الحدث- ريم أبو لبن
"أيها الموت هزمتك الفنون كلها.. لم أعط اعتباراً لمرض السرطان، ورفضته طوال السنوات السبع الماضية، واليوم استمر بالرفض للعام الثامن، القدر أقوى منا جميعاً". عبارة رددها الفنان التشكيلي سمير سلامة بمقدار ما أسعفه من الهواء المار إلى رئتيه عبر جهاز "أسود" كان يستلقي بصحبته وبالقرب من لوحاته التشكيلية في معرض"استيعادي" لما خطه سلامة من خطوط تشكيلية لإيقاظ نكبة المخيمات واللجوء.
قال في افتتاح المعرض، وأمام من حضر من المؤسسات الثقافية والفنية: "ردت إلي الحياة، وجدت نفسي في فلسطين".
وأضاف وهو يلتقط القليل من الهواء المثقل بزحمة المكان: "كل ما قمت بإنجازه وطوال حياتي الفنية من أعمال تمس القضية الفلسطينية في كل مكان وفي سوريا وبيروت، ما هو إلا جزء من محبتي وواجبي تجاه فلسطين".
واستكمل حديثه: "لم أقم بأي شيء حتى أصبح فناناً كبيرا، إن ما قمت به هو واجبي ومن خلال أعمالي الفنية استطعت أن أعبر عن نفسي".
وبعفوية مطلقة تسلق الفنان سلامة قلوب الحاضرين ليفقدهم متعة الولوج إلى لوحاته التشكيلية، وينشغلون بشخصيته التي عانقت أيام النكبة وتنقلت بين مخيمات اللجوء في لبنان وسوريا.
قال مبتسماً: "رغم كل آلامنا كفلسطينيين، نفتخر بأننا فلسطين، ودائما نحن فلسطينيين أو فلسطينيون.. اعذروني على لغتي العربية، هل أحدثكم بالفرنسي!… كمان بغلط بالقواعد".
هوية صفد التاريخية استوطنت جواز سفره الفرنسي وقد دلت على موطن ولادته عام 1944، بعد أن حارب من أجل إعلاء اسم مكان ولادته في ذاك الجواز، فيما نجح الفنان التشكيلي سمير سلامة في انتزاع حقه المدني بتثبيت مسقط رأسه على الورق الرسمي الذي يثبت شخصيته.
ولم تكن تلك المدينة وحدها من أثبتت هويته الفلسطينية، بل إن أعماله كما ذكر؛ تحدثت عنه وعن وطنيته وبفعل رسوماته التشكيلية والتي حاكت النكبة عام 1948، حينما هجر قسراً هو وعائلته إلى بلدة مجد الكروم في الجليل، ولم يذكر من هذه الأيام سوى" حلم عابر لا يذكر منه شيئاً سوى نبع ماء على مشارف مجد الكروم". وتابعت عائلته رحلة الترحال لتصل إلى القرية اللبنانية التي تدعى" بنت جبيل".
في لبنان، كان هناك وقت لرصد الأصدقاء، أي أصدقاء والد سمير ممن كانوا يعملون معه بنقش الحجر، ولم تطل الفترة حتى أكمل الوالد مشواره ليصل إلى بيروت ومن ثم دمشق التي غادرها جنوباً نحو درعا.
امتهن والده حرفة نقش الحجر، وهو بدوره طوع خطوط قلم الرصاص مبكراً، فيما كان يتفنن برسم وجوه زملائه بالمدرسة، ولكن هذه الموهبة لم تكن مخبأة كما يفعل الأطفال في ذاك العمر، بل أشيع سيطها ليمارس طقوسه على دفاتره الخاصة، وكان حينها ينال من الضرب ما لا يزعزع إصراره على مواصلة الرسم، واليوم هو أيقونة تحاكي فناً عصرياً لا غبار ولا خدوش يطاله.
تجاربه الفنية متعددة، فقد أقام أول معرض له في سوريا وتحديداً في مدينة درعا عام 1963، حيث احتلت أقدم المدن العربية النصيب الأكبر في لوحات الفنان سمير سلامة، فتجد سوريا حاضرة بكلماته، وفلسطين تتربع على عرش ريشته، فيما حط أخيراً في باريس.
"صحته متوعكة حالياً ونحن نسابق الزمن، بعض لوحاته التي نفذها في السبعينيات قام بتوقيعها وهو مستلق على فراشه.. " هذا ما قاله الفنان التشكيلي خالد حوراني في افتتاح معرض الفنان التشكيلي سمير سلامة.
في ذات السياق أوضح وزير الثقافة إيهاب بسيسو خلال المعرض بأن الفنان سلامة قد شكل علامة من العلامات الفنية الفارقة لدى الثقافة الفلسطينية ولمواجهة كل التحديدات، فيما وصف الفنان بأنه أحد أعمدة الفنانيين الذين تركوا أثرا في الفن الفلسطيني، وقد شكل على حد وصفه إلهاماً للفن الفلسطيني.
على الرغم من جسده المثقل بالسرطان، لم يكفّ عن الرسم وقد تحدى ذاك المتغلغل بالجسد عنوة بجبروته وإبداعه، وعمد على تطوير تجربته الفنية من خلال التحاقه بالمعهد العالي للفنون في باريس وانتقل حينها من الواقعية إلى التجريد.
فيما تخرج من جامعة دمشق عام 1972 والتحق بدائرة الإعلام الموحد التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في بيروت وأسس وحدة الفنون التشكيلية فيها، فيما كان من أوائل الذين رسموا " البوستر" الفلسطيني للثورة والثوار وعمد على تشكيل مجموعة " فنانون من أجل فلسطين".
في عام 1996 عيّن سلامة بمرسوم رئاسي مستشاراً لوزارة الثقافة، فيما قلده الرئيس الفلسطيني محمود عباس وسام الثقافة والعلوم والفنون، واليوم هو يقلد وسام الإلهام للكثير من الفنانيين الفلسطينيين.