اللّيلة سأعتَرف أنّني لو كُنتُ غيري لما أحبَبتُني، ولا استَطعتُ التّعايشَ معي. أنا سيّء جدًا، مزاجِي، أحبّ الوحدة، متقلّب، مليء بالانفصام، لا أعرف كيفَ تحوّلت إلى هذا الكائِن: أنا. "في البيتِ أجلسُ لا سعيدًا لا حزين، لا أنا أو لا أحَد"، أمارسُ انشغالي في فراغٍ مطلق. هواتِفي في الوضع الصامِت طوال اليَوم، أشاهِد المكالمات الفائِتة ببرود، لا أفكر في إعادة الاتّصال. مؤخرًا قمت بحذف تطبيق المراسلة: الماسنجر، عشرات الرّسائِل مغلقة ولا أعرف كيفَ سأرد على هذا الكَم منها، كيفَ يستطيع أصدقائي تحمّل هذا، لا أعرف في الحقيقة، أنا التّقصير عينه.
الأمر على ما يبدو مرتَبط بتراجع فظيع في القدرة على الكَلام، والرّغبة فيه، أطول محادَثة يمكنني أن أقوم بها راغبًا لا تتعدّى الدّقائِق، الاعتِزال -مِن العزلة- فرض أحيانًا، ليسَ بالضّرورة أن أوزّع طاقَتي السّلبية على الآخرين، هذه وجهة نظري. على القائِمة كتب كثيرة يجب أن أقوم بقراءَتها، أفكار عديدة يجب تدوينها، أصدقاء كثر يجب الحديث معهم، ولكن ليتني أستطيع التّوفيق بين الواجِب والممكن.
أعترف أيضًا أنّني لولاهم لما استَطعت الاستمرار في هذه المَهزلة، ورغم هذا لا أراني أشعر بأي ذنب، هل سئِمت إلى هذه الدّرجة؟، اغفروا لي هذا!
قرأتُ أنّ الكاتِب إنسانٌ مريضٌ نفسيًا، أنا إثباتُ هذا، مرّة أخرى أكرر: لم أكن هكذا من قَبل، أنا لا أحنّ، ولا أشتاق، أنا كتلة كبيرة من الخَشب، نعم الخَشب.
أحاوِل الخروجَ من هذا، بأيّة طريقة متاحَة، فأرتدّ إليه من جديد، وأصل عمقًا أكثر، أدّعي أنّني قادر على اقتِراف خطيئة الفرح، يذهب ادّعائي مع الريح فعليًا، أنا عاجِز عن تنظيم نَفسي.
لماذا وَصلتُ إلى هُنا، طفولتي المُفترى عليها تدقّ رأسي، تفاصيلي، أسراري، كتاباتي الممزّقة، شعورُ الضّحية، تجلّيات الذّنب، أفكار من كلّ مكان تكفي سكانَ الأرض حيرة، وتشتّتًا، نفس شاحِبة، ذيل من البُخار الساخِن يخرج من صَدري بلا أيّ مبرر، قطارات تتقاطَع في جَبيني، تتحطّم فوقَ وجهي.
قَبل شهر تقريبًا قرأتُ -في مختارات من القصّة الهنديّة - قصّة لأنيتا ديساي، ما زِلت أحفظ اسمه، وأنسى اسمها للمفارقة، أقلب صفحات الكِتاب بضجر كي أجدها، فهي مناسِبة جدًا ليوم نتائِج الثانويّة، إنّها تحكي قصّة شابٍ يهرعُ حافي القَدمين ليخبرَ أهله أنّه أحرز المرتبة الأولى، كانَت القصّة مثاليّة جدًا، أكثر مما ينبغي، أكثر مما أعرف، أكثر مما رأيت!
الحياة خائِنة، أكثر من المرأة التي جَلست تجفّف قبر زوجها بالمروحة، لأنّها عاهدته أن لا تتزوّج حتّى يجفّ تراب قبره، أكثر من نَكتة الرّجل الذي كانَت زوجته (تنقّبُ) له بزرَ البطيخ، فتزوّج عليها؛ لأنّها كانَت تحرمه البزر على حدّ قوله، أكثَر من زيوس الذي نَجا من افتِراسِ والِده وحقّق نبوءة جدّه، ثمّ ترك الآلهة وحدَها، أكثَر من أبي رغال، ومن بروتس أيضًا!
أيّها الجَميع: "الوِحدة هي أن تُصبحَ عاجزًا عن امتِلاك ذكريات جديدة، فالحُزن كالوباء يورث العزلة"، أدرك "أنّ العزلة عن الناس عُزلة الضّعفاء، والعُزلة بينهم عُزلة الأقوياء"، لكن ما بالقلبِ حيلة!!
09/07/2018
الأحد