كتب: أحمد زكارنة
ما زالت دول الإقليم تترنح بين الموقف الصلب للقيادة الفلسطينية بزعامة الرئيس محمود عباس الرافض لما يسمى بـ"صفقة القرن" المقدمة من قبل الإدارة الأمريكية، وبين محاولات الأخيرة بزعامة ترامب إيجاد السبل والأدوات المنفذة لهذه الصفقة؛ ما أربك حسابات البيت الأبيض، ووضع دول المنطقة وحكومة نتنياهو في موقف لا يحسدون عليه.
فمن جهتها، تحاول دول الإقليم وعلى رأسها الأردن إيجاد المخرج المناسب لما تحاول الإدارة الأمريكية دفعه باتجاهه، فيما تتخذ الأردن من الموقف الفلسطيني الصلب ستار حماية مؤقت، وما تصريحات الملك عبد الله الأخيرة ووصفة الصفقة بـ"الكارثة" إلا خير دليل، بالرغم من مرور الأردن بأزمة اقتصادية مفتعلة للضغط على النظام الملكي.
فيما تجاهد السعودية بقيادة ولي عهدها محمد بن سليمان لتجد بصيص أمل للضغط على الجانب الفلسطيني دون التورط في الإعلان الصريح عن تساوق المملكة مع المشروع الأمريكي الذي يعده الجانب الفلسطيني تصفية واضحة للقضية الفلسطينية.
أما مصر من جانبها فهي تحاول أن تمسك عصا السياسة الخارجية من منتصفها، فمن جهة لم ترفض الصفقة بشكل صريح وواضح وعلني، ومن جهة أخرى لم تتساوق معها بشكل كامل، ولكنها تحيل الأزمة باتجاه الأطراف الأخرى "السعودية، والأردن، وصاحب الأمر الأساس السلطة الوطنية الفلسطينية" في تطبيق فعلي بمقولة تصدير الأزمات للآخرين.
مؤخرا وبحسب التسريبات الصحافية رفض الرئيس محمود عباس عقد لقاء مع مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنير بحضور قادة عرب.
وأكدت المصادر الصحافية أن السلطة الفلسطينية رفضت عرضاً أمريكيا لعقد لقاء جماعي يضم الرئيس محمود عباس، ومستشار الرئيس الأميركي صهره جاريد كوشنير، وقادة عدد من الدول العربية، للبحث في عملية السلام.
وكشفت هذه المصادر الدبلوماسية أن فريق السلام الأمريكي قدّم، خلال جولته الأخيرة في المنطقة، اقتراح عقد اللقاء الجماعي، وأن مصر نقلته إلى الرئيس عباس الذي رفضه، واعتبره مناورة أمريكية لجرّ الفلسطينيين للانخراط في المشروع المسمى صفقة القرن.
وأضافت أن عباس أبلغ الجانب المصري بأنه يعرف نيّات الأمريكيين، وهي جرّ الفلسطينيين للانخراط في صفقة القرن، من خلال الادعاء أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل لا يشمل القدس الشرقية، وأن رسم حدود المدينة رهن بالمفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وأوضحت المصادر: "يدرك الفلسطينيون جوهر المسعى الأميركي، وهو حل سياسي وفق المواصفات الإسرائيلية، لذلك فإنهم يتحصّنون خلف موضوع القدس لإحراج الدول العربية ومنعها من الانخراط في هذه العملية السياسية".
وأردفت: "ما يقلق الفلسطينيين ليس فقط اعتراف أميركا بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإنما المسعى الحقيقي للمشروع السياسي، وهو إقامة دولة فلسطينية في غزة وأجزاء من الضفة الغربية، بلا حدود ولا إزالة مستوطنات ولا عودة لاجئين"، وأن الهدف هو "إقامة علاقات إسرائيلية - عربية، بعد إيجاد حل للقضية الفلسطينية، لذلك لن يسمحوا لهذه الصفقة بأن تمر على حساب قضيتهم الوطنية".
حركة حماس من جانبها تقف في منطقة رمادية يتضح منها أنها لم تحسم أمرها بعد، فبين قبولها الانخراط في هذا المشروع مقابل رفع الحصار وإنشاء ميناء ومطار ووضعها في صدارة الفعل السياسي الفلسطيني، وبين منْ يقترح عليها الانتظار لتدخل العامل الزمني في حسم الموقف في حال شغر منصب الرئاسة الفلسطينية وبات يحق لرئيس المجلس التشريعي أن يشغله، ما يؤدي عمليا إلى تغيير موازين القوى الداخلية لصالح الحركة.
إلا أن هذا الحل الأخير من الصعوبة أن يسمح لحركة حماس بحرية الحركة سياسيا، خاصة وأن إدارة دفة الحكم تفرض على الجهة الحاكمة مرونة سياسية في التعامل مع متغيرات واقع الفعل السياسي داخليا وخارجيا، وهو ما فشلت الحركة فيه بعد انتخابها في المجلس التشريعي في العام 2006 على أرض الواقع، غير أن الوضع القانوني للحركة في الساحة الدولية سيدخل كامل الملف الفلسطيني في أزمة ربما يكون فيها الشعب الفلسطيني بحاجة لسنوات عدة كي يتمكن من إعادة وضع قضيته على رأٍس الأجندة الدولية والإقليمية مرة أخرى. ما يعني أن مثل هذا الانتظار قد يصعب من المهمة عوضا عن حلها.
وأما بخصوص قبول الحركة الانخراط في مشروع الصفقة، فسيكون بمثابة الانتحار السياسي، كونه سيخلق حالة صدام حاد مع الحضور الشعبي للحركة بوصفها حركة مقاومة وليست حركة "مساومة" كما كانت تتهم السلطة وحركة فتح طيلة الوقت.
ختاما: ما زال أمام الجانب الفلسطيني الفرص الأكثر فاعلية لإمكانية التصدي لهذه المشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية، وأول هذه الفرص يكمن في إنهاء ملف الانقسام لصالح وحدة سياسية تدعم الموقف الفلسطيني أمام كافة الضغوطات الدولية والإقليمية، وثاني هذه الفرص هو ترتيب البيت الداخلي شعبيا، بجهة أن يصبح الموقف السياسي هو المعبّر الحقيقي والفعلي عن الموقف الجماهيري. فضلا عن ضرورة زيادة العمل على المستويين الإقليمي والدولي باتجاه دفع الدول الصديقة إلى معارضة هذه الصفقة.
بدون التوجه إلى هذه الخيارات؛ فإن الوضع الفلسطيني مقبل على أزمة لم تمر بها القضية منذ انطلاق الثورة الفلسطينية الحديثة، خاصة وأن المشهد الفلسطيني لم يكن بهذه الهشاشة السياسية من قبل.