حوالي نصف مليار دولار قيمة الشيكات بدون رصيد خلال الستة أشهر الأولى من العام الحالي بانخفاض بلغت نسبته 9% عن شهر كانون الأول 2017
عدد المصنفين حسب نظام سلطة النقد ضمن الفئات الدنيا والقائمة السوداء (أكثر من 140 ألف مواطن عام 2016 من ضمنها حوالي 6500 على القائمة السوداء)
الحدث – خاص:
أعلنت سلطة النقد أن عدد الشيكات المعادة لعدم كفاية الرصيد خلال الستة أشهر الأولى من العام الحالي ( 269,439 شيك)، وقيمتها النقدية بلغت حوالي نصف مليار دولار (406,225 ألف دولار)، وهي بذلك تكون قد انخفض عددها خلال شهر أيار 2018 بنسبة 6% وانخفضت قيمتها المالية بنسبة 9% مقارنة بشهر كانون الأول من العام الماضي2017.
وذكر علي فرعون - مدير دائرة الجمهور وانضباط السوق في سلطة النقد، أن عدد الشيكات المعادة لعدم كفاية الرصيد حوالي 58885 ألف شيك بقيمة 87 مليون دولار في شهر 12 لعام 2017، وارتفعت في شهر كانون الثاني 2018 إلى 59998 ألف شيك بقيمة 93 مليون دولار، لكنها انخفضت في شهر شباط إلى 50272 ألف شيك بقيمة 76 مليون دولار، مثلما انخفضت في شهر آذار إلى 51 ألف شيك بقيمة 79 مليون دولار ولغاية شهر نيسان بلغ عددها 50 ألف شيك بقيمة 79 مليون دولار.
ويؤكد فرعون، أن قيمة الشيكات المرتجعة في الربع الأول 2018، بلغت نحو 287.13 مليون دولار، بينما كانت نحو 252.13 مليون دولار لنفس الفترة من العام السابق 2017، موزعة على 172.224 ألف ورقة شيك مرتجع، مبينا أن 28% من الشيكات المقدمة من جانب القطاع العام وموظفيه، هي شيكات مرتجعة.
نظام مقاصة جديد ورادع للشيكات
وكشف فرعون، عن نظام مقاصة للشيكات يعكف مجلس إدارة سلطة النقد حاليا على إعداده، ويتوقع أن يتم إطلاقه قبل نهاية العام الحالي، حيث سيشكل عاملا رادعا وسببا جوهريا للحد من ظاهرة الشيكات المعادة لعدم كفاية الرصيد، إلى جانب حمايته المستفيدين إذ ستكون عملية التحصيل فورية.
وقال فرعون: (يشتمل النظام تعليمات متشددة أكثر على التعامل أو تصنيف العملاء المسيئين لاستخدام الشيكات، ويتوقع انخفاضها بعد صدوره، بالإضافة إلى ضمان حق المواطن في استعلامه عن محرري الشيكات، ونظرا لارتفاع نسبة المشكلة فإن البنوك بادرت في التشدد بإصدار دفاتر شيكات بالرغم من أنها تحقق عائدا لها، إلا أنها تشددت في إصدارها للمصنفين على النظام).
فيما أكد مسيف مسيف - الباحث في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، أن ظاهرة الشيكات المعادة المرتبطة بعدم كفاية الرصيد، تستحق التوقف عندها جليا، مبينا أن معدل نسبة الشيكات المعادة من التقاص وصل إلى 7,7% خلال الأعوام الستة الأخيرة.
آثار تدميرية للشيكات بدون رصيد على النسيجين الاجتماعي والاقتصادي
وبينما يحذر فرعون، من ظاهرة الشيكات المعادة لعدم كفاية الرصيد، لا سيما انها تؤثر بشكل مباشر على النسيج الاجتماعي والاقتصادي، وبالتالي على الحركة الاستثمارية والظروف المعيشية، مؤكدا أنه حصل وحدثت حالات من القتل والطلاق كان أحد أسبابها أو أدواتها المستخدم فيها دفاتر الشيكات أو ورقة الشيك. مقرا أن بعض الإجراءات القانونية غير رادعة، وبالتالي يرى أنه يجب أن يكون هناك إجراءات قانونية أو تعديل عليها حتى تكون رادعة لمن يسيء استخدام الشيكات.
فإن المحامي فضل عسقلان يتفق معه عندما قال: (طبعا معدلات الجريمة سترتفع باستخدام الشيكات بدون رصيد، لذا يجب إجراء إصلاحات اقتصادية حقيقية وإعداد رؤية أو فلسفة اقتصادية تحدد التوجهات، كما أن الاستدانة يجب أن تكون مرتبطة بحاجات أساسية قبل الإقدام على تحرير شيكات بدون رصيد).
في حين يرى مسيف، أن الآثار الاقتصادية والاجتماعية كثيرة ومتنوعة، لكنه قال: (لا شك في أن هذه النسبة المرتفعة من الشيكات المرتجعة تصل إلى أكثر من 700 ألف شيك بقيمة تزيد عن 1154 مليون دولار).
وعن الآثار الاجتماعية الأسرية للشيكات المرتجعة يؤكد مسيف، أنها قد يؤدي بعضها إلى آثار سلبية وتدميرية على كافة أفراد الأسرة، والبعض من هؤلاء يفقدون وظائفهم بسبب السجن ويفقدون الدخل الوحيد المغذي للأسرة. وفي بعض الحالات الخاصة تزداد الأمور صعوبة من الناحية الاجتماعية نتيجة توجه البعض إلى الالتفاف على تعليمات وقوانين سلطة النقد؛ بحيث يتوجه من له اسم على القائمة السوداء أو كان ضمن تصنيف مستوى متدني إلى زج أحد أفراد أسرته (الزوجة أو الأبناء) بالتقدم للحصول على دفتر شيكات ومن ثم يتم استغلال هذه الشيكات ومواصلة النهج السابق بإصدارها بدون رصيد، وفي المحصلة مواجهة الأسرة لمشاكل اجتماعية متنوعة.)
ليست ظاهرة لكنها مشكلة لم تصل حد الأزمة
وعلى الرغم من ذلك؛ نفى فرعون وجود أزمة في ظاهرة الشيكات المرتجعة، في الوقت الذي أقر فيه بوجود مشكلة ولكنها لم تصل إلى مرحلة الأزمة؛ (لأن سلطة النقد تعالجها بإجراءات اتخذتها في السنوات السابقة. وتطبيق نظام سلامة الائتمان الموحد لشركات القطاع الخاص مطلع 2017، والذي يكشف عن نوع من السرية المصرفية للمواطنين لحماية الطرفين من مسيئي استخدام الشيكات ومن التورط في الاستدانة أكثر، التي تعتبر أحد الأسباب الجوهرية في ظهور الشيكات المعادة لعدم كفاية الرصيد.
سببها الأعياد والعام الدراسي وتردي الوضع الاقتصادي وشح السيولة
ويتفق الجميع على أن ظاهرة الشيكات المرتجعة تنمو في آخر السنة؛ بسبب الأعياد وفي رمضان والعيدين الفطر اأضحى وبداية العام الدراسي، وهي الفترات التي تنمو وتتحرك فيها الشيكات. كما أن الوضع الاقتصادي المتردي، الفقر، البطالة، غياب الفرص، المعدلات الكبيرة من الخريجين بدون عمل، من المؤكد ينتج عنها الشيكات المرتجعة.
فيما يعزي مسيف جزءا كبيرا من رجوع الشيكات إلى تردي الوضع الاقتصادي وشح السيولة، بالإضافة إلى سوء التخطيط لمصدريها. لا سيما أنه تبين أن تراجع القوة الشرائية للدخول في فلسطين مع ثبات النمط الاستهلاكي له نصيب من ظاهرة الشيكات الراجعة، إذ أن جزءا كبيرا من الشيكات هي مبالغ صغيرة الحجم ولصالح مستفيدين يزودون العائلات بمواد استهلاكية يومية، ولكن بسبب التعثر المالي لم يتم صرفها.
ويقول مسيف( ما يعزز ذلك هو عدد المصنفين حسب نظام سلطة النقد ضمن الفئات الدنيا والقائمة السوداء (أكثر من 140 ألف مواطن عام 2016 من ضمنها حوالي 6500 على القائمة السوداء)، وكذلك عدد الشكاوى المقدمة للمحاكم، إذ بلغت الشكاوى المقدمة للنيابة العامة أكثر من 13 ألف شكوى في العامين 2015-2016 ، موزعة على كافة المدن مع ملاحظة أن مدينة الخليل تمثل نسبة 28% منها، وهذا العدد لا يشمل القضايا التي تذهب لدائرة التنفيذ على أساس أن الشيك أصبح قضية دين للتحصيل. وجزء من هذه القضايا جاءت بهدف الاحتيال وجزء آخر كان بسبب عدم القدرة على التسديد لظروف اقتصادية، وغالبا ما تكون قضايا الاحتيال هي الأقل في الشيكات المعادة، أذ أن نسبة الذين هم على القائمة السوداء لا تتعدى 5% من إجمالي مصدري الشيكات المعادة.)
ظاهرة صادمة لها علاقة بالسياسة المالية العامة للسلطة
وبينما يؤكد د. ياسين ياسين مستشار قانوني في مجلس الوزراء، أن الأرقام الاحصائية صادمة من حيث ضخامتها الصادرة، ما يشكل أزمة ثقة في الحياة التجارية؛ فإن تيسير الزبري – رئيس مجلس إدارة مؤسسة فاتن للإقراض والتنمية، يرى أن لظاهرة الشيكات المرتجعة علاقة بالسياسة المالية العامة للسلطة والهجمة الشديدة جدا على الضريبة، ما يخلق تعقيدات في وجه الحركة التجارية، وإن دفعت للتجار مستحقاتهم الضريبية فإنها تدفعها إلى التقسيط والمماطلة ضمن سياسة الإفقار التي تتبعها السلطة خاصة في السنوات الأخيرة، ما تسبب في اشتداد الأزمة مع تقليص الإيرادات. ومن التجربة فإن ما يحدث أن هناك حالة تجفيف ولا يعتقد أن السياسة الشديدة لسلطة النقد ستعالج وتحل المشكلة وإنما ستزيدها.
وقال (بما أن وزارة المالية لا تدفع متأخرات المستشفيات؛ فإنها لا تدفع للتجار ومن الطبيعي أن تبقى هذه الحلقة الجهنمية في حالة دوران، وهكذا تحدث عملية إفلاس في كل الدوائر.)
فيما يرى فرعون، أن موظفي القطاع العام وصلوا حالة من الإشباع؛ أي أنهم استهلكوا أكثر ما يمكن من الشيكات، فعلى الرغم من أن راتب الواحد منهم بالكاد يصل إلى 4000 شيكل، لكنه يمتلك سيارة حديثة، ويتزوج بالشيكات المؤجلة ويلجأ للبنوك ومؤسسات الإقراض ليقترض بنسبة 50%، ما إن ينتهي منها حتى يلجأ إلى هيئة التقاعد والمعاشات ويحصل منها على قرض، ومنها ليلجأ إلى تاجر السيارات وشركات خدمات أخرى ويحرر شيكات، وبالتالي فإنه أصبح في حالة من الإفراط في الاستدانة بين موظفي القطاعين العام والخاص، وبالتالي ترى سلطة النقد أن هذا القطاع وصل إلى حالة من الإشباع؛ أي أنه استهلك أكثر ما يمكن من الشيكات، وهو ما شجعنا على إعداد نظام السلامة الائتماني الموحد لحماية شركات القطاع الخاص والمواطن ومنعه من التورط اكثر.
ويستنتج فرعون، أن حالات التقاعد المبكر التي يعيشها موظفو القطاع العام، وانخفاض رواتبهم بنسبة 30% وهم مقترضبن ومالكين لسلع وخدمات بشيكات مؤجلة، فعندما يتقاعد مبكرا ويخسر جزءا كبيرا من راتبه بالشيكات التي كان قد حررها لشراء سيارة وشقة وغيرها، سترجع، وبالتالي هذه أحد المظاهر. كما أن الانتشار المصرفي المتوفر حاليا في كل المناطق في فلسطين أثر على زيادة في عدد فتح الحسابات الجارية منذ 2010 – وحتى الآن يوجد نمو في الودائع بنسبة أكثر من 72% ونمو في فتح الحسابات التي يقابلها زيادة في دفاتر الشيكات.
تطبيق عقوبة أربعة أضعاف قيمة الشيك يخلق نوع من الردع
أما المحامي عسقلان، فيرى أن تطبيق عقوبة أربعة أضعاف قيمة الشيك يخلق نوعا من الردع ولن يكون هناك معدلات بإعادة الشيكات بدون رصيد. ويقول: (المشكلة الحقيقية هي التطبيق، غياب الآليات، ففي محكمة بداية نابلس كبرى محاكم الشمال دائرة التنفيذ التي تصل أرقام القضايا التنفيذية فيها إلى 7800 قضية سنويا وهي بحاجة إلى 14 موظفا، فالمشكلة في الآليات المتعلقة بتنفيذ هذه القوانين، حيث لا توجد أمكنة، يمارس فيها المواطنون حقهم بالتقاضي بطريقة جيدة، ما يجعل في نفس محرر الشيك بدون رصيد، مطمئنا لعقم الإجراءات وآليات التقاضي التي تسمح له بجدولة تقسيطه وتدفعه للمطالبة بعقد جلسات اقتدار لمعرفة قيمة القسط القادر على دفعه، وحبس 21 يوما.)
ويؤكد عسقلان، أن كتبة الشيكات الراجعة مهيأون ومستعدون للحبس 91 يوما في السنة، وأن ضعف الآليات العقيمة تشجع على سوء النية لدى محرري إصدار الشيكات ما يساعد على تفاقم الظاهرة.
ولا يعتقد عسقلان، وجود حاجة ماسة لتغيير التشريعات أكثر من الحاجة لزيادة عدد القضاة والبدء بالانتقال إلى مجمع محاكم حقيقي تصلح للتقاضي، وزيادة عدد الموظفين والقضاة، وإصدار تعليمات أو سياسة ممنهجة بعدم التساهل مع الشيكات المعادة والمصدرة بدون رصيد.
التحكيم وسيلة سريعة وسهلة وأكثر ائتمانية لتسوية نزاعات الشيكات بدون رصيد
في حين ترى رئام الشريف - الباحثة القانونية في وزارة العدل والقائمة بأعمال مدير دائرة التحكيم في الوزارة؛ أن حل مشكلة الظاهرة يجب أن يكون بطريقة التحكيم كونها وسيلة سريعة وسهلة وأكثر ائتمانية للأطراف أنفسهم. حيث يعرض أمر الشيكات المعادة على خبراء ماليين ومصرفيين متخصصين وعلى دراية بتفاصيل النزاع أكثر من غيرهم، مقرة أنه على وزارة العدل السعي لتوعية أكثر بإجراءات تعليمية للتوجه للتحكيم خاصة في مجال الشيكات المعادة، في محاولة للتخفيف من هذه القضايا المكتظة بها محاكم ودوائر التنفيذ أو النيابة العامة.
بينما يطالب د. ياسين، بتصنيف للشيكات من حيث القيمة واللون بحيث تخرج ذات القيمة الصغيرة من الاحصائيات، ويرتبط لون الشيكات بحجم الشركة ورأس مالها وتعاملاتها التجارية، إضافة إلى تعديل المنظومة القانونية وذلك بمواكبة الثورة الرقمية والتسويات الرقمية والاجراءات القضائية، وأن تفرض البنوك غرامات ورسوم على أصحاب الشيك الراجع. إلى جانب العمل على إنشاء دائرة التسويات الرضائية في سلطة النقد وتفعيل دورها في حل الخلافات على الشيكات عبر التسويات الرضائية وإعطائها الدور والصلاحيات العادلة والسريعة للخروج من أزمة بطء الإجراءات القضائية في الشيكات المرتجعة.
أما مسيف، فيرى أنه يجب البحث عن أفضل السبل للحد من هذه الظاهرة، وذلك تلاشيا للوقوع في كوارث اقتصادية واجتماعية وضمان سير المعاملات المالية التجارية وغير التجارية بين أفراد المجتمع بثقة وائتمان، وهذا يكون دور البنوك وسلطة النقد والجهازين القضائي والتنفيذي في معالجة هذه الظاهرة.