الحدث - محمد بدر
قال لي أحد أصدقائي الفلسطينيين في إيران: "النووي للحرس الثوري والعقوبات جوع يشعر به الفقراء"، وقد أبدى صديقي تخوفا شديدا من أن يتسلل العالم وتحديدا الولايات المتحدة لإيران من خلال الفقراء.
قبل أسبوعين تقريبا، اجتمع رئيس كوريا الشمالية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، واعتبر ترامب اجتماعه مع كيم نصرا كبيرا، كيم زعيم شعب من الفقراء، وعندما يصف البعض ترامب لمجرد اجتماعه بـ"كيم" بالإمبراطور؛ فهذا وجه آخر لعلو شأن كوريا الشمالية (شعب الفقراء). إن إمبراطورية ترامب كانت محلّ شتائم "زعيم الفقراء" حتى توقف عن الشتيمة فأصبح ترامب إمبراطورا.. الإعلام الأمريكي يدين نفسه ولو على شكل تسجيل نقاط انتصار في هذا العالم.
اليابان الغنية جدا، تقع على بعد أمتار من "كوريا الفقراء"، ومنذ هزيمتها في عام 1945 لا يمكن الحكم عليها كدولة حقيقية تحديدا في موضوع السيادة. تراقب اليابان المفاوضات الكورية الأمريكية كالطفل الذي لا يملك رأيا في حوار، أو مشكلة تدور حوله وحتى معه.. ورغم محاولات اليابان صناعة بعض النفوذ لها والظهور بمظهر من يملك سياسة خارجية من خلال بعض المشاريع التنموية في أفغانستان وفلسطين وبعض مواطن الصراع؛ إلا أن هذه المشاريع كانت مسقوفة بسقف سياسي أمريكي وكانت اليابان أحيانا كثيرة ما تدفع لإصلاح ما أفسدته "قوة" الولايات المتحدة.
الفرق بين فقراء كوريا الشمالية وأغنياء اليابان، قواعد أمريكية مفروضة على أرض اليابان، وكأن اليابان الخائف في هذا العالم ومن بحاجة مستمرة لمن يحميه؛ مفارقة قيمية كبيرة.. ورغم الترويج الأمريكي للنموذج الياباني كنموذج "فريد" في النهوض في هذا العالم، إلا أن اليابان نفسها تعلم أنها دولة فاقدة لكينونتها على مستوى العالم، لدرجة أن موقفها الأخير في الأمم المتحدة بخصوص إعلان ترامب كان صادما للمراقبين، رغم أنه امتنعت عن إدانة الإعلان؛ أي الحياد؛ هذه الصدمة تعني الإهانة لليابان وشعبها ليس أكثر. وبعيدا عن السياق التاريخي للعلاقة بين اليابان والولايات المتحدة، إلا أن اليابان امتلكت فرصا كثيرة للخروج من هذه التبعية.
ليس بعيدا عنا، في عالمنا العربي؛ دول غنية وتملك مواردا تؤهلها لقيادة المنطقة إن لم يكن العالم، وبكل وضوح يقف ترامب ويقول: "بعض الدول العربية الغنية تعلم أنه لولا وجودنا لسقطت.. عليها أن تدفع!". لكن، هل الموارد في كل الحالات هي مصدر للقوة؟، العرب إجابة كافية وجيدة لهذا السؤال سواء على المستوى العملي أو على المستوى التجريدي النظري. نظريا إذا كنت تستطيع أن تستخدم ما تملك كسلاح في أقصى الحالات فأنت ما تملك حقيقةً ما تملك، وإذا كانت الإجابة لا فأنت حارس غيرك على ملكك. ولعلّ النماذج العكسية أيضا كثيرة، مثالا على ذلك، نيجيريا؛ تمتلك من المواد الخام ما يمكّنها من النهوض بنفسها للوقوف في مقدمة العالم، إلا أن الفقر يقتلها لنفس السبب الذي جعل اليابان دولة غنية بلا سيادة.
بالعودة لإيران، وبكل وضوح؛ أمام إيران خياران لا ثالث لهما ــ في زمن التحكم الأمريكي ــ؛ إما أن تتحول كالسعودية؛ تدفع من أجل أن تحمي نفسها، أو أن تبقى كما هي قوة إقليمية اسمها لا يغيب عن عقول ولسان العالم وسياساته.
لكن وماذا عن الشعب؟
قد يتساءل سائل؛ ما فائدة القوة والغذاء مفقود؟ وهل يستطيع الجائع أن يحارب العالم؟.. أولا: إن التزييف الأمريكي الغربي للمعطيات من خلال التحكم بقاعدة البيانات المعلوماتية لهذا العالم هو الذي يجعلك تتخيل أن دولة كالسعودية لا فقر فيها ولا أزمات، انها محاولة خلق النموذج الذهني للجمهور المعادي المستهدف، تماما كما كان يفعل الاتحاد السوفيتي في عملية تصوير الحياة الغربية للروس والعكس، في فترة كان الكل فيها فقيرا ومتأزما ويعاني من تبعات حروب لم تكن الدول قد استعادت عافيتها منها. وعلى هذه القاعدة فإن الشعب الإيراني اليوم يتعرض لحرب معلوماتية كلمة سرها "غذاء المطيع". ونستطيع القول أيضا، إن مصر، كمثال؛ مع كامل تبعيتها للولايات المتحدة إلا أن وضع إيران أفضل منها بكثير، وطوابير الدول التابعة تعاني من أزمات اقتصادية تجعلها في فقر ودين، وليس فقط في فقر وحاجة.
الولايات المتحدة بعقوباتها على إيران وانسحابها من الاتفاق النووي ومحاولة تمريرها لصفقة القرن، تريد أن تعيد توزان بعض الاختلال في شكل وهيكلية العلاقات الدولية خاصة بعد الأزمة السورية وتراجع دورها الشرطي لصالح روسيا. وعمليا؛ لا تزال إيران ــ بفقرها ــ تقطع بعض الخيوط في الشبكة وتزعج انتظام شبكة العلاقات وهرمية النظام. والشعب الإيراني يدرك هذه المعادلة جيدا وتجربته التاريخية العميقة مع الأزمات منذ زمن الدولة الصفوية كانت تجربة تعبّر عن مستوى الانتماء الحضاري لهذا الشعب رغم تنوعه العرقي الشديد. إذا؛ ليس السلاح للحرس وليس للشعب الجوع.