الأربعاء  27 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

التطهير العرقي: كيف نواجهه؟ ناجح شاهين

2018-06-22 12:37:23 PM
التطهير العرقي: كيف نواجهه؟
ناجح شاهين
ناجح شاهين

هل يعد التطهير العرقي لفلسطين احتمالاً قائماً بالفعل؟ أم أنه مجرد هواجس مبالغ فيها لا تستند إلى أية معطيات واقعية؟

وإن كان التهطير وارداً بالفعل، هل لدينا من خطة لمواجهته؟

بالنسبة للسؤال الأول نقول بإيجاز أن أسئلة السياسة مهما بدت "متطرفة" ممكنة دائماً عندما تحين الفرصة "التاريخية" لتحقيقها. على سبيل المثال لم يكن هناك من يمكن أن يفكر بوجود دولة شرقي نهر الأردن سنة 1900. كان الحديث عن ذلك سيبدو جنوناً كاملاً لا معنى له. تعرفون أن زمناً يقل عن لحظة في عرف التاريخ قد جاء بإمارة شرق الأردن في سياق قسمة ما بعد الحرب "العالمية" الأولى.

بالطبع لم يكن عرب الأندلس المتناحرون يظنون في ذلك الزمن الشديد البطء أنهم سيغادرون شبه الجزيرة نهائياً لتختفي مظاهر العروبة والاسلام منها بعد ثمانية قرون طويلة من الحكم العربي. أما سكان أمريكا الأصليون فقد ظلوا يتوهمون أن الرجل الأبيض سيغادر، أو أنه على الأكثر سيؤسس دولة تتجاور مع العديد من الدول التي تقيمها شعوب القارة الأصلية. لكن النتيجة النهائية بعد ثلاثة قرون من الصراع قادت كما نعلم إلى اختفائهم التام.

نظن أن الصهيونية لا "ترفض" من حيث المبدأ ترحيل من تبقى من عرب فلسطين بمن فيهم "عرب الداخل/إسرائيل". أم أن هناك بين ظهرانينا من يعتقد أن الصهيوينة قد أخذت قراراً بضرورة الاحتفاظ بمن تبقى من سكان فلسطين؟ بالطبع لا نتوقع أن يفكر عربي أو فلسطيني أو أمريكي أو من شئتم على هذا النحو. إذ من الواضح أن مصلحة المشروع الصهيوني "المطلقة" تتمثل في تنقية "إسرائيل" نهائياً من الأغيار وصولاً إلى دولة يهودية خالصة. وحتى من ناحية البعد الاجتماعي/الطبقي أو الحاجة إلى طبقة تقوم بالمهام "السوداء" في الاقتصاد، فإن هناك يهوداً من السود والعرب والشرق أوروبيين "مؤهلون" للقيام بها على خير ما يرام.

إذن ليس هناك موانع "ذاتية" لدى إسرائيل تمنعها من القيام بالتطهير إن كانت إمكانية تنفيذه سياسياً وعسكرياً واردة في هذه اللحظة التاريخية أو تلك. سوف يذهب قادة الصهيونية إلى نهاية الشوط بطرد كل من تبقى من عرب فلسطين بالطرق المتاحة جميعاً.

غني عن البيان إن الوضع العربي قد تردى تماماً إلى حد أن جامعة الدول العربية قد أصبحت دون مبالغة أو انفعال أداة طيعة في يد الولايات المتحدة وحليفتها الأولى في منطقتنا الصهيونية، ودولتها إسرائيل. وفي هذا السياق يجب أن نتذكر الضعف التام الذي تعيشه "قاهرة المعز" التي لا تستطيع أن تحمي نفسها من العطش في حال تم احتجاز مياه النيل في إثيوبيا أو غيرها. كما أن نظام السيسي لا يحتفظ بأية ذكريات قومية من أيام الحقبة الناصرية، وهو لا يرجو من الغنيمة أكثر من النجاة بنفسه،مع تحقيق بعض الاستقرار الضروري لممارسة النخبة السياسية/الاقتصادية الحاكمة شروط وجودها "الحياتية". أما دول الجزيرة العربية التي تشن حرباً ضروساً ضد "الاحتلال الحوثي" لليمن، فإنها لا تخفي "حبها" لإسرائيل وعداءها بدرجة أو بأخرى لحماس أو فتح أو السلطة الفلسطينية ذاتها. وقد صدرت منها إشارات خطيرة حول رؤيتها لحل الصراع باتجاه يقلل تماما ًمن أهمية فلسطين أو ما تبقى منها وصولاً إلى الحديث السخيف عن أرض فلسطين كما لو كانت عقاراً يمكن للسعودية أو الإمارات أن تشتري أرضاً تعوض عنه في سيناء أو البصرة أو كندا المترامية الأطراف. لسان حالهم إن مقداراً من المال بحجم الجزية المدفوعة لترامب أو نصفها أو حتى ربعها يمكن أن تشتري حقوق الفلسطينيين وتريحنا من هذا الصراع الذي لا فائدة منه ضد قوة يمكن أن تكون حليفاً مهماً في مواجهة إيران. بهذا المعنى يبدو أن عرب النفط لا يرفضون مبدأ التطهير الفعلي التام لفلسطين عن طريق "التوافق" أو الإكراه.

بسبب ما قلنا أعلاه يرتفع السؤال الحراق الذي نحاول غالباً أن نتجنبه: ماذا نستطيع أن نفعل في حال صدر القرار بالشروع في تصفية الوجود الفلسطيني على مراحل أو دفعة واحدة؟

فلسطينياً، ما هو المتاح؟ وما العمل؟

سياسياً، يبدو أن فلسطين هي السلطة، وحماس، والجهاد الإسلامي، و"فصائل اليسار".

هل قامت السلطة بوضع الأسس لمقاومة مشروع التطهير في حال وضع موضع التطبيق؟ وهل هي جاهزة لدفع الأثمان الباهظة لذلك، بما ينطوي على فقدان الامتيازات والمكتسبات وصولاً إلى التضحية بالمال والروح؟

هل تمتلك حماس الأدوات أو القرار للقيام بذلك الدور؟ وهل علينا هنا بالذات أن نتخوف من فكرة أن الأرض ليست هي المهمة، وإنما "العقيدة" أو "صلاح الجماعة" التي ستؤسس الخلافة؟ هل يمكن أن فكرة "الهجرة" ذاتها مقولة لا تقلق الإخوان المسلمين كثيراً بسبب أنها جزء رئيس من التراث الذي "يحض" على مغادرة أرض الكفر نجاة بالدين من الكفر وأهله؟

ثم ما هي الإمكانيات الكفاحية للجهاد الإسلامي البعيد عن "البراغماتية" السياسية للقوى الأخرى؟

أخيراً يبدو أن "اليسار"، مع التباس معنى هذه الكلمة الآن عند تطبيقها على الواقع الفلسطيني، لا يمتلك ثقلاً جماهيرياً يعتد به، كما أنه لا يتمتع بأية قدرات "عسكرية" من أي نوع.

ما العمل إذن؟ الاستسلام للوضع القائم، وعدم "استفزاز" إسرائيل حتى "تقتنع" بأننا رعايا من أقلية مسالمة مطيعة لا تسبب المشاكل سواء ما يخص "عرب إسرائيل" ذاتها أو عرب السلطة الفلسطينية؟ هذا ما يقترحه بعضنا الآن من باب "الواقعية" السياسية والحكمة وقراءة التاريخ بذكاء...الخ

وهؤلاء طبعاً يؤكدون أن خيارهم هو الأفضل لأنه الممكن الوحيد: لا قبل لنا بمواجهة القوة الصهيونية عن طريق مصارعتها، لذلك يحسن بنا أن نقنعها أننا سنكون عبيداً طيبين لا خطر منا ولا تهديد.

يمكن لنا أن نتعاطى مع هذا الطرح، على هوانه وقسوته، لو أن "الطرف الآخر" يمكن أن يفكر على هذا النحو. لكن أصحاب هذا الرأي لا يقدمون أية أدلة على الدوافع السياسية التي ستأخذ إسرائيل باتجاه الاحتفاط بنا على الرغم من إدراكها بأنها تستطيع التخلص منا.

انطلاقاً مما سبق نتوهم أن ردع إسرائيل وقيادة الاستعمار العالمي عن التفكير بالتطهير التام يتطلب وحدة فلسطينية عميقة في سياق المقاومة مع الأمل في انتصار محور حزب الله وسوريا وإيران ليتمكن من إبقاء التهديد الموجه لإسرائيل قائماً على نحو  حقيقي. ونميل إلى الزعم بأن اقتناع القيادة الصهيونية بقدرة العرب على شن حرب واسعة في حال شرعت في إجراءات الترحيل هو الرافعة السياسية الأساس لفكرة عدم واقعية الترحيل. أما إن اطمئنت إسرائيل بالفعل إلى عدم وجود ما تخشاه من الترحيل، فسوف تقدم عليه دون شك عندما تحين لحظة مناسبة بشكل أو بآخر.

هكذا في إطار الواقع القائم يبدو لنا أن حشد القوة وتنسيق التحالف مع من تبقى من قوى عربية وإقليمية معادية للصهيونية هو حزام النجاة الوحيد من خطر التطهير الكامل لفلسطين، ولذلك أيضاً ينبغي على القوى الفلسطينية كلها التي تملك قرارها أن تنضوي في المشروع الإقليمي المسمى محور المقاومة مهما كان لديها من تحفظات عقائدية أو سياسية تجاهه.