السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"مملكة الشّر" وحقيقة صَفقة القرن بقلم: أحمد زكارنة

2018-07-20 09:42:19 PM
أحمد زكارنة

إن بدأنا بمفهوم الصّفقة بالمعنى التّجاري، على اعتبار أنّ مقدمها هو رجل أعمالٍ بالمقام الأول، وإن كان يشغل منصب رئيس أكبر دولةٍ في العالم، فسنجد أنفسنا أمامَ مفهومٍ تعاقديّ، يأخذنا لعمليّة تجاريّة من المفترض أنّها قامت بالأصل بين طرفين، ارتَضى كل منهما بما عرضه الآخر.

ولكنّ الأمر بالنّسبة لموضوع "صفقة القرن" السّياسية التي جرى ويجري الحديث عنها مطولًا سواء في الشّرق أو في الغرب، يختلف تمامًا عن ذلك المفهوم أعلاه، وذلك لسببٍ بسيط علينا الانتباه له جيدًا، ألا وهو ذلك الإسرائيلي الذي ليس بحاجة لعقد صفقات تقلّص مما بين يديه، ومما سعى إليه فوصَله بعد نَحو قرنٍ من الزمن، وهو بالتّحديد إقامة "مملكته" المنشودة ما بين خطي علمه، أي ما بين النيل والفرات.

إنّ تداعيات ما يجري الحديث عنه بصيغة "الصّفقة" لا يصبّ إلا في صالح الطرف الإسرائيليّ حصرًا، وأما الأطراف الأخرى فدورها ينحصر في خدمة مصالح الطرف الأول الإسرائيلي وفقط، ودلالات ذلك يمكننا ملاحظتها في بحثِ الطرف الأمريكي عن موافقة فلسطينية كان من الضّروري العمل عليها في سياقينِ أساسيين، الأول يتمحور حول تقليص التّطلعات والآمال العربيّة الفلسطينيّة عبر تغييب أهمّ ملفين ملغومين، ملف القدس وحق العودة.

وأما الثاني فيتجه بنا نَحو ما تسميه الدّوائر والنّخب الإسرائيلية بضرورة "إعلان الانتصار" كما ورد في المؤتمر الأخير لمركز "بيغن للسّلام" وهو إعلانٌ لا يتخلى عن المفهوم التوراتي للضفة الغربيّة باعتبارها "يهودا والسامرة"، وإنّما يشترط تحويل مسار المفاوضات من مفاوضاتٍ على إقامة دولة فلسطينيّة على حدود الرابع من حزيران للعام 1967 إلى مفاوضاتٍ على إقامة دولة محدودة في قطاع غزة، مع إمكانيّة التمدّد الطبيعيّ في شبه جزيرة سيناء، سواء تمّ الأمر بالعلن، أو بما تفرضه وقائع الأمور على الأرض.

دور الأطراف العربيّة "دول الإقليم" - مصر والسّعودية والأردن تحديدًا- لا يبتعد كثيرًا بحسب المخطط الصهيوأمريكي عن فكرة العمل الدؤوب لصالحِ الطّرف الإسرائيليّ على محوريين مهمين أيضًا، تتلخص فكرة المحور الأول المؤدي بطبيعة الحال للثاني، في ضرورة إنهاء المسألة الفلسطينيّة مرة واحدة، وإلى الأبد، وبموافقة فلسطينيّة إن أمكن، فيما الثاني يحقّق بشكل حتميّ حلم الدّولة العبرية ما بين "النيل والفرات، وإن لم يتأتّى ذلك بالوسائل والأدوات التّقليديّة، أي الأداة العسكريّة، إذ لم يعد للمنطق العسكري ضرورة ملحة، في حال استسلام دول الإقليم للتّوجهات والسّياسات الاقتصادية والاجتماعية، كما السّياسية، المطروحة من قبل الأمريكي والإسرائيلي.

ولعل ما شهدناه من تغييرات اجتماعية متسارعة في المملكة العربيّة السّعوديّة هو خير دليل على ما نقول، وكذا الأمر حينما نتابع الضّغوط الاقتصادية الهائلة التي يتعرض لها الأردن؛ لمجرد أنّه انتبه على ما تخطط له الحكومة الإسرائيلية بمساندة الإدارة الأمريكية، فضلًا عن الضغوط السّياسيّة والاقتصاديّة التي تمارس ضدّ مصر منذ إسقاط نظامِ الرّئيس مبارك، أمّا العراق فلم يعد ذلك العراق الذي كانت تهابه دولة الاحتلال في زمن نظام الرّئيس الراحل صدام حسين، بينما يتم إعادة تأهيل سوريا لما هو قادم من مرحلة تفرض وقائع جديدة على الأرض، ألا وهي مرحلة إسرائيل أولًا وأخيرًا من النيل وإلى الفرات، سياسيًا واقتصاديًا وحتّى اجتماعيًا.

وإن أردنا التّوسع قليلًا فيما نطرح علينا أن نعيد السّؤال حول الأهداف الحقيقيّة لما يدور الحديث عنه باستفاضة هذه الايام، ألا وهو منطقة التّجارة الحرة التي ستربط الحدود المصريّة بالأردنيّة بالسعوديّة من جهة، و بالحدود الإسرائيليّة من جهة أخرى.

كلّ هذه المؤشرات إنّما تدلّ بما لا يدع مجالًا للشك أنّ ما يطرح اليوم ويدور من حوله الحوار، لا علاقة للسّلام به، ولكنّ العلاقة كلّ العلاقة تكمن فقط في التّنفيذ الحرفيّ والدّقيق لحلم إسرائيل الكبرى ما بين النيل والفرات؛ لتصبح "مملكةُ الشّر" هي الهدف الحقيقيّ لما يسمى بـ صفقة القرن.