منذ فترة من الزمن وعلى مدار الاعوام القليلة الماضية نعيش كشعب فلسطيني حالة من التزاحم والتداخل في كافة المناحي، والاتجاهات لدرجة فقدان القدرة على متابعتها، واحداث نجاحات، او احراز التقدم الملموس فيها بما في ذلك قضايا اساسية وجوهرية لما يعرف بالمشروع الوطني، ولو اخذنا على سبيل المثال الفترة منذ بداية العام الجاري 2018 كمجال للتامل والمرور بالتحليل السريع للواقع مع حجم وثقل القضايا، وتسليط الضوء على هذه التطورات فاننا نلاحظ مدى التشابك بين مختلف تلك القضايا، وانها ترتبط ارتباطا وثيقا ولا يمكن تجزئتها او فصلها وان اختلفت خصوصية كل منها فمن اعلان ترامب القدس عاصمة لدولة الاحتلال في كانون الماضي، وتداعيات القرار على العلاقة مع الولايات المتحدة والجولات والاتصالات التي جرت بعدها، ووقف الدعم المالي للسلطة، والمساعدات الاميركية، الى مشاريع قرارات وقوانين كنيست الاحتلال الهادفة لضم ما يسمى الكتل الاستيطانية ومناطق "ج" التي تساوي 62% من مساحة الضفة الغربية، والتقليصات في موازنة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الانروا" بهدف تفكيكها وشطب قضية حق العودة التي تمثل ليس فقط ثابتا وطنيا وانما لب وجوهر القضية الوطنية برمتها، وكذلك القرار بخصم اموال الضرائب من مستحقات السلطة المالية التي تذهب لاسر الشهداء والاسرى، وايضا الملفات المتعلقة بالمعارك السياسية في الهيئات الدولية اليونيسكو، الجمعية العامة للامم المتحدة، القرار بتوفير الحماية الدولية، واهتمامات اخرى تتعلق بالمسيرات السلمية في الضفة الغربية وقطاع غزة رفضا لنقل سفارة الولايات المتحدة للقدس المحتلة وما تلاها من مسيرات يوم الارض، ويوم الاسير والنكبة، والنكسة وكل اشكال ومسيرات الفعل الشعبي التي قوبلت كلها بوحشية الاحتلال وارتكابه مجازر دموية بحق المتظاهرين وهو ما خلف الالاف الجرحى وعشرات الشهداء، ناهيك عن استمرار التوسع الاستيطاني، وسياسة هدم البيوت وخنق مقومات الحياة اليومية للقرى والبلدات واستهداف القدس بالتهويد واقتحامات المسجد الاقصى المبارك .
بعيدا عن السرد السريع لعدد من الملفات سالفة الذكر وتقيم الاداء والملاحظات الكثيرة حولها، اضافة للاوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي شهدت هي الاخرى تراجعا ملحوظا، اضافة لهامش الحريات العامة والوضع الداخلي مع تعثر قطار المصالحة التي تراوح مكانها، وازدياد المخاوف والخشية من انفصال قطاع غزة لمصير مجهول، واطباق الكماشة ضمن مسلسل متواصل بهدف انهاء القضية الوطنية والحقوق المشروعة وتحويلها لمطالب انسانية تتعلق باحسن الاحوال وفق التقديرات بادارة ذاتية وتكريس الضم والابقاء على الوضع القائم بعد ضرب وحدة الاراضي الفلسطينية الجغرافية والسياسية والتي زاد الحديث عنها مؤخرا بوصفها احدى خطوات ما بات يعرف بصفقة القرن، وجزء من السلام الاقليمي او الاقتصادي مهما اختلفت المسميات فان الجوهر يبقى واحد .
الحالة الراهنة وتحديدا خلال الاشهر القليلة الماضية يتم وصفها باجماع الكل الوطني بانها الاكثر خطورة ومن شان استمرارها على هذا النحو ان يترك اثارا طويلة المدى امام ضعف المؤسسة الجامعة، وترهل الهيئات والاطر القيادية، والاتساع المتسارع للفجوة بين المؤسسة والجمهور، وحجم وثقل القضايا التي لا يكاد يمضي يوم واحد دون وجود ملف جديد او حدوث تطور هام من قبل الاحتلال تجاه ملف من هذه الملفات وهي تتنوع وتتشابك معا لتشكل حالة من التندر والتهكم في اوساط المثقفين والاكاديمين والاوساط الاخرى نظرا لصعوبة ايجاد معالجات جدية وفعلية لها وهي تعكس حالة احباط او محاولة هروب من واقع قاس تنعكس سلبا على صورة قاتمة لقلة الاهتمام بقضايا اساسية، كما يجري في هذه الاثناء في معركة الخان الاحمر مثلا وهي قضية لا تخص فقط سكان التجمع الذي يمثل بوابة القدس الشرقية وراس الحربة في مواجهة مخطط الترحيل والتهجير القسري لعدد كبير من التجمعات الاخرى لتفريغ المنطقة تمهيدا لبناء استيطاني ضخم يفصل القدس عن محطيها ضمن ما يعرف ب E1 او مخطط القدس الكبرى ومع استمرار الحالة الفلسطينية " المشتتة " تتصاعد هذه المشاريع في ظل الاعتقاد ان الوضع الحالي غير قادر على المجابهة عربيا ودوليا ايضا ردود فعل محدودة غياب الخطاب، والادوات تبقى محدودة نخبوية مع اهمية ما يجري من صورة رائعة يسطرها اهالي الخان الاحمر، والصمود والحالة الباسلة التي يمثلونها وهي ما تحتاج للتعميم لتصبح ثقافة دائمة، ونهج وتربية يومية للجيل الفلسطيني الناشيء، وتوسيع فلسفة المقاومة الشعبية والفعاليات الوطنية الخان الاحمر نموذجها الان كون قضيته اصبحت قضية وطنية وحماية للقدس من الخطر الداهم وبما ان الوضع كذلك فان التصدي للمخطط ينبغي ان يكون وطنيا ايضا وان يكون وضع الخان الاحمر نقطة ارتكاز هامة لتطوير فعل شعبي متواصل متراكم قادر على تحقيق اختراق كما فعلت الارادة الشعبية في معركة البوابات الاكترونية في ساحات المسجد الاقصى، واسقطت تلك السياسة التي لو قدر لها النجاح لكان مصير الاقصى كمصير الحرم الابراهيمي الشريف في الخليل رغم ادراك الجميع ان الاطماع لم تتوقف ومحاولات استهداف الاقصى وان المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس لا زالت في عين العاصفة .
المقصود بهذا الاستعراض لواقع الحال هو اجراء مراجعة لما يجري ببصيرة نقدية، ونظرة تتعدى المرور مرور الكرام امام ما يجري من حرب شعواء بكل معنى الكلمة تشن اسرائيليا بهدف تصفية القضية وفي كل يوم هناك معطى وبرهان جديد، تطور ميداني وسياسي نوعي ولم يعد بوسعنا ملاحقة هذه القضايا الجزئية التي تقفز احيانا عن الاساسية، ازمات متلاحقة يومية اغلاق للمعابر ضمن تشديد الحصار على قطاع غزة عقوبات جديدة يشترط رفعها بوقف البالونات الحارقة، خصم عائدات الضرائب واقتطاعها لمنع وصول المستحقات ضمن ابسط موجبات الواجب والوطني والاخلاقي لاسر الشهداء والاسرى لالحاق الاذى المعنوي والنفسي قبل المادي بمجمل النضال الوطني الذي يخوضه الشعب الفلسطيني في سبيل تحقيق اهدافه المشروعة في نيل حريته واستقلاله الوطني .
تجزئة القضايا وتحويلها منذ اتفاق اوسلو حتى الان وارجاء القضايا الاساسية للحل النهائي هو ثابت هام في السياسة الاسرائيلية ومنهجية تقوم على استخدام الزمن لتثبيت وقائع على الارض لتكريس الاحتلال وضمان مفاعيل موازين القوى في اية تسوية بما يخدم المشروع الاستعماري وبعيدا عن تلبية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتطبيق قرارات الامم المتحدة، استمرارا لتحويل القضايا لانسانية " انسنة الصراع " هو ضمن مخطط خطير يجري البحث فيه وطرحه مؤخرا تماما كما جرى طرح خطة الانطواء والتسويق لاكذوبة الانسحاب احادي الجانب من غزة التي صدقها العالم ثم جرى تحويل غزة بعدها لاكبر سجن في العالم، واليوم يجري الحديث عن البعد الانساني وهي احدى عناصر صفقة القرن ومحاولة العبور لتمرير حل يفصل القطاع عن الضفة مع تكثيف الوساطات والمشاورات الاقليمية للترويج لها بعد فشل الصيغ الاخرى كمدخل ملائم ويتم الان استخدام خطواتها بالتدريج وعلى مراحل .
هذه الملفات الهامة القدس، الاستيطان، الاسرى ارتباطا بالحياة اليومية والاوضاع الاقتصادية، المصالحة وغيرها لها عنوان واحد وواحد فقط وهو انهاء الاحتلال الاسرائيلي تطبيق قرارات الامم المتحدة، وتجميع الجهود في غاية الاهمية لمواجهة القادم بما امكن من وحدة صف وبقواسم وطنية واضحة فالفرقة تزيد من احتمالية الانقضاض على ما تبقى من قضية ، المسيرات الخجولة التي تخرج هنا وهناك لم يعد مقبول استمرارها والتعامل بالقطعة او"بالقطاعي"بالعامية البسيطة تبعا للعنوان وحالة انفصال غير مقبول استمراره بمعنى الاسرى للاسرى واللجان المقاومة للجدار لها طواقمها، واختصاصها وهكذا دواليك، والمطلوب توجه ورؤية سياسية مغايرة على ابواب انعقاد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده، ومسؤولية عالية لوقف النزف الحاصل في الجسد الفلسطيني عنوان المرحلة الراهنة وان اختلفت القضايا والملفات واهميتها هو انهاء الاحتلال – الاستقلال الان لفلسطين مطلوب ان يرى الناس الجمهور العادي خطوات سياسية وبرنامج عمل وطني متكامل شعبيا ووطنيا لماذا لا يتم ترشيح قائمة لانتخابات بلدية القدس الشرقية؟؟ في البلدة القديمة والاحياء العربية ردا على انتخابات بلدية الاحتلال ونقل السفارة الاميركية، وما الذي يمنع اصدار قانون جديد عبر هيئات ومؤسسات منظمة التحرير يتم تحويله للحكومة لوضع الاليات المحددة لتطبيقه يقضي بمنع دخول منتجات وبضائع الاحتلال كلها للاراضي الفلسطينية ردا على اقتطاع عائدات الضرائب وغيرها الكثير التي ستقابل بترحاب عال وتعيد الثقة واستعداد وجهوزية عالية للعمل على انجاحها يرافق ذلك تفعيل اللجان المختلفة للمقاومة الشعبية وبناء جبهة وطنية موحدة لها، وتسخير كل الامكانات لدعمها واسنادها للتصدي لمشاريع الاحتلال، والعمل دوليا بحملة متواصلة عنوانها رفض صفقة القرن التي لن تمر لانها على نقيض مع الحق ولا تلبي المطالب العادلة كاي شعب على وجه الارض، وتقفز عن حقوق شعب لا يريد سوى الخلاص من الاحتلال وممارسة حقه في تقرير المصير والسيادة الوطنية، تفعيل القانون الدولي لمحاسبة الاحتلال وايدي جنوده وقادته الملطخة بدماء ابناء وبنات الشعب الفلسطيني وتوفير الحماية الدولية، اما العمل بطريقة القطعة قطعة فهو قاتل في ظل وضع نتلقى الضربات، ولا نعرف كيف نرد، ابتعاد الناس يلحق الاذى بالجميع بالجهود الوطنية والشعبية والتفاف الناس اداة قياس صحة البرامج، والطاقات والرهان على الشعب لا يخيب ابدا - ان الاوان للعودة للعمل بشراكة سياسية وتوحيد النظام السياسي على اسس العمل الكفاحي والادوات الديمقراطية لا تقولوا دائما الرهان لا يخيب على الشعب !!هذا صحيح ولكن الشعب ينتظر ايضا جدول اعمال حافل لمواجهة الواقع الراهن يريد تنفيذ قرارات، وارادة سياسية تنهي وجع السنوات العجاف شعبنا قادر ويستطيع سيقلع لبر الامان مهما تبدلت الرياح رغم الامواج العاتية ينتصر ويصنع المفاجات
عضو المجلس الوطني الفلسطيني