحتجاج قد يحرف الانتباه عن الاحتلال.
هذه الخطوط كرست للحديث عن القمع العنيف للمظاهرة بدلاً من تكريسها لتسليط الضوء على قيام إسرائيل بتمديد الاحتجاز الإداري للفلسطينية خالدة جرار ولمدة أربعة أشهر أخرى، إذ سبق وأن احتجزت لدى السجن الإسرائيلي دون محاكمة لمدة عام.
نحن لا نكتب عن أمر الهدم الصادر عن منزل لطيفة أو حامد والتي تقطن مخيم الأمعري للاجئين، فيما يشتبه بأن أحدا من ابنائها قد قَتل جندياً مسلحاً من وحدة " دوفدوفان"وهذه القوى هي التي شاركت بمداهمة مخيم الأمري منذ حوالي شهر.
لا يعترف الإسرائيليون بحق المدنيين الفلسطينيين بالدفاع عن أنفسهم أمام الهجوم الإسرائيلي المسلح. حتى قبل أن يتم إحضار الابن إلى محكمة عسكرية يتم معاقبة جميع أفراد عائلته عما ارتكبه.
وفي ختام المقال كتبت هاس: "فقط تخيل ماذا سيحدث في المخيم الصغير والضيق عندما يداهمه الجيش الإسرائيلي بواسطة الجرافات والمدرعات.. ومن يبتعد؟ قوات الأمن الفلسطينية، ذات القوات التي تدربت في روسيا والأردن ومصر ورومانيا وبصحبة قوات التحقيقات الفيدرالية وقوات الشرطة الأوروبية، وهي ذاتها من قامت بتفريق مظاهرة سلمية لدى دوار المنارة بمدينة رام الله.