قبل ثلاث سنوات انتخبت "إسرائيل" عضواً في اللجنة الدولية لتصفية الاستعمار. أي والله، تم اختيارها لهذه المهمة العجيبة. ثم تم انتخابها رئيساً للجنة الدولية المكلفة بمتابعة شؤون "القانون الدولي".
تشكل هذه الوقائع بالطبع فتوحاً هامة بالنسبة للدولة العبرية. كان مثل هذا الإنجاز في الجمعية العامة أمراً شبه محال. وقد اعتدنا على التعامل مع الجمعية العامة على أنها المحفل الذي يصوت "تحصيل حاصل" مع فلسطين. وكنا نؤكد دائماً على اتكاء الكيان العبري على البلطجة الأمريكية في مجلس الأمن لحمايته من أي استحقاقات في الأمم المتحدة.
اليوم تغير الحال كثيراً، فقد اكتسب الكيان أصدقاء جدد في أفريقيا وآسيا وفوق ذلك بعض الدول العربية. ومن الواضح أن الكيان أصبح يتمتع بالقبول في مستوى الجماعة الدولية. ومن نافلة القول إن جزءاً رئيساً من القصة يمكن نسبته إلى الحال الذي تردى له أصحاب القضية العرب والفلسطينيون. وفي هذا السياق يبدو أن مصر والسعودية والأردن وقطر والبحرين والإمارات والمغرب والسودان يمكن أن تتضامن مع إسرائيل سراً وعلناً. وقد حدث شيء من ذلك أثناء اختيار إسرائيل رئيساً للجنة الدولية الكلفة بمتابعة القانون الدولي، وفي حينه أوضح مندوب فلسطين السيد رياض منصور أنه كان على المجموعة الدولية اختيار رئيس مسؤول، وليس بلداً ينتهك القانون الدولي طوال الوقت. داني دانون ممثل الكيان العبري في الأمم المتحدة تباهى بالفوز على الرغم من محاولة الدول العربية المعادية تعطيل ذلك. بالطبع كان الرجل يشير إلى اليمن الذي تقدم بالاعتراض. يلزم القليل من الوقت فحسب حتى تسيطر السعودية على هذا البلد الفقير وتلحقه بـ "الشرق الأوسط الجديد"، ولا بد أن اليمن يدفع اليوم ثمناً لمواقفه المناهضة للحلف "السني" الاسرائيلي/السعودي.
ما جرى في الجمعية العامة ليس خارقاً لأية قوانين سياسية؛ فقد كسرت "إسرائيل" بالفعل عزلتها في محيطها "الشرق أوسطي" بالذات. ونجحت بذلك في الانتهاء من فكرة أنها كيان صغير يعمل بوظيفة رأس حربة للاستعمار العالمي. بل تحولت إلى صديق لدول المنطقة المهددة بـ"الإرهاب الشيعي" الذي لا يتمتع بشعبية عالية في العالم الحر ومناطق نفوذه.
ولكي نسمي الأسماء بمسمياتها فإن "حزب الله" هو الإرهاب المتفق عليه "عالميا"، إذ لا يوجد على الأرجح الكثير من الدول التي تعد حزب الله مقاومة أو حركة تقاتل من أجل الحرية، وبما أن حزب الله تعرض ويتعرض لحرب "إسرائيلية" لا هوادة فيها، إذا يمكن القول إن إسرائيل من أكبر، أو لعلها أكبر محارب للإرهاب في العالم، بهذا المعنى فإن تصويت الدول العربية مع "إسرائيل" يكافئ طردها للمنار من عرب سات ونايل سات، وهذه الخطوة الأخيرة قد تستكمل في هذا الزمن الذي لم يعد فيه من محال بتحميل قنوات "إسرائيل" على القمرين المذكورين. القاعدة المنطقية البسيطة والمباشرة تبين أنه إذا كان حزب الله نقيضاً للمصالح "الإسرائيلية" والخليجية في آن واحد؛ فإن هناك تقاطعاً أو التقاء لا مفر منه بين مصالح هذه الأخيرة؛ ولذلك فإن مقدار الغزل الخليجي-"الإسرائيلي" لا يجب أن يكون مدهشا من الناحية السياسية وإن يكن كذلك من الناحية الأخلاقية والقيمية والانتماء القومي ...الخ.
غنيّ عن البيان أن السعودية والإمارات والبحرين ودول الخليج ودول عربية أخرى تتفق مع "إسرائيل" في أن الإرهاب الذي لا اختلاف عليه هو إرهاب الشيعة، وهناك حركات أخرى يمكن الاختلاف أو الاتفاق بخصوصها. من ذلك جبهة النصرة التي يدعمها الخليج والتي تقاتل من أجل "الحرية" في سوريا وإسقاط نظام "الطاغية" بشار الأسد. هذه الجبهة تتلقى مساندة "إسرائيل" بوصفها مقاتلة من أجل الحرية، وتحظى بالرعاية الإسرائيلية المالية والطبية والاستخبارية. أما حماس فهي محل خلاف حتى اللحظة، وربما يجدر بأردوغان بعد أن عاد إلى علاقات المودة الطبيعية مع "إسرائيل" أن يجد طريقة بالتنسيق مع قطر والسعودية من أجل تهدئة الأجواء لوقت طويل بين حماس والصديقة "إسرائيل" وإلا شكل موضوعها خللاً في تعريف الإرهاب؛ لأن "إسرائيل" ستواصل خلط حماس بحزب الله وهو ما لا يفيد أي من فرقاء التحالف الشرق أوسطي الجديد.
بعد أن قبلنا اختزال الخلافات بيننا وبينها إلى تفاصيل حدودية يمكن أن تناقش على امتداد عقود بالمفاوضات والمزيد من المفاوضات؛ لم يعد "العالم" قادراً على رؤية أن "إسرائيل" بلد يختلف عن غيره، بل قد تكون بالفعل بلداً محورياً في محاربة الإرهاب مثلما في نشر الديمقراطية والحرية والعلم والحضارة في الشرق الأوسط والعالم أجمع.
اليوم هناك سباق لا يجوز الاستهانة به في سياق استرضاء "إسرائيل" واستمالتها، وهو ما يتنافى مع "أسطورة" عزلة "إسرائيل" الدولية التي يروجها بعض من أصحاب النوايا الحسنة الذين يعملون بشجاعة في أنشطة مقاطعة "إسرائيل". الصحيح أن أعداء "إسرائيل" مثل حزب الله وايران وسوريا هم الذين يعانون إلى حد كبير من العزلة، ويبدو أن دولاً كثيرة في العالم تختلف على أشياء كثيرة، ولكنها تجد "إسرائيل" في نهاية التحليل بلداً مستقراً يمكن الاعتماد عليه في محاربة التطرف والإرهاب، وهذا للأسف ينطبق بدرجة ما على دولة بحجم روسيا.
فقط اتساع تأثير محور المقاومة وصموده وتعزيز قوته هو ما يمكن أن يغير في ميزان القوى الإقليمي والكوني ويعيد بوصلة الصراع إلى الاتجاه ناحية فلسطين. أما ميزان القوى الحالي الذي يتجه نحو بنية الشرق الأوسط بزعامة "إسرائيل" فإنه سيشهد دون شك المزيد من تساقط الثمار في السلة "الإسرائيلية"، كيف لا، والخليج قاب قوسين أو أدنى من توقيع اتفاقية حلف دفاعي معها من أجل مواجهة الخطر/الإرهاب الشيعي المزعوم!