أدهم أبو سلمية: الإشكاليات التي احتوتها الخطة أفشلتها ولا بد من فتح كافة المعابر لإدخال الأسمنت بلا شروط
غزة- محاسن أصرف
على مدار مئة يوم من وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي نهاية أغسطس الماضي، وبعد إعلان التسهيلات على المعابر لإدخال مواد الإعمار، لم يدخل إلى قطاع غزة المنوي إعماره وفق خطة "روبرت سيري" الأممية سوى ثلاثة آلاف وستمائة طن من الإسمنت تقريباً، في حين أن ما يحتاجه الإعمار يتجاوز 1.5 مليون طن من الإسمنت فقط للمساهمة في بناء 115 ألف منزل ومؤسسة ومصنع تم تدميرها بشكل كلي أو جزئي.
ويقول خبراء لـ"الحدث": "إنه لا يُمكن الاستمرار بإدخال كميات الأسمنت بهذه الوتيرة البطيئة والمجحفة"، وأكدوا في أحاديث منفصلة أن الإجراءات التي تتطلبها الخطة لحصول من تضرر بيته "تعجيزية"، وتنطوي على "شبهات أمنية" خاصة فيما يتعلق بتحديد مكان الدمار بإحداثيات GBS، كما أنها تُحاول إدارة الحصار وتسهيله وليس إنهائه، داعين إلى تعديل الخطة برفع القيود والشروط التي تفرضها على إدخال مواد البناء، وإتاحة المجال أمام البدء الفعلي في عملية الإعمار، وإنهائه في فترة زمنية قصيرة، ويرى الخبراء أن التعديل سيمنع انفجار القطاع مجدداً وتدهور الوضع الميداني.
وشكى مواطنون وتُجار لـ"الحدث" من القيود التي تفرضها خطة "سيري" على تزويدهم بكميات الأسمنت ومواد البناء اللازمة لتعمير بيوتهم المدمرة، وقال أحد المواطنين ويُدعى "أبو علي" من حي الشجاعية: "إذا كانت خطة سيري الخيط الوحيد للإعمار في قطاع غزة فلا بد من تعديلها وإلا إلغائها وابتداع أُخرى"، داعياً إلى إعطاء الأولوية لمصلحة المواطن وليس لرغبات "سيري" الشخصية ومصلحة الأمم المتحدة التي بدت عبر هذه الخطة وكأنها تنصر الجلاد على الضحية.
ويؤكد المواطن أبو علي الذي هُدم بيته أنه طول الإجراءات التي تقول بها الخطة من شأنها أن تزيد معاناته في حياة التشرد، وتساءل، لماذا علينا أن نُقدم تفاصيل توضيحية حول مكان المنزل وتحديده بخاصية GBS؟ وتابع لماذا لا يتم إدخال مواد الإعمار بشكل طبيعي وحصول كل مواطن على احتياجاته التي تُحقق له حياة كريمة؟
ولم يتمكن أصحاب البيوت المدمرة كلياً من البدء بإعادة بناء منازلهم بسبب تباطؤ إدخال الكميات اللازمة لإعادة إعمار القطاع كلياً، وتُشير التقديرات إلى أن الكميات التي أُدخلت إلى القطاع والبالغة حوالي3600 طن أسمنت وزعت على بعض المنازل المدمرة جزئياً، كما لم تبدأ الدول المانحة بإيصال تعهداتها المالية إلى القطاع لإعادة بنائه الأمر الذي فاقم معاناة المواطنين.
إشكاليات
ويرى "أدهم أبو سلمية" الناطق الإعلامي باسم الهيئة الوطنية لكسر الحصار وإعادة الإعمار، الإشكاليات التي احتوت عليها الخطة الأممية التي شرع بتطبيقها روبرت سيري بُعيد وقف إطلاق النار نهاية أغسطس الماضي، كانت سبباً في فشلها على الأرض ورفضها أيضاً من قبل كافة المؤسسات الرسمية والتنظيمية والأهلية والشعبية في قطاع غزة، وقال في تصريحات لـ"الحدث" أنها أعادت شرعنة الاحتلال من خلال إدارة الحصار على القطاع، كما أنها تفرض الكثير من اللوائح والبنود فيها الكثير من الشبهات الأمنية مثل وضع الكاميرات على مناطق توزيع الأسمنت وصناعة الحجارة وغيرها، قائلاً: "هذه الإجراءات من شأنها أن تعرقل عملية الإعمار لأن فيها تأخيراً واضحاً بسبب المتابعة وأليات الرقابة المكلفة، واستهجن "أبو سلمية" تلك الآليات الرقابية المفروضة على مادة الأسمنت مؤكداً على عدم قانونيتها.
وفي سياقٍ متصل طالب "أبو سلمية" بضرورة إعادة النظر في خطة روبرت سيري والبنود الموجودة فيها عبر تخفيف الإجراءات المطلوبة وأشار أنه من حق من يُريد إعادة بناء بيته لا يكون مجبراً بالإجراءات المرهقة وتحديد بيته بإحداثيات GBS أو يخضع للفحص الأمني، فإما أن توافق إسرائيل على استكمال الإجراءات ومنحه فرصة إعادة بناء المنزل أو ترفض ويبقى أسيراً لحياة التشرد، داعياً إلى ضرورة الالتزام بقرار مجلس الأمن وجامعة الدول العربية 1860 والقاضي برفع الحصار كلياً عن القطاع، وقال: "على الأمم المتحدة إما أن تساهم في رفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة أو أن ترفع يديها عن الأمر، فلا يُعقل أن تقف إلى جانب الجلاد على حساب الضحية".
وتساءل "أبو سلمية" في ظل الإجراءات العقيمة التي تفرضها خطة سيري سواء على التسجيل أو الرقابة والمتابعة والبحث الأمني كم نحتاج لإعادة إعمار القطاع؟ وأردف قائلاً: "الحاجة ملحة جداً لإعادة الإعمار بعيداً عن القيود والشروط التي تضعها الخطة الأممية"، داعياً إلى فتح كافة المعابر الستة للقطاع من أجل إدخال متطلبات الإعمار سريعاً وعدم الاكتفاء بإدخالها عبر معبر كرم أبو سالم الذي لا يستوعب أكثر من 2000 طن من الأسمنت يومياً.
رفع الحصار كاملاً
وبينما صرح "د. موسى أبو مرزوق" نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أن المبعوث الدولي للشرق الأوسط "روبرت سيري" أجرى تعديلاً على خطة إعمار غزة بناءً على طلب من حركته، نفى لنا "عاطف عدوان" رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس التشريعي أن يكون الحديث عن إجراء تعديلات على الخطة الأممية جدياً، مطالباً في اتصال هاتفي مع "الحدث" بضرورة التخلى عن الخطة الأممية والعمل على رفع الحصار بالكامل عن قطاع غزة بما يُحقق فتح المعابر وإدخال مواد البناء دون شروط إلى القطاع وتمكين أصحاب البيوت المدمرة من إعادة تعميرها سريعاً.
ويوضح "عدوان" أن الكميات التي أُدخلت إلى القطاع لا تفي بالاحتياجات الكبيرة التي يتطلبها الإعمار، مؤكداً أن الحاجة تُشير إلى 1.5 مليون طن من الأسمنت، وما أُدخل لا يتجاوز 3600 طن فقط على مدار ثلاثة أشهر، وتابع قائلاً: "من الضروري أن يتم إدخال الأسمنت دون شرط أو قيد".
إلغاء تدريجي
من جانبه كشف "محمد أبو جياب" المحلل الاقتصادي ورئيس تحرير صحيفة الاقتصادية بغزة، عن وجود تعديلات على الخطة بحيث تم إلغاء ثلاث نقاط مهمة فيها تتمثل في إلغاء المطالبة بتحديد المنازل المدمرة والمنوي إعمارها بإحداثيات GBS، وإلغاء الفحص الأمني للمتضررين والذي يتم بموجبه تعويض البعض واستثناء آخرين ممن لهم علاقة بالتنظيمات الفلسطينية والذين تم استهدافهم بشكل مباشر خلال الحرب، وأخيراً، وفق أبو جياب، زيادة كميات مواد الإعمار الداخلة إلى القطاع وتخفيف الإجراءات الروتينية الخاصة بآليات المراقبة في مخازن الموردين، ويُشير "أبو جياب" إلى أن تلك التعديلات تعمل على تخفيف من شأنه أن يُخفف الضغط والتوتر في الشارع الفلسطيني ويضمن عدم الانجرار لمواجهة جديدة مع الاحتلال الإسرائيلي قريباً.
وأكد "أبو جياب" أن العالم يتجه إلى إنهاء خطة سيري وايجاد خطة متوازية لا يتم من خلالها الإعلان عن إلغاء سيري أو فشلها ولكن تتبع "الإلغاء التدريجي"، وقال: "سيتم إلغاء وبنود الخطة تدريجياً مع مرور الزمن، وسيحل محلها قوانين وإجراءات فلسطينية ذات علاقة بالإعمار وتنظيم سوق الصناعات الإنشائية".
وكانت مصادر خاصة كشفت لـصحيفة "الاقتصادية" الذي يرأس تحريرها "أبو جياب"، بأن تُجاراً فلسطينيين ممن لم ينضوا تحت موردي الأسمنت الذين حددتهم "خطة سيري"، دخل إلى مخازنهم الواقعة شرق الشجاعية، كميات من الأسمنت، وقالت "الصحيفة" إن مخازن أولئك التُجار وهم "ماهر وفارس عابد" لا تحتوي على أي وسائل مراقبة سوى آلية التوزيع من خلال كوبونات المؤسسات الدولية والأشغال ما يؤكد أن خطة سيري بدأت بالانهيار التدريجي الممهد لإلغاء إجراءاتها واستبدالها بإجراءات فلسطينية.
فتح كافة المعابر
وعبّر "م. نبيل أبو معيلق"، نقيب المقاولين في محافظات غزة، عن رفضه لخطة "سيري" باعتبارها أداة لإدارة الحصار على قطاع غزة، وقال في تصريحات لـ"الحدث": "نحن مع رفع الحصار بالكامل" وشدد على ضرورة تعديل الخطة وآليات إدخال مواد الإعمار وإعادة البناء إلى قطاع غزة بما يتناسب مع الاحتياجات الكاملة للإعمار.
ويحتاج القطاع المدمرة بيوته ومؤسساته إلى ما يُقارب من 1.5 مليون طن من الأسمنت فقط، في حين أن ما أُدخل وفقاً للخطة الأممية لا يتجاوز 3600 طن على مدار 100 يوم من وقف إطلاق النار والإعلان عن تسهيلات المعابر، ويُشير "أبو معيلق" إلى ضرورة إدخال تعديلات على الخطة تُمكنهم من لمس نتائج الإعمار على الأرض بوضوح، ويقترح رفع الكفاءة لإدخال مواد البناء بما يتناسب مع الاحتياجات الملحة وألا تقل الكميات المدخلة يومياً عن 10.000 طن قائلاً: "ذلك سيؤدي إلى عودة الحياة لطبيعتها ويُحرك العجلة الاقتصادية بالإضافة إلى تشغيل البطالة وخفض نسب الفقر"، ويدعو "أبو معيلق" إلى إلغاء آليات الفحص الأمني التي تُصر عليها الخطة، وزيادة عدد الموردين وفتح السوق الحرة بشكل أكبر وإعطاء الفرصة لمن لديه القدرة الإدارية والفنية والمالية على التنافس في سوق حر فلسطيني، بالإضافة إلى ضرورة توسيع معبر كرم أبو سالم ليستوعب المزيد من كميات مواد الإعمار وفتح المعابر الأخرى في القطاع كمعبر صوفا وكارني لتعمل بالتوازي لإدخال المواد الإنشائية بالحد الذي يُحقق سرعة الإعمار وإحقاق حقوق الفلسطينيين المدمرة بيوتهم بإعادة بنائها والعيش بكرامة تحت أسقفها.